أصابع خفيه
قصه قصيرهعلا بصري نحو ذلك المربع المشوَه الصغير،المحفور بأهمال في ذلك الجدار العالي .
إنه جنتي.. وهو سقطة حنان إجباريه للسجان ليحافظ على حدود الروح التي يحتجزها،ضمن مرتبه قريبه من قبضة السماء وذات الوقت دون خط أفقها بلمسة خيط..
وها هي اليوم،نافذتي، تلفازي الصغير، المدرّع بالقضبان ، يعود قرب موقعه بعد ان كان منذ أيام عند الزاويه..وقد تحرك لنقطة أوطأ قليلا في الأمس.
ليته يثبت في مكانه الدائم ،أيام مرت ولم يظهر الطاووس على شاشتي ..ولا غنى لي الكناري..حتى الطنّان رحل ولم يعد. سخر مني الحارس عندما حدثته عن زواري . تركته يهذي بان تلك المخلوقات لا وجود لها في بلادنا، وليس في سمائنا مسلك عند هجرتها.
أنه غبي كسيده المحقق ذو الذقن المدببه والأنف المعقوف الذي لايتوانى عن نبشه بأصبعه الأبله. هو دون شك تمكن من أقناعي باني كلب وأبي أيضا كلب مثلي، لقد جعلني أؤمن ببديهياته !،بركلي على وجهي، بعدما تجرأت و شككت في نظريته بأني أنسان.
أما نظرياتي فهم يسخرون منها!!..
لذلك سوف لن أتحدث اليهم بعد الآن عن مشاهداتي..كي لا أمس الذات الألهيه لذكائهم وشريعة تكامل فطنتهم.
(أيها الحمقى لماذا لا تصدقون أنني احبكم؟!)..
قلتها للحارس وهو يلوح بآخر أظفاري الذي قلعه للتو أمام عينيّ الدامعتين..
(حمداً للسماء ..ها قد حلت ساعة راحتي من آلآم عذاباتي ..لم يتبقَ في جثتي أظفرٌ لتزيلوه).
أجابني وهو يُطقـّطِق بفكي الكمّاشه، بأن سيادة المحقق لن يقف عاجزاً ..وسيأمر بأزاحة أسناني عن فمي أن اقتضى الأمر.
ها.. ها.. ها..ليتهم أبتدأوا بها..فيها ما هو خرب ومنخور..ياه من ألم العصب الظالم..هيا ..فليقلعوها وما حاجتي لها ولا طعام صلب قد زار معدتي من شهور؟!..
لن أبوح لهم بأن الأيادي الخفيه زارتني بالأمس..أكف تتحرك دون أجساد!!..لن تتخيلوا ذلها وهوانها وكيف ان أصابعها ترتجف وهي ممسكه بقضبان شاشتي ترجوني أن ان لا أكشف أسرارها..
تحديتها ..نعم..كيف لا وهي سبب وجودي هنا..فأشارت لي بالسبابه محذره ومنذره ثم شاتمه.
نكّست أبهامي مقلوبا للأسفل..وراحت سبابتها تزمجر وتتوعد..ليتها قرب أسناني لقطــّعتها ..
ياه ..يالكراهيتي لها..تلك الكفين النجستين..لا رغبة لي في رؤيتها بعد الآن. سأترجى الحارس..وسأقبّل قدميه كي يحشو لي الشحنات في جانبَي رأسي..
ياه ..كم وكم هي حاجتي ملحّه اليها.. لأني أتمنى لو عدت ثانية لرؤية الكناري والطاووس والطائر الطنـّان..
أنا..أنا ..ياربي.
أنني حقاً قد أشتقت أليهم..
لن أثير غضبهم بعد الان ولن أصرخ مدّعيا البراءه.. فلطالما كنت خارج السجن صامتا..ودودا..منحنيا للجميع ، فانني قد تركت بصماتي على سكين الادانه.
ان صراخي الأن عقيم الجدوى، كنحيب حمامة عالقه بين مخالب نسر .. كنت احلم بالوطن..وما جدوى الأحلام في احضان الأسرّه الدافئه؟..اتأمل الحقيقه الصادقه..وماذا لو تجلـّت لي؟..
انني كمن يبحث عن أمل خلف دليل صحراء.. تركني أهيم وحدي وراح يضاجع خوفه..
لا جدوى..
سأتوسلهم اليوم أن يعودوا ثانية ويوصلوا الى جمجمتي التيار المكهرب ..لتعود للعمل شاشة تلفازي..في ذلك المربع..جنتي.