أصوات الشهداء تتصاعد من مقابرنا الجماعية, فهل نحن صاغون لها؟
استقر الرأي في العراق, وكما يبدو, على أن يكون السادس عشر من أيار/ مايس من كل عام يوم المقابر الجماعية التي امتلأت بها أرض العراق. وتشير المعلومات المتوفرة إلى الآن عن اكتشاف 240 مقبرة جماعية موزعة على 100 موقع في مختلف مناطق العراق, وفق ما جاء في المؤتمرين المهمين اللذين عقدا في لندن والنجف للبحث في أمر المقابر الجماعية. ولم ينته البحث عن بقية المقابر الجماعية إلى الآن ولا بد من مواصلته.هذه المقابر الجماعية تحتضن رفات عشرات ألوف الناس الذين قتلوا أو استشهدوا في فترات مختلفة من حكم نظام البعث, وخاصة بعد الانقلاب الدموي الذي نظمه صدام حسين ضد مجموعة كبيرة من قياديي حزب وحكومة البعث في تموز من العام 1979 حيث قتل منهم 63 شخصاً بعد اتهامهم بالتآمر على حكمه وقيادته, ومن ثم إزاحته لأحمد حسن البكر الذي شاركه في كل الجرائم التي ارتكبت في العراق حتى نهايته على أيدي جلاوزة النظام السياسي الفاشي الذي شارك في بنائه في العراق.
تضم المقابر الجماعية عدداً كبيراً من بنات وأبناء وأطفال العراق ممن قتل أو استشهد لأسباب مختلفة على أيدي جلاوزة النظام منهم بشكل خاص:
1. مناضلون سياسيون قتلوا تحت التعذيب أو في السجون والمعتقلات البعثية وهم مؤيدون أو ينتمون إلى مختلف القوميات والأديان والمذاهب والاتجاهات الفكرية والأحزاب السياسية.
2. عدد كبير جداً من الكُرد الفيلية الشباب الذين هجرت عائلاتهم إلى إيران وقتلوا في السجون والمعتقلات.
3. الكُرد الذين استشهدوا أو غيبوا وهم أحياء ودفنوا في مقابر جماعية, سواء أكانوا من النساء أو الأطفال أو الرجال , والذين قدر عددهم بحوالي 182 ألف نسمة في عمليات ومجازر الأنفال ضد الإنسانية والإبادة الجماعية.
4. الجنود والضباط الذين قتلوا بتهمة الجبن أو الاختلاف مع "القائد الضرورة" أو جمهرة من الجنود الذين قتلوا في جبهات القتال وكانت عائلاتهم مهجرة, سواء أكانوا من عرب الجنوب والوسط أم من الكُرد الفيلية.
5. عدد غير قليل ممن حاول التآمر على صدام حسين ونظامه الدكتاتوري ثم جرى الكشف عن تلك المحاولات وقتل أفرادها , سواء أكانوا أعضاء في حزب البعث الحاكم أم من المستقلين.
إن هؤلاء جميعاً نسمع أصوتهم تتصاعد من المقابر الجماعية تعلن احتجاجها وتطالب المجتمع العراقي والدولة العراقية بالكشف عن المجرمين القتلة الذين تسببوا في تلك الجرائم ومعاقبتهم وإعادة حقوقهم إلى من تبقى من عائلاتهم.
ولكن علينا أن ننتبه إلى أن في العراق مقابر جماعية أخرى غير تلك التي تسبب بها نظام البعث الدموي, مقابر جماعية نشأت بفعل الجرائم التي ارتكبتها قوى الإرهاب والمليشيات الطائفية, سواء أكانت سنية أم شيعية, في المناطق التي سيطرت عليها وقتلت الكثير من الناس الأبرياء. وكذلك أولئك الذين عذبوا وقتلوا في السجون والمعتقلات الأمريكية والعراقية بواسطة أجهزة أمن وقوات الدولتين, والتي كشف عن هذه الرفات أو لم يكشف عنها إلى الآن, والتي دفنت في مقابر جماعية جديدة, ترفع هي الأخرى صوت الاحتجاج وتطالب بالكشف عن المجرمين القتلة وتقديمهم للعدالة بدلاً من السكوت عنهم. إذ أن السكوت عن مثل هذه الجرائم يسهم في توفير مستلزمات تكرارها دون رادع أو وزارع من ضمير.
إن التفكير الإنساني السليم يفرض على الحكومة العراقية اتخاذ كافة الوسائل الكفيلة بالكشف عن كل الجرائم المرتكبة في العراق خلال العقود الخمسة المنصرمة, ومنها شهداء المقابر الجماعية, سواء تلك التي تسبب بها نظام البعث أم قوى الإرهاب والصراع الطائفي السياسي والقتل على الهوية الدينية والمذهبية والفكرية.
لنتذكر دوماً الشهداء الذين تحتضنهم المقابر الجماعية فهم من بنات وأبناء هذا الشعب ومن حقهم علينا أن نبحث عن قتلتهم وأن نعوض عائلاتهم وأن نسعى للتخفيف النفسي والعصبي عن تلك العوائل التي تحملت الكثير من جراء ظلم وجبروت واستبداد وقسوة النظام في العراق ومن شراسة قوى الإرهاب والقوى السياسية الطائفية المتطرفة والمسلحة التي تسببت في موت الكثير من البشر.
الذكر الطيب للشهداء والخزي والعار لقتلتهم.
15/5/2010 كاظم حبيب
نشر في جريدة المدى بتاريخ اليوم 17/5/2010