Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

الشعائر الحسينية بين الأهداف الرسالية والبدع العاطفية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الخلق والمرسلين سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين
لابد ان أنوه في مقدمة هذا البحث الموضوعي الى القاسم المشترك بين هذا البحث المنفرد المستقل تأليفا من جهة المباديء والمنطلقات الأرتكازية العامة والكلمة القيمة التي القاها الأخ الوكيل الأقدم لوزارة الثقافة العراقية الأستاذ جابر الجابري في مبنى الوزارة ضمن الحفل الاستذكاري التأبيني ليوم عاشوراء الدم والفداء والشهادة والتي دعا فيها نخب المثقفين بدعوته المباركة الطيبة تلك الى ترسيخ قيم النهضة الحسينية ومبادئها الرسالية في قلوب وعقول الناس كافة وضرورة ان تنقح شعائر التخليد لهذه الثورة الاسلامية والانسانية الكبرى من كل ما الحق بها من خرافات وبدع وطقوس عرفية صبغتها بالوان الأعراف الاجتماعية الطارئة الغريبة والموروث الخطابي المدسوس أحيانا والعاطفي الساذج في الكثير من الأحيان والتي ادت الى تشويه القيم الرسالية والاهداف العظيمة التي من أجلها قام سيد الأحرار ونبراس الثوار والأبرارعليه السلام بثورته الأصلاحية المباركة التي حفظت بيضة الاسلام وحالت تضحيته بنفسه وأهله وصحبه دون أن يمحى هذا الدين الأصيل الذي جاء به الله سبحانه وتعالى رحمة للعالمين وأمر حبيبه المصطفى خاتم الرسل والأنبياء محمدا صلى الله عليه وآله بتبليغه للبشر كافة فالاسلام العزيز ضمن هذه الأبعاد الواقعية السامية من خلال هذه النهضة الجبارة (محمدي الوجود حسيني البقاء والأمتداد).
ولاشك في ان الباحثين والمتأملين لمشاهد ذكرى عاشوراء الحسين عليه السلام يعلمون أنه يوجد خلط كبير بين الشعائر الدينية المقدسة والطقوس العرفية التي تتخذ من الدين وسير دعاته ورجالاته غطاءا لتبرير وجودها المزيف الطاريء حيث أنه من الضرورة بمكان وضع معايير علمية موضوعية للتمييز بينهما ودراسة مقدمات أسبابهما وظروف نشوئهما، ذلك أن الشعيرة الإسلامية تتحرك وفق حركة القرآن وسيرة النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم كشعيرة الحج مثلا لذلك تضاف الشعيرة لله تعالى كقوله سبحانه (ذلك ومن يعظم شعائر الله فأنها من تقوى القلوب) سورة الحج/ الآية32 ومن أمثلتها شعائر الحج المشرعة من قبل الله تعالى، لكن الطقوس تمثل عادات وأعراف تتحرك فى أقوام معينين نتيجة لبيئة إجتماعية وظروف سياسية أو إقتصادية فليس من الضرورى أن يمضيها القرآن أو السنة أو العقل لكن يمكن دراستها وآثارها وهنا يأتى دور العقل فى التمييز والترجيح حيث للكثير من الأمم والحضارات عاداتها وشعائرها كما ذكر وول ديورانت فى (قصة الحضارة) ومثالها الواضح المراسيم فى دفن الموتى لمختلف الشعوب والأمم. المشكلة تكمن فى تحول الطقس إلى شعيرة مقدسة أساسية قد تنسب إلى الشرع فتكون لها الأولوية والأساس فى حركة الأمة ووجوب الدفاع عنها فيتحول الهامش إلى أصل تستغرقه العواطف وعندها تخفى الأصول والرسالية والعقل وروح المقاصد فيفقد الدين روحه وقيمه وتسامحه وأدبه فضلا عما يزرعه من أحقاد وثارات وحواجز ضد الآخرين.

كانت حركة الإمام الحسين نبراسا للأحرار والابرار والثوار بوجه الظلم والأنحراف والباطل من أجل الحرية والكرامة والعدالة كما قال (أني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولاظالما ولامفسدا ولكني خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله وسلم.. هيهات منا الذلة.. كونوا أحرارا فى دنياكم) يكفى ما كتبه عباس محمود العقاد فى كتابه القيم (أبو الشهداء). لكن حصل دخول كثير من الطقوس الغريبة كالتطبير والضرب بالحديد والأدماء والمشى على النار وبعض ما يرد فى التشابيه وبدأت تتطور فى مراحل تاريخية وتتعمق وكأنها جزء من العقيدة والدين وصار لها تأثير كبير فى الأمة والأفراد من جوانب متعددة. يعتقد الكثير من الباحثين والمحققين أن التطبير وضرب الرؤوس بالسيوف يرجع إلى الحقبة الصفوية والشاه إسماعيل الصفوى (1501-1736م) مؤسس الدولة الصفوية والمنتحل للمذهب الشيعى الإمامى مذهبا رسميا وإلزاميا للبلاد وهو يجابه الحكم العثمانى (السنى) ثم تعيينه وزيرا للشعائر الحسينية ليذهب الأخير ويجول العالم خصوصا روما فوجد بعض المسيحيين يضربون أجسامهم ورؤوسهم بالسيوف والسكاكين حزنا على السيد المسيح، فاستحسنه وكان أول من أدخله إلى الدولة الصفوية كما يذكرالمفكر الأسلامي الأيراني الكبير الدكتور علي شريعتى رحمه الله وهو أحد المقربين للسيد الخميني (رض) حيث استشهد على أيدي رجال المخابرات الشاهنشاهية قبل انتصار الثورة الأسلامية في كتابه الموسوم (التشيع العلوي والتشيع الصفوي) ومحسن الأمين فى كتابيه (اعيان الشيعة) و (رسالة التنزيه بأعمال الشبيه) وإبراهيم الحيدرى فى (تراجيديا كربلاء).

وكان للصفويين الدور الكبير فى تحويل التشيع العلوى الأصيل من المبادئ والقيم والمحبة والإنسانية للإمام علي(ع) الى الخرافات والطقوس والأحقاد والغلو التى ترسخت فى المرجعيات الصفوية المعاصرة وحاشيتها الفاسدة والمفسدة لذلك لاجد حماسا لها فى النجف للتصدى لهذه البدع والخرافات. وأما تقديس فرس الحسين فقد بدأ فى جنوب الهند من الإسماعيلية الذين تحولوا إلى إمامية وشجعوا على التطبير كعادة كما اشتهر فى الهند والباكستان لاحقا المشى على النار حفاة الأقدام كما ذكر علي محمد علي فى كتابه (الشعائر الحسينية).

وكان لهذه الطقوس آثارا سلبية من الفرق الإسلامية الأخرى حيث حصدت قتل الآلاف عام 1963م فى لاهور مما جعل مراجع النجف يصدرون الفتاوى فى تحريم التطبير والضرب بالسلاسل آنذاك لحقن الدماء
. المشكلة أولا فى بعض العلماء والخطباء كما يقول هبة الدين الشهرستاني (إن العلماء بسبب خوفهم من العامة يقولون لهم عكس ما يعتقدون فهم يجاملونهم فى التطبير خوفا من هياجهم عليهم وهذه تنعكس سلبا على الدين وتساهم فى تخلفه وغلبة البدع وتحوله إلى وثنية تهزأ بها الأمم) وكان محسن الأمين قد أعلن تصديه لها وتحريمها وألف (رسالة التنزيه) فى اعتبارها بدعا كما ذكر الأحاديث الموضوعة لها ودور الخطباء إذ يقول (إن الكثير من القراء قد اختلقوا أحاديث فى المصائب لم يذكرها مؤرخ ولا مؤلف لما يرونه من تأثير عاطفى وهى من الأكاذيب الموضوعة كما أن ما يفعله البعض من جرح أنفسهم بالسيوف من تسويلات الشيطان وينهى عنها الدين والله لا يطاع من حيث يعصى). لكن الأمين قد واجه حملة كبيرة ضده إذ هاجمه الخطباء والعوام وهددوه وشتموه وطردوه من الشام ونظمت القصائد ضده (يا راكبا واذا مرّرت بجلّق .... فابصق بوجه أمينها المتزندق) وكان الناس يشربون الماء ويلعنون الأمين وقد كتب ذلك على صناديق الماء فى الشوارع والحسينيات وقال فقيه الصفويه (نسلط جمهورنا وعوامنا على الأمين بحجة محاربته للشعائر الحسينية حتى يؤدبوه) .

ولا يخفى الصراع بين المرجعية العلوية الرشيدة والصفوية الفاسدة مما جعل الأمين يهجر الشام ويأتى للنجف فصدرت عدة فتاوى لتحريم التطبير سنة 1926م من جملة من المراجع رغم همس البعض للأمين (نحن نؤمن بحرمة التطبير لكننا لا نعلنها للناس) ويحدثنا علي الوردي عن محنة الأمين قائلا (وإننى لا أزال أذكر تلك الضجة التى أثيرت حول الدعوة الإصلاحية للسيد محسن الأمين قبل ربع قرن ولكنه صمد وقاوم فلم يلن ولم يتردد) مهزلة العقل البشرى ص299. وقد أفتى بحرمته صراحة كثير من الفقهاء منهم الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر رضوان الله عليه حيث قال (التطبير أمر لا يجوز أبدا ويجب الإمتناع عنه، إن ما تراه من ضرب الأجسام وإسالة الدماء هو من فعل عوام الناس وجهالهم ولا يفعل ذلك أي واحد من العلماء ويجب عليهم منعه وتحريمه) وآخرهم الشيخ اليعقوبى فى النجف. ولحساسية الموضوع يحدثنا تلميذ الصدر الأول وهو محمد جواد مغنية (وقد تطرف البعض فأبدعوا فى الطقوس بدعا يمقتها الله والناس من ضرب أنفسهم وإسالة الدماء فى بلدان استحكمت فيها هذه العادات)).
كما ألف مرتضى المطهرى كتابا من ثلاث مجلدات (الملحمة الحسينية)
وقد انتقد فيه الخطباء الحسينيين والطقوس والبدع فيقول: (لقد حرفنا عاشوراء ألف مرة ومرة فى عرضها ومقدماتها ومتنها وحاشيتها وتفسيرها وتحليلها بسبب العلماء والرواة وعلينا أن نبكى بسبب الأكاذيب التى ألصقها الخطباء بالواقعة وأدخلها الفقهاء المحرمون إلى البدع فى الدين مما يجب التصدى لها وقد اشتهر الحديث النبوى (أذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه وألا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين).


يقول المرحوم الدكتورعلى الوردى عالم الاجتماع العراقي المشهور (ان خضوع الناس إلى فكرة التطبير والاقتناع بها ومن ثم ممارستها يرجع إلى مفهوم - التنويم الاجتماعي - فله أثر بالغ في شل التفكير فالذي يقع تحت وطأته لا يستطيع أن يفكر إلا في حدود ما يملي عليه الإيحاء التنويمي العام وأنت لا تستطيع أن تجادله أو تباحثه مهما يكن دليلك إليه صارخاً). وقد ذكر محمد حسين فضل الله كيف أن المطبرين قد يشربون الخمرة من أجل الإحماء مقدمة للتطبير ويمارسه كذلك بعض من لا يصلون ولا يلتزمون بالفرائض وقال (إن التطبير يسيء إلى الإسلام باعتباره يجعل من ذكرى عاشوراء مناسبةً لتعذيب النفس وجلد الذات فيحرم التطبير لسببين : الأوّل لحرمة الإضرار بالنفس، وثانيا: لأن ذلك يؤدي إلى تشويه صورة الإسلام والمسلمين)
علما أن مواكب التطبير الأصلية كانت تقدم من إيران في الزمن الماضي وكان يرفضها المجتمع العراقى بشدة آنذاك كما يذكر الدكتورعلى الوردى. وأما دخول الفتيات أخيرا فى التطبير فى النبطية فى جنوب لبنان بعد جمعهم فى باصات مجانية من مختلف مناطق لبنان، قد رفضها علماء لبنان مثل موسى الصدر ومحمد مهدى شمس الدين ومحمد حسين فضل الله وغيرهم لكنها لم تتجاوز النبطية إلى غيرها من المدن والدول العربية الأخرى لكن البعض فى لندن أضاف الأطفال الصغار إلى التطبير.
بعض الفقهاء يعتقد جوازها أو استحبابه مستندا إلى أدلة أهمها أن العقيلة زينب أخت الحسين قد ضربت رأسها بالحامل فى رواية مرسلة، لكنها ضعيفة جدا سندا ودلالة فإن مصدرها المجلسى فى بحاره حيث أرسلها بلا مصدر لناقل أو كتاب فضلا عن ضعف متنها المضطرب وتناقضها مع وصية أخيها الحسين (إنى أقسمت عليك أن لا تشقى عليّ جيبا ولا تخمشي عليّ وجها) كما صرح المفيد فى إرشاده فضلا أن فعل زينب ليس دليلا شرعيا. وقد فصل محسن الأمين ضعف القصة وتهافتها سندا ودلالة فضلا عن رفضها من العقل السليم والمنطق الصحيح كما فى كتابه (رسالة التنزيه).

والمهم هو النتائج السلبية وخطرها وأضرارها على الفرد والأمة وتحول الأسلام إلى عادات وطقوس فيها الكثير من الضرر فكرا وواقعا ومن هنا لابد أن نؤكد عما موجود فى الوثائق البريطانية من دعم السفير البريطانى فى بغداد للتطبير وتبرعه بالأكفان البيضاء والقامات لمن يقوم بالتطبير فضلا عن دعم مواكب التطبير فقط بالمال والسكر والرز وغيرها من السفارة البريطانية فى وقت كانت الحاجة الماسة إليها وسط أزمة عاشتها البلاد كما تذكره الوثائق وكذلك حنا بطاطو فى كتابه (العراق) وإبراهيم الحيدرى فى (تراجيديا كربلاء).

ونحن اليوم بأمس الحاجة الملحة والضرورية والفاعلة الى الدور الارشادي والتوعوي والتثقيفي والتحصيني لاتباع المذهب الامامي الناصع من قبل الدعاة المتفقهين والمثقفين الرساليين الشيعة والمصلحين من العلماء والمرجعيات الرشيدة وفضلاء الحوزات العلمية لمواجهة الأنحراف والبدع والأكاذيب والخرافات وتنقيح الكتب والتمييز بين الغث والسمين فيها والأحاديث بين الموضوعة والصحيحة وتحويل المنبر من العاطفية والسذاجة والخرافة إلى الرسالية والوعى والعقل والإصلاح. وكما جاء في الحديث الصحيح المروي عن الرسول الاعظم محمد صلى الله عليه وآله أنه قال (أذا ظهر الفساد فعلى العالم أن يظهر علمه وألا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين).
واليكم اعزائي بعض الروابط التي تدعم هذا البحث ومنها استنكار الشيخ الدكتور الوائلي رضي الله عنه في احدى محاضراته القيمة لبدعة التطبير وحرمته
http://www.youtube.com/watch?v=D3iV6JoY31s
وكذلك التكذيب الذي أصدره مكتب السيد المرجع السيستاني في النجف الأشرف بشأن آراء مؤيدة للتطبير منسوبة الى سماحته.
http://www.alfajer.org/index.php?act=artc&id=2146
Opinions