الإنتخابات المبكرة ليست مخرجاً للأزمة
نشر الدكتور رائد فهمي، وزير التكنولوجيا السابق، مقالاً بعنوان " الانتخابات المبكرة مخرجاً للأزمة" تطرق فيه إلى الأزمة السياسية الراهنة والمحاصصة والفساد وعدم إكتمال تشكيل الوزارة ، ومن ثم رأى أن المخرج المناسب من الأزمة هو الإنتخابات المبكرة.أدناه أدرج ملاحظاتي حول موضوعي المحاصصة والإنتخابات المبكرة.
أولاً: مقال الرفيق الدكتور رائد فهمي مثال للغموض وشبك الأمور وتوزيع مسؤولية الإخفاق بالتساوي المفتعل على الأفرقاء وعدم تشخيص المشاكل وأصولها بدقة، وهي إحدى أهم علل العراق الجديد.
علينا أولاً أن نسأل أنفسنا: لماذا جاءت المحاصصة؟ هل يُعقل أن تأخذ بها الأغلبيةُ كأغلبية (الإئتلاف العراقي الموحد والتحالف الكردستاني) أو أغلبية (التحالف الوطني والتحالف الكردستاني)؟ طبعاً لا، لأن المحاصصة ليست لصالحهما. لماذا المحاصصة، إذاً؟
1. ألم تكن المحاصصة إرادة أمريكية فُرضت لتحقيق هدفين؟:
a. محاولة إقناع وإغراء القوى المعارضة (الطغموية)بجدوى المشاركة في العملية السياسية وقبول الديمقراطية كخيار سليم لإدارة البلد بدل الإصرار على طريق الإنفراد بالسلطة وإلعودة إلى سياسة إقصاء وتهميش الآخرين وسياسة التطهير العرقي والطائفي السابقة.
b. لتجاوز حقيقة وجود جبهتين عريضتين في العراق هما: جبهة أنصار الديمقراطية وجبهة أعداء الديمقراطية (وكلٌ منهما تضم جمهوراً من جميع شرائح المجتمع القومية والدينية والمذهبية والسياسية بنسب متفاوتة)، والإستعاضة عنها بثلاثة كتل أسموها (شيعية-كردية-سنية)للَّعب عليها وتحقيق منافع سياسية.
2. وافق الفريق الآخر على الدخول للعملية السياسية شريطة الأخذ بالمحاصصة وقبول مبدأ التوافق في الصغيرة والكبيرة للحصول على مكاسب على حساب مقتضيات الديمقراطية؛ ومن ناحية أخرى لشل يد الأغلبية وإفشال حكمها وربما لتخريبه.
ثانياً: أن يُعتَقَد أنَّ الإنتخابات المبكرة هو الحل المناسب للأزمة، فهو ضرب من الخيال. إن تصحيح نتائج الإنتخابات السابقة في 7/3/2010 ستنجم عنه إضافة مقعدين للحزب الشيوعي و15 مقعداً لإئتلاف دولة القانون. وهذه سوف لا تغير شيئاً في ميزان القوى القائم.
ربما يظن الرفيق رائد بأن جهود الأمريكيين والطغمويين خلال السنوات السبعة الماضية والتظاهرات في ساحة التحرير قد عزلت القوى الدينية وخلقت واقعاً جديداً قد ينعكس في الإنتخابات المبكرة بقدر مؤثر. هذا وهمٌ، وهو قراءة ذاتية أكثر منها موضوعية.
القراءة الموضوعية هي أن الشعب مازال يعاني من إرهاب القوى المعادية للديمقراطية (طغموية وتكفيرية بمؤازرة السعودية وحلفائها) وهو موعود بالمزيد منها والأشد، خاصة إذا سقط الحكم بأيديهم. وهذا العامل يتفوق على أي عامل آخر إطلاقاً في تقرير إصطفاف الجماهير؛ فالروح أغلى من أي شيء آخر لدى الإنسان، كما هو بديهي.
هذا وإن الشعب على علم بمن شلَّ يد الحكومة وعطَّل الخدمات وعلى علم بالهدف منهما وهو تشتيت القوى الدينية الديمقراطية، لا لأنها دينية بل لأنها القوة الوحيدة القادرة على الوقوف بوجه الأمريكيين سلمياً ومنعهم من تنفيذ أي مخطط مضر بالعراق مثل مخطط زج العراق في حرب مع إيران لضرب منشآتها النووية. لذا فُرضت إتفاقية سحب القوات على غير مرام الأمريكيين.
(وهذا لا يتعارض مع الإعتراف بحقيقة فضل أمريكا على العراقيين في تحريرهم من النظام البعثي الطغموي الذي ما كانت إطاحته ممكنةً إلا من قبل الله أو أمريكا ؛ ولا مع كون العراق ينشد علاقات صداقة شفافة ونزيهة ومتكافئة قائمة على الإحترام المتبادل والمصالح المشتركة مع الولايات المتحدة).
خــــــلاصــــــــــة: إذا حُلَّ مجلس النواب الحالي فسوف لا يــــرى العراق مجلسَ نواب آخر، على أغلب الإحتمال. إني على قناعة بأن ستراتيجية بعض أطراف إئتلاف العراقية إتجهت بشكل مكثف نحو إثبات عدم صلاحية الديمقراطية لحكم العراق وبالتالي عرقلة عمل الحكومة والنظام السياسي برمته، وذلك بعدما فشلت ستراتيجية وأد الديمقراطية عن طريق الإرهاب. إنه الإصرار على إستلاب السلطة من الشعب ثانية. في كلمته أمام مؤتمر تقييم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المنعقد في إيطاليا بتأريخ 5/7/2011، قال السيد إياد علاوي: "إن الحكومة والعملية السياسية في العراق فشلتا في تحقيق المتطلبات الأساسية للمجتمع العراقي" (فضائية الحرة في 5/7/2011).
يجب ألا يغرنا الهدوء الظاهري الخادع. فالعمل جارٍ على قدم وساق، والديمقراطية العراقية هي المستهدفة. إن النظام السعودي، ب"حلفائه" الداخليين والخارجيين، يقود معركة طبقية شرسة ضد فقراء العراق الديمقراطيين؛ والديمقراطية تشكل مقتلاً للنظم الشمولية الجالسة على مليارات المليارات المليارات من الدولارات. فهل سمعنا في حياتنا من سلَّم هكذا سلطة للشعب بيسر؟ وإلا لماذا هذا الإرهاب الأسود في العراق؟ أليس جوهره محاولة إسترداد السلطة الطغموية المفقودة بكل منافعها المادية والمعنوية وبأية وسيلة كانت؟
فلنتفهم قانون الصراع الطبقي فهماً حيوياً، قبل فوات الأوان. ودعونا ننتفع من تجارب الماضي ولا نكرر أخطائنا مرة تلو أخرى.
ختــــــامـــــاُ: أرى أن الحل الأمثل هو تشكيل حكومة أغلبية برلمانية. ولتحقيق هذا يتطلب الأمر من جميع المؤمنين بالديمقراطية جماعات وأفراد، دينيين وعلمانيين، الوقوف بجانب هذا الرأي وحث الأطراف السياسية المعنية على الأخذ به.