التوافق في المنتخب
كنت قد ذكرت في نهاية مقالتي المعنونة (لننتخب أهل الرياضة!!!):((ولنتصور على العكس من ذلك لو اقتدى أهل الرياضة بأهل السياسة، وجعلو من المنتخب واحة للتوافق كما يحدث في السياسة، ولنفرض مثلا أن موقع حامي الهدف كان للسنة والدفاع للشيعة، والهجوم للأكراد والوسط لطائفة أخرى، ولا يقبل أي من المكونات أن يتم مليء الشواغر إلا من من مذهبه!!! كيف سيكون حال المنتخب ... فقط مقارنة أردت سوقها لكي نعرف النتائج...))
هذا الذي قلناه ليس نسجا من الخيال وقد يكون هكذا لكن فقط لنتصور منتخب بهذه التشكيلة المضحكة ومن سيكون في هذا المركز ومن يكون المدرب ومن يكون المعالج، وجازما أقول أن مثل هكذا منتخب سيكون مصيره الفشل الذريع، فلو شغر أو أصيب حارس المرمى ولا بديل من مذهبه، سيلعب الفريق بدون حارس لأن ليس من المعقول تأجيل المباراة لحين أختيار المذهب لحارس بديل ليعود ويدخل المباراة!!! ولو أضطررنا لتبديل مدافع أو مهاجم ويكون الأسلوب بذات الطريقة، فلنقرأ على منتخبنا السلام، ولو جزمنا أن الأمور كلها سارت على ما يرام، وفاز العراق بالكأس، فمن سيكون قادرا لتكليف واحد من الفريق لرفع الكأس لأن بقية المذاهب ستعترض وسيبقى الكأس موضوعا على المنضدة بانتظار الحسم وربما يأتي أحد المفكرين بحل عبقري ويقول لنقدم يدا من كل مذهب وترفع كل هذه الأيادي الكأس معا حتى لا يكون لطائفة معينة الإيثار برفع اكأس وشرف ذلك يرجع لها، وهنا أيضا قد تصادفنا مشكلة خاصة إذا كان أحد اللاعبين ومن طائفة معينة أكثر طولا من زملائه، فهنا يجب اختيار مجموعة اللاعبين بذات الطول لكي نصل إلى رفع متوازن ولا نلحق الغبن بهذه الطائفة أو تلك!!!
إنها الطامة التي تقودنا نحو الفشل، ولكن ما حدث في كأس آسيا لم يكن كذلك، بل اندمج الجميع بمنتخب موحد متجانس لا تستطيع التمييز بين السني أو الشيعي، وتجد كرديا يناول الكرة لعربيا، وسنيا يحاور ليعطي الكرة لشيعي كي يسجل، وبهذا الروح أوصلنا المنتخب إلى لحظة رفع الكأس عاليا حيث تخيلت حينها ان اللاعب قد رفع العراق كله بين يديه، وهو يصيح بأعلى صوته لتسقط الطائفية، ليعيش العراق، لنلعن التفرقة ونعم للوحدة.
أيها السياسيون، خذوا درسا من هذا الواقع، وما تتوافقون عليه بعد طول معاناة يكون سببا لفرقة شعبكم وتعميق الشرخ الذي يزداد بعدا بهم الواحد عن الآخر، وتستمر المهزلة السياسية، ونحن فرحين بوجود برلمان أجتمعت تحت قبته مجموعة من 275 نائبا يمثلون أطياف العراق المختلفة، ومجلسا للوزراء تنعكس من خلاله صورة الخارطة السياسية للقوى المختلفة، لكن طامتكم الكبرى أيها السياسيون أنكم تتكلمون بالديمقراطية ولا تمارسونها مع غيركم، تريدونها حلالا لكم وحراما على غيركم، وإن حدث طاريء ما تنسحبون من البرلمان لكي تعطلون فقرة النصاب وتشلّون الحركة الديمقراطية، وإن لم يتخذ رئيس الوزراء قرارا يعجبكم، تنسحبون، و تنسحبون ... أي أن الانسحاب هو السلاح الوحيد وأصبح فعالا بيدكم لتعطيل العملية السياسية.
أقول كفانا نفاقا سياسيا؛ ولنضع النقاط فوق الحروف لكي لا تلتبس علينا عملية القراءة، عندما يكون زيد عنصرا جيدا نقول هو هكذا حتى لو كان من طائفة مغايرة، وإن كان عبيد مشاكسا نحدده ونفضحه حتى لو كان من طائفتنا، واستخدموا سلطة المدرب في فريق الكرة بعملية التبديل ولا تتأخروا فيها لأن الوقت محدد والنتائج ليس بالسهولة الوصول إليها، وعملكم هذا أوصلنا إلى انقطاع تام للكهرباء، فهل يعقل أن عاصمة العراق لا تهنأ بالكهرباء لأسبوع كامل !!! وأين النزاهة وأين المحاسبة وأين البرلمان؟ وأين وأين ... وهكذا الوقود؛ ألم تشاهد الجهات المسؤولة طوابير السيارات؟ ووزير النفط يقف مزهوا أمام رئيس الوزراء، ولا يهمه بقاء عشرات الآلاف من السيارات تنتظر في هذه الشمس المحرقة ولساعات تمتد لطول النهار وعرضه!!!
أين المدرب لماذا لا يقوم بعملية التبديل فالمنتخب سيخسر لا محالة فاللاعب لا يقدم أية مجهود لفريقه فلماذا لا نقوي الهجوم ونرفد الدفاع بعناصر جديدة وكذلك الوسط، طالما يوجد من اللاعبين الجيدين، ممكن أن نبدل وزير الكهرباء أو وزير النفط أو كل وزير متلكيء لكي يستلم عوضا عنهم العنصر الفني الأصيل في هذه المهمة والذي يعرف كل الخفايا ويبدع في وزارته ليتقدم البلد إلى امام بأحسن حال.
اليوم يجب أن لا نحتار فالمنتخب أعطى لنا درسا علينا دراسته ونطبق ذات الديمقراطية على السياسة كي نحقق فرحة لأبناء العراق، كي يهنأ الشهيد في قبره ويعلم ان تضحيته لم تذهب سدى، كي يعود أبناء العراق الذي تبعثروا على بقاع الدنيا المختلفة، كي تعود صباحاتنا مشرقة ونهنأ بنومنا وبوقت فراغنا، ونستغل كل دقيقة من وقت عملنا محققين البنيان الشامخ لعراق حمورابي والأرث الطيب لكل الأجداد.
إنها دعوة علها تجد أذنا صاغية!!!