Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

العراق والولايات المتحدة الأمريكية بانتظار مرحلة مابعد بوش

إلى أين يسير العراق، وهل هناك أمل في أن يستعيد عافيته ويقف على قدميه لينطلق من جديد في ركب الحضارة البشرية المتطورة؟ هذه الأسئلة تطرح نفسها بفعل التدهور الحاصل في الظروف السياسية والعسكرية الدولية في السنوات القليلة الماضية وقرب انتهاء حقبة جورج دبليو بوش في الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية في شهر نوفمبر تشرين الثاني القادم ، لاسيما بين روسيا وأمريكا بسبب الإصرار الأمريكي على نصب شبكة الصواريخ الإستراتيجية الاعتراضية المضادة للصواريخ عابرة القارات في بولونيا ونصب رادار كاشف للصواريخ الباليستية بعيدة المدى في جمهورية التشيك ، وسعيها الدءوب لتوسيع نطاق حلف شمال الأطلسي وضم أوكرانيا وجيورجيا إليه هذا عدا عن تأييد أمريكا ودول الغرب لاستقلال كوسوفو الذي تعارضه موسكو بكل قوتها. تشدد واشنطن وتشجع على قبول عضوية هاتين الدولتين لأنهما تؤيدان باستمرار وبلا تحفظ سياسة الحلف خاصة في الكوسوفو وأفغانستان دون أن تكونان عضوين فيه كما يقول الرئيس بوش ، في حين أن مما لاشك فيه أن دولاً مثل من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا ودول أوروبية أخرى، ستحاول وضع العراقيل والعصي في الدواليب كما يقول المثل الفرنسي أمام مشروع واشنطن وإعاقة تنفيذ هذا المخطط على الأقل لغاية انتهاء ولاية جورج بوش الابن.

الوضع الإقليمي ، لاسيما في الشرق الأوسط ليس بأفضل حالاً حتى تاريخ صيف 2008 . فلقد أخطأت واشنطن تشخيص العدو الاستراتيجي لها وأعلنت حرباً انتقامية على أفغانستان وأخرى عدوانية على العراق. واستخدمت أساليب وطرق اصطدمت بمشاعر السكان الأصليين في هذين البلدين ، وبالرغم من ذلك ما تزال تبحث عن عدو جديد لمواجهة عسكرية قادمة يتمثل هذه المرة بإيران. ولا ننسى أن إيران تقع على حدود روسيا وتمثل عمقاً جغرافياً لها كانت في الماضي تستخدمه كساتر أو مانع طبيعي وفاصل بين أراضيها والقوات المهاجمة لها. ولا ترغب موسكو ترك الولايات المتحدة الأمريكية مطلقة اليدين لتقرر مستقبل الأرض . المغامرة العسكرية الأمريكية في أفغانستان والعراق كانت مكلفة مادياً وبشرياً من الناحية السياسية والعسكرية والاقتصادية والمالية . طرأ تحسن نسبي ملموس على الوضع الأمني والعسكري في العراق، وانخفضت العمليات الإرهابية والانتحارية كثيراً، وشهد البلد بداية لتطبيع الأوضاع، لكن ذلك لم يمنع من اندلاع مواجهات مسلحة عنيفة في البصرة في آذار 2008 وفي مدينة الصدر في بغداد في نيسان 2008 بين أنصار مقتدى الصدر وميليشيا جيش المهدي من جهة والقوات الحكومية العراقية والأمريكية من جهة أخرى، تمخضت عن عدد كبير من القتلى والخراب المادي والشلل الاقتصادي لعدة أيام ، في نفس الوقت اعترف القادة العسكريون الأمريكيون بأن أفغانستان غير قادرة لوحدها على فرض الأمن قبل العام 2013. جاءت استقالة الأميرال وليام فالون قائد مركز القيادة الوسطى للقوات الأمريكية في العراق وأفغانستان، لتعكس طبيعة معنويات القيادة الأمريكية وكان الأميرال قد صرح على شاشة قناة الجزيرة في الخريف الماضي إن قرع طبول الحرب لايساعد في شيء وليس مفيداً . وكان قد استقال من منصبه بسبب عدم إصغاء وقبول الإدارة الأمريكية في البيت الأبيض لخططه للتقارب مع الصين وروسيا وإيران كما نشرت مجلة اسكويرESQUIRE الأمريكية في عددها الصادر في 11 آذار 2008 . وقد بدا التناقض واضحاً بين موقف الأميرال فالون والجنرال دافيد بيترايوس، الرجل الذي يحظى بثقة البيت الأبيض المكلف بتحقيق النصر وتعزيز قدرة القوات الأمريكية في العراق. ونجد اليوم أن هذا الأخير يعارض فكرة تقليص عديد القوات الأمريكية في العراق ويود أن يبقى مستوى القوات حتى نهاية عام 2008 كما كان عليه في أواخر 2007 وترك الأمور كما هي حتى نهاية ولاية الرئيس بوش حيث ستكون بمثابة التركة الثقيلة التي سيورثها لخلفه في البيت الأبيض.

وعلى خلفية المعركة الانتخابية للفوز بالرئاسة الأمريكية القادمة نجد من جانب الجمهوريين نفس الخطاب المحافظ الذي يردده مرشحهم السناتور جون ماكين وهو واضح وصريح في موقفه من الملف العراقي ويتلخص بأن على أمريكا أن تبقى حتى ولو لقرن كامل إذا اقتضى الأمر ذلك بيد أن السيناتور المرشح الجمهوري للرئاسة ينسى الفرق الجوهري بين الحالة العراقية والحالة الأفغانية، حيث أن وضع أمريكا في العراق قانونياً وفي وثائق الأمم المتحدة، هو وضع القوة المحتلة في حين أنها تتمتع بدعم وتغطية شرعية من جانب الأمم المتحدة في أفغانستان. يتمخض من ذلك استنتاجان: الأول هو أن حل الصراع العراقي يمر عبر إيران، الأمر الذي يبدو عسيراً على إدراك وتقبل ماكين . والاستنتاج الثاني هو أن حل المأزق القائم في العراق لايمكن أن يحدث بدون انسحاب تدريجي للقوات الأمريكية من هذا البلد وهو الأمر الذي ينطوي أيضاً مرة أخرى على الاعتراف غير المباشر بإيران في هذه الصيغة من الحل لأن سحب القوات الأمريكية من العراق هو مطلب إيراني بامتياز وهو أمر غير مبرمج على المدى المنظور. أما الملف الأفغاني فلن ينتهي إلا بتحقيق نصر مؤزر وحقيقيو ملموس على الإرهاب والقضاء عليه بشكل نهائي.

فالأوضاع في تدهور مستمر في أفغانستان اليوم، وحركة الطالبان تستعيد زمام المبادرة تدريجياً، بينما يحدث العكس على الجبهة العراقية مما يؤشر إلى بروز بصيص من الأمل في نهاية النفق المظلم، خاصة بعد النجاحات التي حققتها السلطة المركزية العراقية في محافظة البصرة أحد أقوى معاقل ميليشيا جيش المهدي المتحدية لها في آذار 2008، إلى جانب تحقق تقدم سياسي في طريق المصالحة الوطنية وعودة وزراء جبهة التوافق السنية إلى الحكومة على أمل التوصل إلى إنهاء المحاصصة الطائفية والقومية ، ومصادقة البرلمان العراقي على عدد من القوانين المهمة كقانون المحافظات وقانون العفو عن السجناء وقانون الميزانية ومن المؤمل التصويت على قانون النفط والغاز وقانون الاستثمارات وقانون الانتخابات وغيرها من القوانين وأهمها ذلك المتعلق بتطبيع الأوضاع في مدينة كركوك المتنازع عليها بين العرب والأكراد والتركمان.

اتفق المراقبون الدوليون، منذ بداية الحرب الأمريكية على العراق أن لا حل إلا عبر أحد النفقين : فإما الحرب الأهلية ـ الطائفية أو تقسيم العراق وتمزيقه إلى كيانات هزيلة وصغيرة وضعيفة تكون نهباً لأطماع المحيط الجغرافي المجاور. وفي أحسن الأحوال تكرار سيناريو غزة والضفة الغربية وازدواجية السلطة فيهما بين حماس وفتح. فالصدريين يتهمون السيد رئيس الوزراء نوري المالكي بمحاباة المجلس الأعلى الإسلامي وفيلق بدر كحلفاء في السلطة على حسابهم والمفارقة في الموضوع أن المجلس وفيلق بدر يحظيان بتأييد ودعم إيران مثلما يحظى مقتدى الصدر بدعم وتسليح ومساعدة إيران على الرغم من التنافس الواضح بين الطرفين الشيعيين المتخاصمين للفوز في انتخابات مجالس المحافظات المزمع تنظيمها في أكتوبر القادم وقد تؤجل إلى أجل غير مسمى. مصلحة إيران وتركيا على المدى البعيد تصب في مجرى استقرار العراق وازدهاره اقتصادياً ونزع سلاح الميليشيات السنية والشيعية وحصرها بيد الدولة لكنه حلم بعيد المنال في الوقت الحاضر وما تزال الطريق طويلة قبل أن يتمكن العراق من تزويد نفسه بجيش وطني مدرب ومسلح وحديث، مؤهل وذو كفاءة عالية، يستطيع أن يفرض الأمن والاستقرار بدون أن يحتاج لدعم عسكري خارجي كما هو عليه الآن، فلولا تدخل الطيران الأمريكي والبريطاني لما تمكن من تحقيق النصر في معارك البصرة ومدينة الصدر والموصل وغيرها. فحكومة المالكي تعتمد إلى حد كبير على تأييد ودعم واشنطن لها وهي مجبرة على المناورة الحساسة للحفاظ على التوازن الوطني بين مختلف مكونات الشعب العراقي لكن النسيج الاجتماعي العراقي ما يزال هشاً وغير متماسك تماماً بعد المواجهات العسكرية التي أعقبت تفجير مرقدي الإمامين العسكريين المقدسين. وأن إيران، الفاعل الأساسي على الساحة العراقية، ما تزال مصرة على المضي في برنامجها الخطير في تخصيب وتنقية اليورانيوم على أراضيها مما يثير حفيظة الغرب وقلق إسرائيل الحليف الاستراتيجي لهذا الأخير. فإذا فاز المرشح الديمقراطي فربما ستكون هناك ثغرة تتسلل منها المفاوضات بين واشنطن وطهران من أجل حل دبلوماسي ، أما إذا فاز المرشح الجمهوري فسوف يتعين على إيران تحمل الضغوط الأمريكية والدولية المتزايدة عليها لخمس سنوات قادمة قد تتخللها حملة عسكرية لا أحد يعرف مداها إلا الله.

وقد أكد المرشح الديموقراطي للرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية باراك أوباما يوم 15 تموز على وعده بسحب القوات الأمريكية من العراق عندما تسنح الفرصة لذلك وفي نفس الوقت أكد دعمه لحكومة كابول في أفغانستان في محاولة منه لتبييض صفحته التي لوثها منافسه المرشح الجمهوري جون ماكين واتهمه بأنه شاب عديم التجربة والخبرة في السياسة الخارجية وبذلك يكون المرشح الديموقراطي قد عكس الأولويات في الخطاب الذي ألقاه في واشنطن معتبراً :" أن العراق لايشكل الجبهة الأساسية والرئيسية في الحرب ضد الإرهاب العالمي ولم يكن كذلك قط " ولذلك فهو متمسك بموقفه من هذا الملف في " إنهاء الاحتلال" لكنه شدد على " مخرج مشرف ويتحمل المسؤولية " ولن يخرج قبل تسوية الأوضاع الداخلية في العراق على أفضل شكل ممكن. أي أن خطة سحب القوات خلال ستة عشر شهراً ستكون مشروطة، إذ يجب توفير إجراءات واستعدادات وضوابط تكتيكية قبل البدء بالانسحاب، على حد تعبيره. إن هذا التوضيح سيأخذ صيغة المبدأ بينما كان يمكن أن يكون شكلاً من أشكال التحول في الموقف تحت تأثير الزيارة التي قام بها المرشح الديموقراطي للعراق هذا الصيف ، حيث ستحظى أفغانستان بالأولوية بدلاً من العراق عند أوباما لو فاز في الانتخابات. ومن المعروف أن أوباما قرر إرسال كتيبتين إضافيتين إلى أفغانستان لتدعيم وتعزيز القوة الأمريكية المتواجدة حالياً فوق الأراضي الأفغانية وقوامها 36000 مجند من قوات الجي آي إذا أصبح رئيساً للولايات المتحدة ألأمريكية. كما حذر أوباما الرئيس الباكستاني برويز مشرف أنه لن يحظى بعد الآن بصك على بياض كما كان الحال في السابق وإذا عجز أو لم يرغب في التحرك فإن الولايات المتحدة تحت رئاسته ستواصل هي بنفسها وتطارد الإرهابيين في المناطق الحدودية التي تفصل بين باكستان وأفغانستان. وفي نفس الوقت شدد لهجته تجاه إيران بالرغم من إعلانه عن استعداده للتفاوض معها، ولم يستبعد أية وسيلة لمنعها من الحصول على السلاح النووي لأن ذلك يمثل، حسب رأيه، هدفاً حيوياً واستراتيجياً بالنسبة لبلده . ووعد الأوروبيين بأنه سيكون شريكاً كاملاً في مشاريعهم وجهودهم الدبلوماسية مع طهران . والجدير ذكره أن فرص أوباما باتت مساوية لفرص جون ماكين بالفوز والحال أن جون ماكين يتمتع بتفوق طفيف على منافسه الديموقراطي في ما يتعلق بالملف العراقي حيث أن نسبة من يؤيده في سياسته تجاه العراق بلغت 47%بينما بلغت نسبة من يؤيدون أوباما حيال العراق 45% ، والحال أن 36 % من الديموقراطيين يعتقدون أن غزو العراق كان خطأً فيما أيده 46% منهم فقط وأن 51% من الديموقراطيين يعتبرون مهاجمة نظام الطالبان في أفغانستان صائب ومبرر ومشروع وأن 44% منهم يعتقدون أن بلدهم حقق نجاحاً في أفغانستان مقابل 70% سنة 2002. أما عن سحب القوات خلال ستة عشر شهراً فإن 50% من الديموقراطيين يؤيدون ذلك و 49% يعارضونه.

د. جواد بشارة / باريس
Jawad_bashara@yahoo.com


Opinions