العربي.. ذلك الإنسان المعذَّب أبداً!
-1-عذاب الإنسان العربي على النحو الذي نراه يومياً الآن ليس جديداً. فمنذ مطلع العهد الأموي وإلى الآن، والإنسان العربي يذوق يومياً صنوفاً من العذاب والقهر والجوع.
الفرق بين الأمس واليوم، هو أن المنظمات العالمية كالأمم المتحدة، ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان، أصبحت ذات فعالية وتأثير كبير على الرأي العام الدولي، وعلى صُنّاع القرار في الغرب والشرق. وأخذت هذه المنظمات تفضح، وتنصح، وتكتب، وتقول بصراحة عن كل ما يلحق بالإنسان كإنسان من عذاب وكوارث.
لقد كان الإنسان في الأديان السماوية الثلاث ذو قيمة حياتية كبيرة. ولقد تم تكريم الإنسان تكريماً عظيماً في الإسلام. فقال القرآن الكريم "﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾ (الإسراء: 70 ).
وفي الفلسفة الإغريقية القديمة، كان للإنسان مكانة كبرى. وقال الفيلسوف الإغريقي أحد معاصري سقراط: "الإنسان مقياس كل شيء. إن الموجود موجود، والمعدوم معدوم."
وفي الفلسفة الغربية، كان الإنسان من أهم موضوعات هذه الفلسفة، كما نرى في فلسفة ديكارت، الذي اعتبر معرفة الذات بداية جميع المعارف اليقينية. وأن الذات البشرية هي الحقيقة الأولى والأخيرة في الكون. كما كان الإنسان المحور الرئيسي في الفلسفة الوجودية الألمانية لدى هيديغر، والفلسفة الوجودية الفرنسية لدى سارتر. وفي النصف الثاني من القرن العشرين، ظهر الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو الذي جعل الإنسان محور كافة أعماله الفلسفية المختلفة.
وفي الفلسفة الإسلامية – العربية المتأخرة، يقول ماجد فخري، رئيس دائرة الفلسفة في الجامعة الأمريكية في بيروت في كتابه "دراسات في الفكر العربي": هناك ثلاث فئات في تاريخ الفكر العربي، ألمَّت بحقيقة الإنسان، وعملت على الذود عنها، وفتحت أمام الإنسان العربي أبواباً من الرؤيا والإبداع، كانت موصدة في وجهه. وهذه الفئات هي: المعتزلة، والفلاسفة، والمتصوفة. وهذا ما نراه واضحاً في فلسفة الفارابي (توفى950م) وابن باجه (توفى 1138م) وغيرهما.
وفي الفلسفة الإسلامية – العربية المعاصرة، كان الإنسان أيضاً المحور الرئيسي، كما نقرأ في كتابات محمد أركون، وعبد الرحمن بدوي، ورينه حبشي وغيرهم. وكانت "نزعة الأنسنة في الفكر العربي" من خلال ابن مسكويه (932-1030م) وأبي حيان التوحيدي (922-1023م)، هي رسالة الدكتوراه لأركون في جامعة السوربون. وكذلك كتابه "معارك من أجل الأنسنة في السياقات الإسلامية".
-2-
من هنا، كان على تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية للعام 2009 الذي نُشر في بيروت في الشهر الماضي في 21/7/2009 ، وجاء تحت عنوان "تحديات أمن الإنسان في البلدان العربية"، أن يجعل جُلَّ اهتمامه منصباً على الإنسان، وحياته، وحريته، وكرامته. فالإنسان العربي الآن هو من أقل بشر الأرض نيلاً لحقوقه في المواطنة. وهو أقل بشر الأرض تمتعاً بالحرية على كافة المستويات. ومن أجل هذه الحقائق، كان التركيز على تنمية الإنسان، في تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية العربية لهذا العام، الذي كتبه حوالي تسعون مثقفاً وأكاديمياً من دول عربية عدّة، بطلب من "برنامج الأمم المتحدة للتنمية". واستغرق إعداده حوالي سنتين من البحث والدراسة، وكان منصباً على ضرورة حثِّ الأنظمة العربية على بذل المزيد من الجهد والعناية بحقوق الإنسان العربي.
فقد حمَّل هذا التقرير الحكومات العربية، مسؤولية إعاقة النموّ، وحدّد موضوع حقوق الإنسان كمعوّق أساسي للتنمية. وقال التقرير، أن "الأمن شرط أساسي للتنمية البشرية، وغياب الأمن المستشري في الدول العربية أعاق تطورها". وكان هذا الاهتمام بالتنمية البشرية انطلاقاً من أهداف تقرير التنمية العربية الأول، عام 2002 حول الأمن البشري، وكذلك انطلاقا من الإطار الذي وضعه "تقرير التنمية البشرية" للعام 1994 حول أمن الإنسان. وقال التقرير المذكور، أن جوانب القصور التي حددت معالمها التحليلات الواردة في تقرير التنمية الإنسانية العربية الأول، ربما تكون بعد مرور سبع سنوات على إصداره، قد ازدادت عمقاً.
-3-
يبني التقرير للعام 2009 المكوّن من 288 صفحة فرضيته على أنه "لا يمكن الاعتماد على أية مؤشرات للأمن البشري" أو الوثوق بها بدون استطلاعات رأي على المستويات الإقليمية والمحلية. ويُعرِّف التقرير الأمن البشري بأنه "تحرير الإنسان من كل التهديدات الحادة والمتواصلة والمستمرة والشاملة التي تجعل حياته وحريته في خطر". وأن أمن الإنسان العربي لا يتهدد فقط بالنزاع والاضطرابات، بل بالتدهور البيئي، والتمييز، والبطالة، والفقر، والجوع.
ولم يُغفل التقرير الانتهاكات الواسعة الانتشار لحقوق الإنسان في الدول العربية، خصوصاً فيما يتعلق بالنساء والشباب.
واقترح التقرير عدة حلول لتحسين أنسنة الإنسان، من بينها دعوة الأنظمة العربية إلى تغيير القوانين والأعراف الاجتماعية التي توجَّه ضدّ النساء. وأشار التقرير كذلك، إلى الاتّجار بالبشر المُقدَّر ببلايين الدولارات، الذي تتورط فيه بعض الدول العربية بنسب متفاوتة، وعلى مستويات مختلفة. ومن المعروف أن معظم حالات الاتجار بالبشر تحصل لأهداف الاستغلال الجنسي، والعمالة الإجبارية. كما ركَّز التقرير على حقيقة أن حالة عدم الأمن والاستقرار التي تسيطر على معظم أنحاء العالم العربي، سببها بالدرجة الأولى، غياب التعددية السياسية، في معظم أنحاء العالم العربي. ونشر التقرير لائحة من ستة دول عربية فيها حالة طوارئ مُعلنة خلال عام 2008، وحيث يوجد "منع صريح لتشكيل أحزاب سياسية، في حين أن القيود على النشاطات السياسية والجمعيات المدنية في دول أخرى ترقى إلى مصاف المنع بحدّ ذاتها. وتضمّ اللائحة الدول التالية: الجزائر (منذ 1992)، ومصر (منذ 1981)، وسوريا (منذ 1963) والسودان (منذ 2008)، والعراق (منذ 2004)، والأراضي الفلسطينية (منذ 2007) وإقليم دارفور في السودان (منذ 2005). وقال التقرير، إن معظم الدول العربية تفرض حالات الطواريء كحجة لتعليق الحقوق الأساسية للإنسان، وتخليص الحكام من القيود الدستورية، ومنح الأجهزة الأمنية صلاحيات مطلقة.