السيد نزار الديراني يلقي محاضرة حول الشعر بين السريانية والعربية في نادي الشعر
17/08/2006جريدة العدالة/اقام نادي الشعر في اتحاد الأدباء والكتاب في العراق جلسته الاسبوعية في مقره العام قرب ساحة الاندلس وذلك في يوم السبت الموافق (8/12) في تمام الساعة الحادية عشر واستضاف النادي في جلسته الاستاذ (نزار الديراني) الشاعر والباحث وافتتحت الجلسة بكلمة للشاعر ياس السعيدي وجاء فيها: ولأن الانسان على هذه الارض يتساقط شعرا.. منذ ان كان ولأنه أبحر في كل الاتجاهات المضيئة مع احتفاظه بوحدانية هذه التربة توجب علينا هذا اليوم ان نطل على ثقافة عراقية خالصة لنكتشف اواصر الود بين فروع الثقافة الواحدة التي تؤدي الى بحر اكبر.
العراق: هذا الشيخ الاسمر يحمل في فمه الصغير عدة ألسن منها ما ينثر رمالا بدوية فوق خصر الذاكرة ومنها ما يصعد موالا نواحيا يمتد من اول طعنة الى آخر قطرة جفت في الهور البعيد ومنها اللسان السرياني الذي يتقافز كصغار الطيور وهي تسكن اعشاشها في طلعة أرضية مسالمة.. واللسان السرياني نبضة حقيقة في قلب لغة الحزن العراقي المتوارث، عن شعره وعن اوزانه وعلاقتها بأوزان الشعر العربي نرحب هذا اليوم بالباحث والشاعر نزار الديراني ليضيء لنا مساحة خضراء من ساحات وجه الادب العراقي.
* نزار حنا الديراني مواليد 1956 ـ زاخو
* خريج كلية الادارة والاقتصاد ـ المستنصرية
* باحث وشاعر
* رئيس اتحاد الأدباء والكتاب السريان.
* نائب الامين العام لاتحاد الادباء والكتاب
* العراقيين لشؤون السريانية
* عمل عضوا في تحرير العديد من المجلات الثقافية
* نشر المئات من المقالات والقصائد والدراسات في الجرائد والمجلات العراقية
* اشترك في العشرات من المهرجانات والمؤتمرات داخل وخارج العراق
* القى العديد من المحاضرات
والقى الاستاذ الشاعر نزار الديراني محاضرة تضمنت دراسة القصيدة السريانية والعربية وتاريخ نشأتهما وجاء في محاضرته الآتي: حضارة العراقيين من اقدم الحضارات الانسانية هذا ما تشهد له وتقره آثارهم الشاخصة وما خلفوه للانسانية من نتاج فكري عظيم حفظته لنا عشرات الألوف من الرقم المفخورة والتي تشمل حقول المعرفة كلها من علوم وآداب وفنون.. ويكفينا فخرا ومجدا بأننا اصحاب اعظم انجاز في حقل الحضارة البشرية ألا وهو فن الكتابة.. فمن هذه الارض الطيبة انبثق شعاع الحضارة الى ارجاء المعمورة.. وعلى الرغم من كل المحاولات الرامية الى تضليل الحقيقة والرأي العالمي في ان أهل العراق وشعبه بحضارتهما ليسا من نتاج هذه الارض لكونهما قبائل رحالا غزت بلاد الرافدين منذ عهود بعيدة، ومن انهم غزاو يمتازون ببسالة حرب، ولم يقدموا للبشرية سوى الحرب والدمار.. كل هذه المحاولات لن تنجح في اجتثاث ما تميزت به حضارة العراق التي سندت بكد أهلها وعرقهم ودمائهم.. فأرض الرافدين المنبسطة والخصبة وذات المياه الوفيرة والمناخ المعتدل (ولاسيما في الشمال) كانت قادرة على نفخ قوة الروح الدافعة في اول انسان ولد. وسلحته بالفكر والطموح لتطبع بصماته الحية وسماته الزاهية على عشرات الآلاف من الالواح، فكانت أرض العراق ومنذ ولادة الانسان ومنذ القرن الخامس الميلادي سيكتشف ان هناك حلقات مفقودة لكلا الأدبين سبقت ما هو موجود بين أيدينا بقرون عديدة.. فعلينا البحث عنها على الرغم من ان الخوض في هذا المضمار لا يتطلب من الباحث معرفة واسعة في الثقافات التي عاشت وتعيش على هذه الارض فحسب، وانما تقتضي ايضا ان يكون للباحث الفطنة والذكاء والعلمية لتمكنه من جمع الاشتات المتفرقة من الآداب والعلوم والحضارات ليصنع منها صورة صحيحة من دون تحيز او تشويه كما يتطلب من الباحث الشجاعة والثقة للتجرد من الأنانية وقول الحقيقة... ومن حقنا ان نضع امام أعيننا تاريخنا العريق الذي يمتد قبل الاسلام والمسيحية بعشرات القرون.. وعلينا ان لاننس ان ما موجود على هذه الارض هو ملك لنا ونحن أحق من غيرنا بدراسته وتحليله.. ومن حقنا ان نشكك فيه بغية التوصل الى اقتناع حاسم.. فكل ما نتوصل اليه يصب في روافد دجلة والفرات وسيروي حقول هذه الارض الطيبة التي ضحى أباؤنا من أجلها أغلى ما عندهم.
الشعر العربي والسرياني كانا كاملي البناء تأمي الموسيقى لهما لغة مهذبة واسعة في الوزن مما يؤدي بنا الى ان نقول:
1ـ ان تاريخ الشعر في كلتا اللغتين يرجع الى ما قبل ذلك بكثير وقد كان محقا اسحق ساكا حين قال: ان السريان قرضوا الشعر برديصان بعهد بعيد غير ان برديصان توسع في اوزانه وتفنن فيه فمن يقرأ هذين الادبين سيصل الى نتيجة مفادها ان مثل هذه الامة لا تتهيأ للامم طفرة واحدة بل نتيجة تطور في اصول بعيدة ,, صغيرة بسيطة ثم تتطور بعملية من عمليات النمو الطبيعي، وهذا يقودنا الى احتمال ثان.
2ـ او ان ادب كلا الشعبين كان نتيجة متواصلة لآداب المنطقة كالسومرية والبابلية والاشورية ولو حظي هذا العلم اهتمام الباحثين لوجدوا تشابها واواصر مشتركة بين تلك الاداب والتي تلتها كالسريانية والعربية والعبرية. وانا اتفق مع الاستاذ طه باقر حين قال (ليس عندي شك في ان اوزان الشعر البابلي واساليب تأليفه ونظمه قد أثرت كثيرا في اشعار الامم القديمة التي كان لها اتصالات مباشرة وغير مباشرة بحضارة وادي الرافدين اخص بالذكر منها الشعر العبراني والارامي والشعر الفارسي القديم الاخميني) لا بل اصر على ان بعضها ان لم اقل جميعها هي تواصل لمسيرة هذا الادب ومن ضمنها الادب العربي سواء كانت بصورة مباشرة او بصورة غير مباشرة أعني من خلال الادب السرياني ولو توفرت لدينا هذه الحلقات المفقودة لاتضح ذلك اكثر، فعلى سبيل المثال لو اخذنا من الادب البابلي قصيدة حوار بين صديقين يرقى تاريخ تدوينها الى حدود الالف الاول ق.م والتي وجدت في مكتبة اشور في القرن السابع قبل الميلاد، بحيث لو اخذ المقطع الاول من كل بيت من ابياتها وجمعت المقاطع بعضها الى بعض لتكون منها اسم ناظم القصيدة وشيء من الدعاء الى الإله والملك، وعلى هذا الوه تؤلف المقاطع الاولى من القصيدة العبارة (انا ساكل ـ كينام ـ اوبب) وهو كاهن المشمشو وعابد الاله والملك.
وهذا الفن لاحظناه في الشعر السرياني الذي اشتهر به مار افرام (306ـ373م) وفي الشعر العبري في منتصف القرن السابع الميلادي وهي تشبه المزمور 119 ومراثي ايرميا 4،3،2،1 التي كانت تستعمل النظام الابجدي في ترتيب الابيات. إلا اننا لم نعثر على هذه الحلقات المفقودة سوى كتاب احيقار بالسريانية (الذي عثر عليه في جزيرة ام الفيلة بمصر يرقى الى حدود سنة 680 ق.م وهو ليس شعرا بل حكما والسبب في ذلك ان جدودنا حين اعتنقوا المسيحية ضحوا في سبيله بأغلى ما لديهم فاحرقوا جميع الكتب خشية ان توقع احفادهم في شرك التوثن، وهكذا الحال عندما اعتنقوا الاسلام.. فلم يصل الينا من العربية شيء سوى المعلقات التي عاصرت بعضها الاسلام وعن طريق الروي."