Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

أنور ونوري وطارق

بعد وفاة الرئيس المصري جمال عبد الناصر أجتمعت حاشيته التي قربها اليه وأختصها بالنفوذ بعيدا عن شركائه في مجلس قيادة ثورة يوليو الذين أسقطهم من حساباته واحدا تلو الآخر ولم يكن احدا من اعضاء مجلس قيادة الثورة ال15 قد بقي معه الا اثنان حسين الشافعي وانور السادات واختار عبد الناصر السادات نائبا له في خطوة غريبة قبل سنة من وفاته وكان الشافعي نائبا له في وقت سابق

أجتمعت حاشية عبد الناصر والمكونة من علي صبري أمين عام الاتحاد الاشتراكي وهو بمثابة الحزب الحاكم وشعراوي جمعة وزير الدفاع ومحمد فوزي وزير الدفاع وعبد المحسن ابو النور ووزير الارشاد محمد حسنين هيكل وسكرتير ناصر سامي شرف وأتفقوا على تطبيق الدستور عند وفاة الرئيس والمادة الدستورية تنص على تولي نائب الرئيس المسؤولية لحين أجراء أستفتاء شعبي على الرئاسة وطبعا أستفتاءات المراحل الشمولية تتم دائما بنتائج تفوق التسعين بالمائة وأجمع هولاء على ان اختيار السادات المعروف بعدم شعبيته ونفاقه الدائم وحبه للمظهرية وللاعلام سيسهل عليهم قيادته من خلف الستار وعدم أحراق اوراقهم وأنهم سيستمرون في مراكزهم ونفوذهم وينفذون ما يريدون من خلال امراره عن طريق السادات ولم تمض تسعة اشهر حتى انقلب عليهم السادات في مشهد درامي شديد الغرابة واطلق عليهم تسمية مراكز القوى وقال فيهم ما قاله مالك في الخمر وما لم يقله
وكانت غرابة المشهد في ان يصل بهم النفوذ الى درجة التجسس على السادات في غرفة نومه وتلفونه الخاص وتسجيل مكالماته الشخصية وقد كانوا جميعا في مناصب خطيرة ومهمة وكانوا يستطيعون اصدار قرار اقالته واذاعة القرار في الاذاعة بكل سهولة لكنهم وقعوا في خطأ ساذج
سكرتير الحزب الحاكم ونائب الرئيس ووزير الدفاع القائد العام للقوات المسلحة ووزير الداخلية ووزير رئاسة الجمهورية ورئيس البرلمان أرسلوا للرئيس أستقالة جماعية وأرسلوا نسخة من هذه الاستقالات للأذاعة لأحراجه فماذا فعل السادات الضعيف المهزوز عديم الشعبية أوقعهم في المصيدة التي نصبت له قبل الاستقالات وعين غيرهم واعتقلهم وانهى طرفة الفراغ الدستوري الذي راهنوا عليه....ولكن السادات لم يكن نائما طيلة الاشهر التسعة التي سبقت مايو 1971 بل كان يهيء الامر ويجمع الاتباع ويرتب اوراق اللعبة ولم يكن منشغلا كحال غيره بصراعات داخل حزبه او بجمع المال او بشراء القصور او بالسفر الى خارج البلد الذي يحكمه .
شخصيا جذبني هذا المشهد يوم أختارت امريكا والمجلس الاعلى والسنة نوري المالكي ليشكل حكومة العراق فالمالكي لم يكن يوما من المحبوبين على صعيد العلاقة مع السنة او مع الامريكان ولا كان يوما محاورا دبلوماسيا بل كان متشنجا وعصبيا في كل مجادلاته مع النواب يوم كان نائبا لرئيس المجلس الوطني الاول ويومها قلت لنفسي ان اختيار الحكيم ومجلسه للمالكي يمكن تفسيره لخضوع المالكي لاكثر من مرة لسيطرة الحكيم على الائتلاف وتسييره بالطريقة العائلية التي يسير بها مجلسه والتي جعلت مقدرات شيعة العراق وسنته خمسا مستحقا وفعلا كانت وزارة المالكي دليلا على سيطرة الحكيم على المالكي في اختياره لوزراء الائتلاف تحديدا وعلى صعيد امريكا كنا نسمع عن مشاجرات كلامية تتم بين خليل زاده والمالكي بصفته ينوب عن الجعفري والدعوة في محاورات تشكيل الحكومة ووجدنا الدعم الامريكي لهذا الترشيح مبالغا فيه .
المالكي كالسادات اختاره رجال القصر لغاية في نفس يعقوب وبعد قيادة ذات كاريزما شعبية فشلت في التحاور مع امريكا ومع اطراف المعادلة العراقية والمالكي كالسادات متسرع في قراراته وطالما كان تسرعه جاذبا لسهام النقد نحوه ودائما ما يخرج بقرارات نارية غير قابلة على التنفيذ ولنا مع قراراته اكثر من ذكرى .
في اقل من اسبوع من بعد تكليفه قدم المالكي اسماء الوزراء للبرلمان وحصل على ثقته فيهم ومنذ الاسبوع الاول لوزارته وهو يعد العدة لتعديل وزاري يصحح به أخطاء التشكيل المتسرع ولم يستطع حتى اليوم من أمرار هذا التعديل .
في يوم ما قرر اهل الرياضة اقامة الدوري العراقي بكرة القدم في مدن شمال العراق ورفض اهل بغداد تنفيذ هذا القرار فخرج علينا امر رئاسة الوزراء باقامة الدوري في بغداد ولم تجري مباراة واحدة تنفيذا لهذا القرار على بساطة الموضوع.
في يوم ما قرر المالكي معاقبة شركة بلاك ووتر على افعال اجرامية تقوم بها منذ اربع سنوات في شوارع بغداد بسحب ترخيصها واكتشفنا انها اصلا لا تحتاج لترخيص لانها تعمل بدون اصلا
وكثيرة قرارات المالكي المتسرعة ولامجال لذكرها الآن ولعل الرجل لم يفدنا بتسرعه الا صباح اعدام صدام حسين الذي سيبقى العمل الذي من الممكن ان نسكت ولا ننتقد المالكي مطلقا على اي عمل آخر كلما ذكرناه
والشيء بالشيء يذكر وبما اننا في بلد اعتاد على ثقافة القطيع وأمان السير خلف زعامات والهتاف لها فأن شبيها آخرا في العراق يظهر شيئا شيئا الا وهو طارق الهاشمي.
الهاشمي مشروع حاكم نموذجي لبعض سكان العراق وهو يحصد شعبية في اوساط هذه الفئة فالرجل كائن ضوئي ينجذب نحو الضوء بشدة ويحاول ان يجذب الضوء اليه كلما ابتعد عنه.
ومن امثلة محاولات الهاشمي جذب الانتباه اليه في حركات اعلامية مفضوحة مافعله مثلا ليلة اتمام لجنة كتابة الدستور كتابة الدستور الغير مطبق اصلا لحد اليوم ويومها كان الشارع يغلي منقسما بين شيعي وكردي موافق وسني رافض بدون فهم او عدم فهم خرج الرجل في نفس اللحظة وعلى نفس المنصة التي قرأ فيها بيان اتمام الدستور وطرحه للاستفتاء معلنا عدم رفضه للدستور ومطالبته لجمهور حزبه بالموافقه عليه مع بعض التحفظات.
ويوم فاز المنتخب العراقي بكأس آسيا وفرح لهذا الفوز العراقيين في بغداد وطويريج وعانة وسنجار وعمان وطهران ودبي وكوالامبور خرج في نفس اللحظة وعلى شاشة قناته الفضائية معلنا انسحاب جبهته ووزراءها من حكومة العراق ولقد كان الموقف شاذا بشكل فاضح عندما تجد اكثر من 30 قناة عراقية تعرض اغاني الفرح وقناة واحدة شاذة تعلن انسحاب وزراء من حكومة !!!
واعلن الهاشمي انسحاب الوزراء من الحكومة وبقى هو في منصبه وظل الرجل يمارس هوايته في ألتقاط الضوء فزار السجون والمعتقلات وجاراه مثيله الشيعي في احدى الزيارات لأن السجن يقع في المقاطعة الشيعية من بغداد ثم تركه يصول ويجول في دار الايتام في اليرموك وسجن الاحداث في الطوبجي والذي اكتشف فيه الهاشمي ان الحكومة تحتجز أحداث في سجن الأحداث ويالهول الأكتشاف.
جلس الرجل وهو يشاهد رئيسه الكردي وغريمه رئيس الوزراء في الامم المتحدة ويحظون بتسليط الاضواء ففكر في حاله وحال الانسحاب الذي لم يسرق من العراقيين شيئا ولم يمنحهم شيئا فخرج على الناس بوثيقة العقد الوطني وفيها مجموعة مبادىء انسانية جميلة تبشر خيرا في قرب انجاز الوحدة الاندماجية الشاملة بين الشعلة والغزالية ثم لم يكتفي بذلك بل حمل المشروع مهرولا الى السيستاني لتحل البركة في هذا المشروع
والواقع ان الهاشمي سياسي ذكي ويعرف كيف يعمل في بلد ثقافة القطيع ويعرف كيف يجذب فئة من الشعب العراقي متعطشة لوجود سياسي يزور البيوت ويفتح الثلاجات ويطبطب على الرؤوس ويتكلم بلهجة ثورية حماسية وله في ذلك ايضا بعض الشبه بالسادات الذي كان يطلع على المصريين بين فترة وأخرى بقرارات ثورية وقوانين ثورية كقانون العيب وقانون المدعي الاشتراكي وغيرها من القوانين التي رافقت الانحلال الذي دمر الاقتصاد والمجتمع المصري في السبعينات بفعل انتهاج سياسة الانفتاح الاقتصادي المدمر والسادات كان يزور المعتقلات ونشرت الصحف المصرية وقتها صورة للسادات وهو يحمل فأسا ليهدم معتقل ليمان طرة ونشرت صورا له وهو يزور دور الايتام بل وزار السادات اسرائيل نفسها واعلنها صراحة ان اوراق اللعبة بيد امريكا
اذن نحن امام شبيهان للسادات في العراق في تعامله الداخلي غير اننا ننتظر من الشبيهين فعلا مشابها لفعل السادات مع الخارج او استراتيجيا حاسما فلا المالكي قبل استقالة الوزراء المنسحبين توافقيين كانوا او صدريين وعين بدلاء عنهم ولا الهاشمي استطاع ان يقضي على تركةحاشية صدام واقنع القطيع بانه رجل القصر الجديد الذي يستطيع ان يعيد لهم شيئا من الماضي حميم العلاقة بالغرب ولا اكون ظالما وادعو الله لدواع انسانية ان لا يحقق هذه النهاية لو قلت اننا ربما ننتظر نهاية مشابهة لنهاية السادات لاحدهما على الاقل .

dhaferalmokhtar@hotmail.com Opinions