الرهان الصعب على المستقبل في منطقة تفتقر الى الاستقرار ... حماية الطفل العربي : الشعارات وحدها لا تكفي
31/12/2005القاهرة - أمينة خيري -الحياة
ما أكثر الشعارات التي نطلقها دوماً ومن دون مناسبة عن قيمة أطفالنا وضرورة حمايتهم، وإزالة كل أنواع الضرر عنهم. لكن يبدو أنها أمور نقولها لتستريح ضمائرنا، ثم ننهض وننصرف ليستمر مسلسل الإساءة والاستغلال والتمييز الذي تعاني منه ملايين من فلذات أكبادنا.
وفي هذا الوقت من كل عام، تُجرى عملية تقويم لحالة أطفال العالم، وأطفال منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا. خرجت عملية التقويم لعام 2005 بنتيجتين بارزتين، الأولى هي استمرار تغاضي جهود التطوير الدولية التي يمكنها أن تحسّن حياة الأطفال وإمكاناتهم، والثانية هي تفاقم مشكلات الأطفال المستبعدين.
وتوحي نتائج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأنّ انعدام الاستقرار المنتشر بشكل كبير والحكم الضعيف تسبّبا بتقدم غير منتظم، ما زاد من التباينات الموجودة أصلاً بين الدول وبعضها الآخر في المنطقة.
«الأطفال غير المرئيين»، في منطقتنا كانوا الهمّ الأكبر للتقرير السنوي الذي أصدرته منظمة «يونيسف» قبل أيام. ويُعنى التقرير بالأطفال الأكثر عرضة للعنف في العالم، أولئك المحرومون من حق الصحة والطفولة الآمنة الذين يصعب حمايتهم، وهم تحديداً: الأطفال الذين يجبرون على القيام بأدوار الكبار، والأطفال بلا هوية رسمية، والأطفال من دون رعاية أسرية، والأطفال المستغلون.
واختير علي ابن الـ 17 عاماً الذي يعيش في مخيمٍ للاجئين الفلسطينيين ليمثل شريحة من أولئك الأطفال: يقول: «هل أنا طفل أم رجل؟ من حيث العمر، أنا طفل. أما من حيث العمل، فأنا رجل، يمر الشباب أمامي وهم ينظرون إليّ كما لو كنت مختلفاً عنهم. أريد أن يعرف الجميع أنني أملك مشاعر، وأنني لست مختلفاً عنهم لأنّني أعمل وأتابع دراستي في الوقت عينه».
علي يعمل ليعيل عائلته المكونة من ستة أفراد، وهو ملتحق بالمدرسة، وأسهم في إعداد وإخراج فيلم توثيقي مع مجموعة من أطفال مخيمات اللاجئين ليعبِّروا عن أنفسهم من خلال قضاياهم المصورة.
تفشّي الإيدز
المخرج بشار شرف الذي عمل مع الأطفال والشباب لإخراج هذا الفيلم يقول: «كان هناك العديد من المواضيع المهمة التي أراد الأطفال طرحها، مثل الحق في الحصول على جوازات السفر، أو العيش مع والدين مطلقين، لكن كان من الصعب تشجيع الناس ليتكلموا بصراحة عنها».
ويبدو أن «الأطفال غير المرئيين» في منطقتنا هم في كل مكان، فهناك «الأطفال بلا وطن» وهم الأطفال الذين يولدون لأب وأم من جنسيتين مختلفتين، أو لعائلات لاجئة، أو لمجموعات الأقليات العرقية، يتم تركهم عادة بلا وطن، ومن دون إمكان الالتحاق بالمدارس والحصول على الخدمات الأساسية الأخرى. وما يزيد الأمر سوءاً هو افتقار أنظمة جيدة لتسجيل المواليد، والروتين، والانقسامات العرقية.
أما الأطفال العالقون في صراعات فما أكثرهم في العراق وفلسطين والسودان. إذ لا يتم احتسابهم أو تزويدهم بالخدمات الوطنية. كما يتم نسيان أطفال الشوارع والأطفال الذين يعملون.
وما زال الزواج المبكر معضلة أمام أطفال المنطقة، إذ يتم تزويج الفتيات في سن مبكرة من دون موافقتهن. وعادة ما يرتبط ذلك أيضاً بتعدد الزوجات والخطف والتسبب في الحمل، ويتم تزويج نحو 20 في المئة من الفتيات في مصر في سن الـ 18 عاماً، وتصل النسبة في اليمن إلى 45 في المئة.
كذلك حال الأطفال المعوقين في عالمنا العربي، فعادة يبقى الأطفال ذوو الإعاقات في المنزل، ولا يمكنهم الذهاب إلى المدرسة أو عيش حياة طبيعية. وقد تقوم العائلات بذلك بدافع الخجل، ولكن أيضاً بدافع القلق من وصم أطفالها بالمعوّقين.
وعلى رغم قلة تفشي مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) في المنطقة العربية، فإن معدلات الإصابة ترتفع بسرعة، ومن المرجح أن تصبح وصمة الأطفال المصابين به مشكلة خطيرة مع تزايد معدلات الإصابة المتوقعة.
الهوة المتسعة بين أحوال الأطفال العرب زادت اتساعاً خلال عام 2005. إذ أظهرت المنطقة صورة مختلطة للوضع، فبينما تحتل دول الخليج (باستثناء اليمن) موقعاً جيداً نسبياًَ في ما يخصّ وضع الأطفال، تتفاوت الاوضاع في معظم دول المشرق والمغرب ذات الدخل المتوسط.
وتبقى معدلات الوفيات تحت سن الخامسة مرتفعة في العراق، اليمن، السودان وجيبوتي، في حين حققت كل من الإمارات العربية المتحدة، الكويت، عمان، قطر، البحرين، ليبيا وتونس أدنى مستويات في وفيات الأطفال.
ويعد سوء التغذية مشكلة كبرى في دول مثل مصر والمغرب.
التعليم
ويسجل تفاوت آخر ضخم في المنطقة لجهة نسب الالتحاق بالتعليم الابتدائي. ففي الوقت الذي تبلغ فيه النسبة في تونس والجزائر والأراضي الفلسطينية المحتلة بين 97 و98 في المئة، لا تزيد النسبة على 60 في المئة في السودان وجيبوتي.
ولا تزال فتيات المنطقة يعانين من مشكلات في الالتحاق بالمدرسة بل وإتمام تعليمهن المدرسي كذلك.
وقال المدير الإقليمي لـ «يونيسف» في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا توماس ماكديرموت: «على رغم أن دولاً عدة في المنطقة عالجت قضايا التعليم والصحة واحتياجات التطور البشري الأخرى خلال الأعوام العشرين الماضية بنجاح، يعيش العديد من الأطفال في تلك الدول يعيشون في عزلة تامة عن التقدم الذي تحقق، إنهم أطفال غير مرئيين، ونسيهم مجتمعهم من حولهم».
وفي الوقت الذي أطلقت فيه «يونيسف» هذا التقرير المهم، فإن مكتبها في العراق أطلق صرخة استغاثة مما آل إليه الوضع بين أطفال العراق «الذين اصبحوا أسرى وضع متقلب لا يمكن التنبؤ به، زاد من عزلتهم وتلاشت فيه أبسط حقوقهم».
وقال ممثل المنظمة في العراق روجر رايت: «الجهود اللازمة لسدّ احتياجات الأطفال، لا سيما في المناطق الأكثر حرماناً في جنوب العراق لا تتناسب مع تلك الاحتياجات. كما أن تفاقم حال انعدام الأمن، وغياب ظروف السلامة لعمال الإغاثة يشكلان حجر عثرة أمام الإسراع بإنقاذ أولئك الأطفال».
وعلى رغم بلوغ نسبة صافي الالتحاق بالتعليم الابتدائي في العراق حالياً 86 في المئة، وهي نسبة إيجابية مقارنة بالمعدل الإقليمي (81 في المئة)، فإن الإخفاق يكمن في تفاوت معدلات الالتحاق ضمن مناطق العراق ذاته، ما يؤدي إلى ظهور العزلة في بعض المناطق على نحو مؤسف.
وتشير الاحصاءات الحالية إلى أن 21 في المئة من الفتيات في سنّ الدراسة في المناطق الريفية العراقية وفي جنوب العراق لا يذهبن إلى المدرسة. ويبدو أن استمرار أعمال العنف التي لا يمكن التنبؤ بها، والتي تصاحب المراحل الانتقالية، من العوامل الرئيسية التي تساعد في زيادة عزلة الأطفال وتخلف آثاراً سلبية كامنة في نفوسهم.
ويزداد قلق المؤسسات الدولية في الوقت الراهن بسبب عدم استطاعتها تحديد عدد الأطفال دون سن 18 بين صفوف الضحايا المدنيين أو عدد الذين أجبروا على الانخراط في صفوف المتمردين للقيام بأعمال العنف أو عدد أولئك الذين تعرضوا لأعمال العنف وما يصاحبها من آثار نفسية سلبية مؤكدة عليهم. ولا توجد حالياً أرقام تحدد عدد الأطفال الذين انفصلوا عن والديهم، أو على نحو أكثر دقة عدد الأطفال الأيتام، وكذلك عدد الأسر التي يترأسها أطفال أو إناث، ومن المشكلات الأخرى عدم القدرة على تحديد عدد الأطفال في العراق الذين يعانون من الاستغلال في العمل أو الذين تعرضوا للإساءة المنزلية.