Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

الدساتير لا يكتبها كل من هبّ ودبّ

رغبة منّي وسعيا من أجل تذكير الإخوة الذين يبادرون غير مجبرين(أللهم إلا بدوافع معينه) في كتابة الدساتير ورسم الخرائط الإقليمية والمناطقية, أوّد بعجالة تذكيرهم ببعض الحقائق المعاشة والتي يجب أن نستفاد منها, سأدلي بالقليل المفيد عسا أن أكون فيها قد قدّمت خدمة من أجل المصلحة العامة .

بالعودة إلى التقييمات والرؤى ألتي ظهرت تباعا, إبتداء بحق الدستور العراقي المؤقت ألذي تمّ كتابته ما بعد سقوط النظام الصدامي, ومن ثمّ الصيغة التي تبعت ذلك والتي تم وضعها و إعتبارها كدستور دائم, كانت قد برزت في البرلمان وعبر الصحافة ووسائل الإعلام الكثير من الإعتراضات و الإنتقادات حول الصيغة التي أراد البعض إعتبارها دستورا دائميا , وبالرغم من كل المحاولات ألتي أبدتها شرائح عديدة مطالبة بإجراء تعديلات من شأنها أن ترضي غالبية العراقيين , سواء كانت عن طريق إضافات أو تصحيحات أو حذوفات, او من خلال المطالبة بتشكيل هيئات قانونية ووطنيه مستقلّه توكل إليها هذه المهمّة دون تدخل أية جهة سياسية , إلا أن الغلبة في النهايه ومع الأسف , كانت لصالح كتل سياسية محدده و ومعروفة ,حيث إحتكرت هذه الكتل لنفسها وفي غفلة (إستثنائيه) مهمة كتابته بطريقة أشبه بالقسريه , كما تحايلت وبالأساليب الإلتفافيه المعهودة في طريقة فرضه على أساس( التصويت!) و(الإستفتاء الشعبي!) الذي لم يختلف كثيرا عن الطرق التي تم فيها إدارة الدورات الإنتخابية والإصطفافات الضيقة التي عرفها الجميع , حيث في أمر حساس ومهم كأمر كتابة مسودة الدستور المؤقت وكذا الحال في الدستور الذي أسموه بالدائم, لم تعر هذه الجهات السياسية المتسلّطه لالمعايير ولا لمعاني الوطنيه والمواطنة المعروفة دوليا أية أهميّه ولا أي قدر من الإعتبار, ممّا جعل الأمر الشاذ هذا مثار خلافات كثيره نالت من الوقت الكثير , وكلّنا يعلم كيف ساهمت هذه التجاوزات والإختراقات بشكل مباشر وغير مباشر في تأجيج الكثير من الصراعات الداخليه, وكأن إقرار مصير العراق بأكمله قد أصبح حكرا على جهة أو جهتين متنفذتين تقرر ما تشاء لمجرد أنّها كانت تعارض نظام صدام أو كانت ضحاياها أكثر نسبة من غيرها,أي أنه مادام نظام صدام قد ولّى,يكون من حق الأكثرية فرض سلطانهم على الأخرين من دون أي إعتراض, إذن ما الذي قد تبدّل؟
أليوم وبعد القيل والقال , ودم العراقي ينزف طوال هذه المده, تمكنّت القوى التي عارضت هذا الأسلوب, سواء في البرلمان أو خارجه من فرض إرادتها وشروطها بوجوب إعادة النظر في الدستور, والتأكيد على أهمية تشكيل لجنة قانونيه تساندها أو تساعدها هيئة أو لجنة برلمانيه لبحث البنود والفقرات الواجب تصحيحها , حيث تم أخيرا الإعتراف بأنه كان هنالك فعلا إختراقات مارستها أطراف سياسية قومية ودينية دون أي وجه حق ولا أية شرعيه قانونية .
نقول لابأس أن تكون الإستجابات وارده وإن أتت متأخرة , لكن تبقى العبره لكل من يسعى لاحقا إلى تنصيب نفسه وكيلا متطوعا بهيئة فطحل تاريخي راسما الخرائط المستحدثة وطارحا نفسه كذلك القانوني المقتدر وهو لا يملك من القانون حتى أبجديته ومن دون أي تخويل يمنحه له شعبه ولا أية أهلية إختصاصية تؤهلّه للخوض في هكذا معترك لايمتلك فيه سوى ببغائية ما تمليه عليه جهات أخرى مسّخرة إياه و ربما تكون قد أغوته ببعض الدراهم, وعذرا إن هكذا مبادرات لايمكنني تشبيهها إلا بذلك الحافي القدمين الذي يدّعي مقاتلة (خصمه) المزعوم بأحذية إيطالية الصنع! تصوروا يا أعزائي القرّاء كم قد بلغ جنون العظمة درجاته القصوى لدى البعض بحيث أصبح حاله كحال تلك العجوز التي شاء القدر في ليلة غبراء أن يكون مقياس طول القماش هو شبرها وبحسب ما تشاء تطويله أو تقصيره و الذي يبتاع فيه الناس بعض مما يكسيهم من دكانّها!
نعود ونقول لهؤلاء عليهم أولا مراقبة الذي يدور من حولهم جيدا , فإن كان لهم شيئ من فهم للسياسة , فليدركوا بأن الأبل لا تقاد هكذا لأنه هنالك من يمتلك هذه الأهلية رسميا وقانويا بحسب شرعية تمثيله , وإن كان فيهم قدرا من إحترام لمعنى الدستور وماهيّة مغزاه في بناء وتنظيم حياة ومستقبل الشعوب, فإنّ القفز على قدرات الإختصاصيين ومحاولة إستحواذ دورهم في القانون الدولي والوطني هو ضرب من ضروب فكاهات جحا ألذي لم يقوى على حماره في حيرته إلا حين حمله على ظهره وذهب به إلى بيته,أمّا لو كان الأخ المتطوع معتقدا بأن الدنيا قد غدت متروكة وأبوابها مشرعة , ربمّا يكون في ذلك محق, لكن عليه أن يضع في حسبانه بأن المضمد الذي حاول أخذ دور الطبيب لإجراء عملية إستئصال الزائدة الدوديه حين قام بفتح بطن المريض بالسكين التي يستخدمها في مطبخه , قد تمكن فعلا من إستئصال الزائدة , وتمت العملية بنجاح لكن مع الأسف مات المريض !!

إذن, ليضع هؤلاء االبعض من إخوتنا (المتدربين) في ذاكرتهم دائما واجب الإستفادة من العبر , وأن إحترام إرادة الشعب , و تقدير خياراته في طريقة تعبيره عبر الإنتخابات ومنح الأصوات, هي ألتي تفضي صفة المصداقية على أي عمل يقومون به وليس عبر ما سيحققه من تنفيس لضغائن مبيّته أو من أرباح قد أغرته لحد فقدان البصر والبصيره.

هل من متعّض؟ Opinions