الاعتراف بالإبادة أولاً
ما ان تناهى الى سمعي الحديث عن رغبة تركيا بالمشاركة في قوات "اليونيفيل" التي ستساند الجيش اللبناني في بسط الأمن على المنطقة المحددة في القرار 1701، حتى قفزت الى مخيلتي صورة الملك فيصل عندما أنبئ بأنّ جمال باشا السفاح شنق القسم الثاني من الشهداء في 6 ايار 1916، فنزع الكوفية من على رأسه وقذف بها على الارض، ثم داسها بعنف، وصاح: "طاب الموت يا عرب!".اشحت عن ذهني صورة الجثث المتدلية على المشانق، فهجمت عليه مشاهد اشد هولاً واجراماً. رأيت شعبي الارمني يرزح تحت النير التركي الذي لم يدع تربة الا مرغ حباتها بدمائه، ولم يترك بيتا بني بسواعد اصحابه الا وقوّضه على رؤوسهم، ولم يصادف امرأة حاملاً الا وبقر بحربته طهارة بطنها
لقد لطّخت المجازر التركية انقى صفحات تاريخنا الارمني، وبددت عوائل شعبنا في ارجاء المعمورة قاطبة. وكان من نصيب بعض هذا الشعب ان حضنته هذه الارض الطيبة، ارض لبنان الحبيب الذي جثم الحكم التركي على صدره وعلى صدر الامة العربية مئات السنين، وها هو اليوم يستغلّ الفرصة الدولية مرتدياً ثوب الحمل لابراز وجه انساني لم يعهد ان تصرّف يوماً بمقتضاه.
ان هيئة الامم المتحدة تتحمّل اليوم مسؤولية اخلاقية خطيرة في حال قبولها بمشاركة الجيش التركي في القوات الدولية المرسلة الى جنوب لبنان. فتركيا متهمة منذ زمن طويل بإبادة الشعب الارمني وتهجيره من وطنه والاستيلاء على جزء من ارضه وسلبه مقتنياته وامواله، وما دام ملفها مفتوحاً ولم تسع الامم المتحدة بعد بمختلف منظماتها الى بت هذه الابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية التي ارتكبت في حق الشعب الارمني، فإن القبول باشراك الجيش التركي في هذه العملية هو بمثابة طعنة مسبقة في خاصرة محكمة العدل الدولية وفي مصداقية هيئة الامم بالذات.
وعلى الدولة اللبنانية ان تحذر من الوقوع في شباك المكر التركي الذي حاول وزير الخارجية عبدالله غول إلباسه شكل "التضامن الاخوّي"، والا تنسى ما عاناه لبنان من مظالم "التتريك" وبثّ روح التفرقة بين ابنائه.
ان الديبلوماسية التركية تبحث عن الفرص المأسوية لتقديم دعمها الانساني بغية مسح سمات القباحة عما جنته حملاتها العنصرية والاجرامية عبر التاريخ، بينما المطلوب من حكومتها الاعتراف بالابادة الارمنية والتعويض عنها، فتكون بذلك قد خطت الخطوة الاولى في مسيرة "التضامن" الانساني.
عن موقع تباين