Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

العراق أمام استحقاقات الديمقراطية الصعبة

-1-
اهتمامنا بالعراق على هذا النحو المتزايد والمتواصل يتأتى من عاملين أساسيين هما: التاريخ والجغرافيا.

أما عامل التاريخ - وكما أسلفنا سابقاً - فيتجلّى في أن العراق كان حتى القرن السادس عشر وحين فتح السلطان العثماني سليم الأول بلاد الشام ومصر 1517 وهزم السلطان المملوكي الظاهر بيبرس في معركة "مرج دابق" الشهيرة.. كان العراق يمثل أكثر من 80 % من كافة أجناس الثقافة العربية، ويضخ للعالم العربي والإسلامي روائع الشعر، وكنوز اللغة، والفقه، والحديث، والتفسير، والتاريخ، والفلسفة، وعلم الكلام.. الخ. والعراق الآن مؤهل – تاريخياً – لكي يعيد ريادته لاحتضان وضخ أجناس الثقافة العربية من جديد، بما يملك من إمكانات بشرية وطبيعية، وثروات مائية – وهي المهمة – وبترولية، ومعدنية.. الخ. وبما له من تراث زراعي، وتجاري، وفني غني.

-2-

أما عامل الجغرافيا، فقد أعطى العراق أهمية أخرى فوق أهميته التاريخية، لكونه يقع في بؤرة الصراع الدولي السياسي بين الشرق والغرب. صحيح أن لا حدود مشتركة بين العراق وإسرائيل، ولكن يكفي العراق هذه الحدود الطويلة والممتدة بينه وبين سوريا، وبينه وبين إيران. وهما تشكلان الآن بؤرة الصراع الغربي – الشرقي السياسي، رغم أن نار سوريا قد خمدت – ولو قليلاً - بتعيين سفير أمريكي جديد فيها، وبالمصالحة التي تمت بينها وبين السعودية أولاً، ومع المعارضة اللبنانية ثانياً وهي مصالحة شكلية (بوس لحى) على الطريقة العربية، في حين ظلت القضايا العالقة كمقتل الحريري، والمحكمة الدولية، و"حزب الله"، والسلاح في لبنان، والصراع العربي – الإسرائيلي قائمة، لا تغيير لها، ولا تبديل فيها.

أما نار إيران فإنها تزداد اشتعالاً يوماً بعد يوم.

-3-

إذن، فالعراق جار لأهم وأكثر دولتين في المشرق عداء للغرب وعلى رأسه أمريكا إضافة إلى جيرانه من الطائفة السُنيَّة، الذين ينظرون إليه ويتعاملون معه سياسياً الآن بحذر شديد وبالقطّارة.. نقطة نقطة، لكي يعرفوا تماماً خطواته ونواياه القادمة سيما، وأن وسط العراق وجنوبه يسيطر عليه الشيعة وهم على خلاف – مهما قيل من كلام معسول ومجبول بالمحبة الزائفة – عقدي وسياسي وشعبي مع السُنَّة بفضل هذه الجيوش الجرارة من الفقهاء ورجال الدين من الطرفين، الذين يُسعِّرون النار في الطرفين من حين لآخر، وخاصة منذ 11 سبتمبر 2001 ومنذ 2003 إلى الآن.

-4-

بعد أيام سوف يتوجه العراقيون لصناديق الانتخابات التشريعية في 7/3/2010 ، فهل هذه الخطوة دليل آخر على تحقق الديمقراطية العراقية؟

من المعروف أن فقهاء السياسة وفلاسفتها قد نفوا أن تكون الانتخابات أو صناديق الاقتراع من دلائل التطبيق الديمقراطي الوحيدة. ودليلنا على ذلك أن أكثر الأنظمة العربية ديكتاتورية هي الأنظمة التي كانت تتخذ من الانتخابات وصناديق الاقتراع ستاراً يغطي عورة الديكتاتورية الفاضحة والقبيحة. وصدام حسين قبل أن يُطاح به، كان قد أجرى استفتاءً عاماً في العراق، فاز فيه بنسبة 100% أو أكثر وقال له بعض الناخبين "نعم" بدمهم، لا بالحبر الانتخابي!

إن أهمية الانتخابات العراقية في 2005 وفي 2010 هي في قدرة الشعب على التغيير. فتلك هي الديمقراطية.

فالديمقراطية ليست في الصحافة الحرة (مصر) وليس في البرلمانات (الأردن، سوريا، السودان، اليمن) وليست في أحزاب المعارضة (مصر، الأردن، سوريا، المغرب) ولكنها في قدرة الشعب على التغيير.

فما أهمية انتخاب الحاكم، إذا كان هذا الشعب لا يستطيع تغيير هذا الحاكم؟

وما أهمية الاستفتاء على الدستور، إذا كان الشعب لا يستطيع تعديل أو تغيير مواد الدستور؟

وما أهمية انتخاب أعضاء مجلس الشعب أو البرلمان، إذا كان الشعب لا يستطيع إيصال نوابه الحقيقيين للبرلمان، ويتم تزوير الانتخابات في كل مرة؟

-5-

فأهمية ما تمَّ وما سيتمُّ في العراق، هو قدرة الشعب العراقي على التغيير من خلال الاقتراع.

تغيير النواب الذين فشلوا في تحقيق ما وعدوا به في عام 2005.

تغيير الحكومة التي فشلت في تطبيق خططها الأمنية والاقتصادية والاجتناعية التي وعدت الشعب بها عند استلامها الحكم.

تغيير حكم الأغلبية، من أغلبية طائفة دينية معينة إلى تعددية طائفية، مع إلغاء المحاصصة، وجعل العراق لكل العراقيين، والوطن لكل المواطنين.

-6-

هناك أهمية أخرى لهذه الانتخابات، والعراق يواجه المزيد من التحديدات، والانتخابات القادمة أكبر تحدياته. فالعراق الآن يذهب إلى صناديق الاقتراع، وقد خفَّت عنه كافة الضغوط. نقول خفَّت، وليس اختفت.

فقد خفَّت عنه الضغوط الطائفية، التي كانت قائمة بعد 2003 مباشرة، وقبل انتخابات 2005.

وخفَّت عنه ضغوط الجيران من العرب والعجم، ولم تعد مخاوف هؤلاء من العراق الجديد كما كانت عليه بعد 2003 مباشرة. فالثورة العراقية 2003 مضى عليها حتى الآن قرابة سبع سنوات، وهي تنضج كل يوم على نار هادئة، كأية ثورة شاملة في التاريخ. وفضائلها تُرجَّح على رذائلها كل يوم. وإيجابياتها تزيد على سلبياتها، وخيرها على شرها.

لقد تلاشت تدريجياً آثار الصدمة الكبرى لدى جيران العراق، مما حدث فجر التاسع من نيسان 2003. وبدأت نفوسهم تطمئن وأعصابهم تهدأ رويداً رويداً. فالجحيم الذي شاهدوه قادماً من العراق إلى ديارهم، بدأ يتحول تدريجياً إلى سلام وربيع.

-7-

إن أهم ما تشير إليه الانتخابات التشريعية العراقية في مطلع الشهر القادم، هو قناعة هذا الشعب أن أعداء العراق الحقيقيين ليسوا البعثيين، ولكنهم الإرهابيون من البعثيين ورجال الدين من كافة الطوائف، وكل من حمل السلاح ليحارب الحرية والديمقراطية في العراق.

فالخيانة قد تأتي من البعثي، ومن غير البعثي.
Opinions