إهمال متعمد للتاريخ
سألني أحد الأصدقاء وهو من محافظة بابل فقال لي : ــأنتو المسيحيين شنو ؟
قلتُ له : ماذا تقصد ؟ شنو !!!
فقال : ـ اقصد يعني أنتو عرب ؟ لو أكراد ؟ لو مسيح ؟؟؟
أستغربت من كلامه بقدر ما رثيت لحاله ، هذا المثقف ، هذا الإنسان خريج جامعة ، ولحد الآن لا يفرّق بين مسلم ومسيحي ( تسمية دينية ) وبين كردي وعربي ( تسمية قومية )
ما هذا الجيل ؟ وعلى عاتق مَنْ تقع مسؤولية التعتيم الإعلامي العام في هذا البلد ولهذا الجيل ؟
من باب الممازحة سألته :ـ أنتو شنو ؟ يعني عرب لو أكراد لو تركمان لو إسلام ؟؟؟؟
فوقف مستغرباً وقال لي : يا عزيزي ، كيف لا تفرق بيننا ؟ وكيف لاتعرف العرب من الأكراد ؟نحن كلنا مسلمين .
فقلتُ له : ــ لا ياعزيزي فمعلوماتك في هذا الشأن الظاهر ضعيفة إلى درجة بدأت تدمج بين التسميات المذهبية والدينية والقومية ولم تعد تفرق بينهما .
فقال : ــ كيف ؟
قلت :ــ أولاً عندما تقول مسلم يعني يقابلها مسيحي أو يهودي أو غيرها من الديانات .
أما عندما تقول سنّي وشيعي يقابلها في المسيحية كاثوليكي وأرثوذكسي وغيرها ، ولكن عندما تقول عربي وكردي فيقابلها كلداني وآشوري وغيرها .
فقال : ــ والله لم أسمع أنه هناك كلدان أو آشوريين لأنكم كلكم مسيح ، وكل أبناء الشعب العراقي يعرفكم بهذا الأسم .
قلتُ : ـ مسيح أسم للسيد المسيح عليه السلام وكلً مًنْ يؤمن برسالة السيد المسيح له المجد يحمل الأنتساب إليه ويسمى مسيحي ، ولكن التسمية لا تمت بصلة إلى الأنتماء القومي ، ثم هناك بعض الأكراد المسيحيين ، ماذا نسميهم ؟ هل تتغير القومية بتغير الدين ؟ أم هل تتغير العشيرة والأنتساب العشائري بسبب تغير الدين ؟
هناك من التركمان من هو مسيحي ومن جميع القوميات فهل تستطيع أن تدلني على قومية كلها تدين بدين واحد ؟
الكلدان هم من العراقيين الأصلاء والقدماء وقسم منهم آمن برسالة السيد المسيح الخلاصية فأصبح كلدانياً مسيحياً ، والقسم الآخر بقي على جاهليته فسمي كلدانياً وثنياً وهكذا الحال مع بقية الفصائل .
شرحتُ له بإسهاب عن القوميتين المسيحيتين الكلدان والآشوريين ، فقال بأنه فقط في كتب التأريخ نسمع عن هذه القوميات وهذه الشعوب وحضارتيهما التي طبقت شهرتها الآفاق ، أما على الواقع فلا نعلم أي شئ عنهما .
قلت : ـ صحيح الذنب ليس ذنبك ، الذنب هو ذنب الحكومات المتعاقبة والتي قامت بتغيير معالم التاريخ وأهملت إهمالا متعمداً تاريخ أشهر قوميتين وأشهر شعبين عراقيين هما الأمة الكلدانية والأمة الآشورية ، والغاية من كل هذا التعتيم الإعلامي هو أن لا يعي الشعب العراقي على حقيقة مُرّة وهي أن أصل العراقيين هم الكلدان النجباء ، وتاريخهم وتراثهم وهويتهم القومية لها من الآثار ما تدل عليها ، بعكس من استطاعوا أن يسيطروا على العراق بحد السيف وجعلوا من هذان الشعبان أقلية يستهزئ بها كل الحكام ويقللون من شأنها لكونهم أصلا بلا حضارة ومتجردين من كل أثر للتاريخ أو في أحسن الأحوال لا يعدو تاريخهم عدة مئات من السنين بينما تاريخنا يقاس بعدة آلاف من السنين .
قال : ولكن لا نجد أي أثر لهذا الكلام اليوم فأنتم مسيحيين وأنتم أقلية وأنتم لا يعرفكم الكثير من أبناء الشعب العراقي .
قلت : ـ صدقت ، ولكن لماذا ، ومن الذي أنهى الوجود القومي الكلداني من أرض العراق في الجنوب والوسط وحتى الشمال ؟ ثم ماذا عن التأريخ ؟ هل أهملنا التأريخ أم أنصفنا المؤرخون ؟
عند دخول المسيحية للعراق منذ القرن الأول الميلادي أعتنق الكثير من الكلدان الدين الجديد ، وبقي عدد قليل منهم على ديانته السابقة " الوثنية " ، وهذا القسم كان منتشراً في بابل وأجزاء من إيران وتركيا وحتى سوريا ومصر والأردن وفلسطين ولا نبالغ إذا قلنا حتى الهند ، وكان الجميع يتكلم لغة واحدة وهي الآرامية أو الكلدانية ، وهذه اللغة أجتهد ملوك الكلدانيين والآشوريين أن ينشروها في كل هذه الممالك .
أما لماذا أنحسرت هذه اللغة بعد أن كانت لغة السواد وعامة الشعب العراقي ، نقول وحسب ما يقوله المؤرخون بأنه من الجيل السابع صاعداً بدأت اللغة العربية تقرض شيئاً فشيئاً اللغة الكلدانية حتى استولت عليها بالتمام وأبطلتها في الجيل الخامس عشر للميلاد ، بسبب أن تطورت النعرة الدينية وأستطاع الدين أن يأخذ مساحته الشاسعة على حساب الإخوة والقومية وغيرها ، فانتشر الدين الجديد بقوة السيف وحللوا النهب والسلب لكي يكسبوا أكثر الرجال ويصبحوا عددا لا يمكن أن يجابه .
يقول المطران أدي شير في كتابه " كلدو و آثور ": ــ
" فإنه بعد فتوحات العرب تلاشى الكلدان المنجمون الوثنيون من هذه الديار وسُمُّوا مسلمين لأعتناقهم الديانة الإسلامية " .
إذن لربما الكثير من المسلمين اليوم والذين ينسبون أنفسهم إلى قبائل عربية هم بالأصل كلدان القومية ولكن بسبب أعتناقهم الدين الإسلامي أهملوا الأسم القومي وتمسكوا بالتسمية الدينية لتكون غطاءاً لهم ، أو لربما لكي لا يعرفهم أقرباؤهم أو أهاليهم .وبطبيعة الحال لم تكن النهضة القومية في تلك الأزمنة على قدر من الأهمية ، كما كانت هناك مسألة مهمة وهي أن الشعوب كانت تتسمى بأسم ملكها أو قائدها .
قال : ــ لربما يكون أصلي كلداني وأنا لا أعرف .
قلت : ــ لستَ أنت الوحيد الذي يشعر بهذا الشعور ولكن ما رأيك لو قلت لك بأن الكثير من أهالي الجنوب لربما يكون لهم نفس الأنتماء القومي أي كلدان قومياً قبل أن يصبحوا مسلمين .
فقال : ــ لربما هناك الآلاف ممن تجري في عروقهم دماء كلدانية صرفة وهم لا يعلمون
قلت : ــ الذنب ليس ذنبي ولكني أقول : اللهم أشهد إني بلّغت .
قال : شوقتني لأعرف المزيد عن تاريخ الكلدانيين فهل لي بالمزيد
قلت : ــ لا تستعجل يا صاح ، أبحث وأقرأ وسوف تعثر على الحقيقة بنفسك حينذاك ستثق بها كل الثقة .
ثم قلتُ لصاحبي : يقول نفس المؤلف : ـ
" ومن البلاد التي تخلّقت بأخلاق الكلدان أو كان اصل سكانها كلداناً : بيث قطرايي وبالعربية قطر فإن سكان تلك البلاد كانوا يتكلمون بالكلدانية وظهر منهم علماء فطاحل كتبوا كلّهم بالكلدانية "
أشفقتُ على صاحبي بعد أن رأيته قد أنهار أمام الحقيقة الناصعة ، فتوقفت عن الكلام على أمل أن التقي به فيما بعد لكي نستكمل الحديث ولكن بعد أن يسترد أنفاسه .
يجب أن نتجاوز أزمنة الصمت الجبان ونتقدم إلى الأمام بخطوات ثابتة .
نزار ملاخا / ناشط قومي كلداني
Alkosh50@hotmail.com
26/10/2008