التهديدات التركية تداعيات الأزمة، ودواعي التوحد
منذ أكثر من ثلاثة عقود وحزب العمال الكردي التركي يتخذ من جبال العراق الحدودية مع تركيا ملاذات وملاجئ، ومنذ ثمانينات القرن الماضي والجيش التركي متمركز في قواعد عسكرية في نفس المنطقة لتحجيم وتحديد حركة أعضاء المنظمة المذكورة، ومنذ ان هددت تركيا باجتياح سوريا إن لم تخرج عبد الله اوجلان من أراضيها وخروجه فعلا ليتم القبض عليه في مطار احدى الدول الأفريقية بتدبير مخابراتي غربي منذ تلك الفترة وحزب العمال الكردي التركي لم يقم بنشاط بارز في تهديد الأمن القومي التركي، حتى ان أعضاءه لم ينتهزوا فرصة سقوط السلطة السابقة في بغداد وانتشار الفوضى والاضطراب ليقوموا بنشاط ما.تُرى، ما الذي دعا تركيا لتصعيد الحملة ضد هذه المنظمة وتحشيد المزيد من الجيوش والتهديد صباح مساء باجتياح الشمال العراقي بذريعة مقتل عدد من الجنود لم تتأكد من الجهة التي تسببت بمقتلهم، وفي هذا الظرف الذي يمر به العراق؟!.. ولماذا- وفي هذا الظرف ايضا- يؤجج الكونغرس الاميركي قضية مذابح الأرمن على يد الأتراك والمسألة لا تعني الاميركان لا من قريب ولا من بعيد بدليل سكوتهم المطبق طيلة قرن ونصف من الزمن وتمييع وغلق موضوع الأرمن كلما اراد البرلمان الأوربي اثارته؟!.
وفي الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة الاميركية تستقبل زعيم التبت الاقليم المنشق عن الصين وتكرمه أرفع تكريم ومنحه اعلى وسام شرف اميركي بحضور الرئيس بوش والسيدة نانسي بيلوسي زعيمة الأغلبية الديمقراطية ورئيسة البرلمان الاميركي برغم معارضة واحتجاج وتنديد الصين، كانت تحرض تركيا على اجتياح الشمال العراقي وسحق حزب العمال وادخال العراق في أزمة جديدة لتفاقم ما فيه من أزمات. على ان هذه الأزدواجية في المواقف والكيل بعدة مكاييل ليست بجديدة على الإدارة الاميركية وغير مستغربة من دول الغرب المتنفذة التي تسير حكوماتها واداراتها المصالح والتي هي فوق المبادئ والالتزامات من وجهة نظر سياسيي المصالح. وكذلك مواقف الدول التي يتواجد فيها الكورد بأعداد مليونية فبعضها أسقطت عنهم الجنسية وبعضها حرمتهم حتى من التكلم بلغتهم وارتداء أزيائهم التقليدية!.
كان المفروض بالقيادات التركية ان لا تستفز بهذه السرعة والى هذا الحد من مفاجأة القرار الاميركي بإدانتها وتحميلها مسؤولية مذابح الأرمن ما جعلها تيأس وتقنط من قبولها في الاتحاد الأوربي وبالتالي تلجأ الى أساليب ابراز العضلات على بلد غارق في ازماته ومشاكله، وكان الأولى بالقيادة التركية مطاردة خلايا الارهاب التي تعشش في الداخل بدل ملاحقة حزب العمال الكوردي الذي لا يعرف أفراده تفخيخ السيارات وتلغيم العبوات والأحزمة الناسفة وتفجير صهاريج النفط وتدمير شبكات الكهرباء وتلويث المياه وخطف السواح وذبح الناس الأبرياء في المساجد والكنائس والمدارس ودور العبادة والعلم وفي الأسواق. كان المرجو من القيادة التركية الجديدة ان تتخلى عن النزعة العثمانية التي تكمن وراء تهديدها المستمر لشمالنا الحبيب وقصفه بطائراتها ومدافعها بين حين وآخر، مع علمها المؤكد ان المسألة الكردية لم ولن تحل بهذه الطائرات والمدافع وستبقى نارها أزلية متقدة اذا استمرت معاناة أكراد تركيا وحرمانهم من أبسط حقوقهم القومية والتي وصلت حد اللغة والملبس والتقاليد ناهيك عن المشاركة السياسية. واذا لم تعالج بما يناسبها من استحقاقات، وسكوت بعض الجهات الدولية وغض النظر عن تداعيات هذه المسألة لا يعني ضوءا اخضر للجيوش التركية باجتياح شمال العراق كما انه لا يمثل حلا للأزمة أو نهاية لمطالب عشرين مليون كردي تركي، وبالتالي فإن الأوضاع المتدهورة في العراق لن تستمر الى ما لا نهاية، وعندها سيكون لكل حادث حديث.
وامام هذه التحديات والأزمات المقصودة والمفتعلة كنا نأمل ونرجو ان تتوحد المواقف وتتكاتف الإرادات للتصدي بحزم لمجابهة وردع كل ما من شأنه المساس بكبرياء العراق وحرمة أراضيه، وليس بالضرورة ان يكون الرد عسكريا او تصعيديا، فاتحاد المواقف للأطراف السياسية حكومية وبرلمانية مركزية وفدرالية وعرضها موحدة على المحافل والمنظمات الدولية واستنهاض الرأي العام العالمي ومؤسسات المجتمع سيضع الطرف المقابل في حرج ويعرفه بحجمه الطبيعي ويجعله في تردد من اتخاذ مواقف يدينه العالم بسببها وقد يضعه في عزلة تامة خاصة وان الجانب التركي يتحاشى مثل هذه الإدانات وهو يسعى الى تحسين صورته امام الإتحاد الأوربي. لكن المؤسف والمثير للأسى ان الموقف الحكومي وتصريحات بعض المسؤولين جاءت متقاطعة وغير منسجمة مع بعضها كما ان مواقف وتصريحات الأخوة المسؤولين في حكومة وبرلمان كردستان لم تكن متفقة تماما مع موقف حكومة المركز ولم تكن مواقف الحركات السياسية بأفضل حال وبالمستوى المطلوب وفي معظمها كانت متأخرة خجولة مترددة!.
ربما غاب عن البعض ان الخير يخص والشر يعم!.
وان المصائب تجمع المصابين!.
بل فاتهم قوله تعالى:
"واتقوا فتنةً لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصة"!.
h_mossawy@yahoo.com