الكلدانيّـون يحـتفـلون بـ أكيتو 7311 ومؤتمر النهضة الكلدانية 2011 في آنٍ واحد
الإنسان ، حـياة ونشاط تـتعـدّد فـيها المنعـطفات لتـصبح مناسبات ، يعـتـز بها كـذكـريات ، تـخـلـِّـده ويخـلـِّـدها في القادم من الأيام والسنوات ، يطبع بصماته عـليها فـيفـتخـر بها ، أو تـترك آثارها عـنده فلا ينساها ، وفي الحالتين هـو محـورها . لا شـك أنّ مصائب الحـياة تـفاجـئـنا بأقـدارها دون إنـتـظارها منا ، فـتـؤلمنا وتـسلبنا متعـتـنا وتـنغـص عـيشـنا ، ولكن الخالق وهـبنا قابلية فـريدة فـعـوَّضنا ، بمسرّات وأفـراح نحـن نخـطط لها وعـلى الملإ نوجـدها فـتــُـفـرِحُـنا ، فـكانت مناسبات زواجـنا وأعـياد ميلاد أولادنا وعِـماذات أطفالنا ، ثم أيام إستـقلال أوطانـنا وإكـرام أمهاتـنا وأساتـذتـنا ، وإستـقبال أحـبائـنا ، كل ذلك من إبتكاراتـنا كي نخـلق أفـراحاً لقـلوبنا فـتبتهج نـفـوسُـنا .يحـبُّ الإنسان التجـمّعَ والإلـفة والمشاركة مع بني البشر جـنسه ، فهو إجـتماعي بطبعه يكـرّس حـياته من أجـل ذاته والآخـرين معه ، فالحـياة الفـردية في ملكـوتٍ بعـيد عن الجـموع مكروهة مثلما الحـياة الوحـدانية في الجـنة بدون الآخـرين منبوذة ، وهـكـذا لن يكـتمل فـرحٌ عـنـد الجموع إذا حُـرِم فـرد أو أشخاص منه . إن هـذه المبادىء تبلورت عـند الإنسان بفعـل الفـطرة والغـريـزة ، فـقادته إلى خـلق فـرص للإستـمتاع بالحـياة بمشاركة آخـرين لإضفاء معـنى أو بُـعـد آخـر لها . وبتـطـوّر الإنسان ظهرَ عـنده إعـجابه بالطبـيعة ، وصار يُـنـسبها إلى قـوى مجهولة وآلهة مخـفـية مهيـبة فـصار يحـترمها ويهابها فـخـصّص أياماً لتـكـريمها ، ثم كانت له نشاطاته الموسمية او السنوية يتـخـذ منها سبـباً لحـشد الجـموع من أجـل إنشاء طـقـوس أو مراسيم يحـتـفل بها فـيُـبدع فـيها كموسم جـني التمر من أشجار النخـيل أو موسم جـزّ الصوف أو الحـصاد ، فـيستعـرض قابلياته العـقـلية والفـنية والمهارات الجسمية من صلوات وقـراءات وغـناء ورقـص وألعاب وأية نشاطات متـنـوعة أخـرى .
وهـكـذا كان الكـلـدان منذ بدء الزمان في بـيث نهرين العـراق يهـتمون بحـياتهم ونشاطاتهم ، وبسبب إلمامهم بقـوانين الطبيعة والزمن وعلم الفـلك ، فـقـد كانوا سباقـين في تحـديد موعـد أو يوم يُـعـتبر بداية لكل عام فـيحـتـفـلون به إيذاناً بـبـدء السنة الجـديدة ، بالإضافة إلى ضرورة تـنـظيم شؤونهم السنوية الدورية . فـإتـخـذوا الأول من نيسان من كل عام ذكـرى لجـزّ الصوف وإعـتبروه عـيداً لبداية أو رأس السنة البابلية الذي تــُـوِّج في بابل أولاً وسمي أكـيتـو .
إنّ الكـلـدان اليوم يُـحـيون هـذا العـيد ليس بهـدف إعادة أمجاد الإمبراطورية الكـلـدانية آخـر أنـظمة الحـكم الوطني الأصيل في بـيث نهـرين العـراق في العـهـد القـديم ، ولا لكي يرجعـوا إلى الوثـنية أو إلى الإله مردوخ أو إعادة بناء برج بابل ولا إلى أيّ شيء من هـذا القـبـيل ، وإنما هـو من أجـل التـذكـير بحـيوية ونشاطات أجـدادنا الكـلدان محـفـزاً لنا لإستـنهاض الحـس القـومي لدى شـعـبنا الكـلـداني اليوم ، حـفاظاً على هـويتـنا الكـلـدانية وتـثبـيتها في ضميره إعـتـزازاً بها وعـدم إنصهارها بـين تسميات دخـيلة من هـنا وهـناك . إن يوم 1 / نيسان / 2011 هـو يوم أكـيتـو للسنة البابلية 7311 ، وفي هـذا اليوم نـفـسه سيـكـون ( مؤتمر النهـضة الكـلـدانية المزمع عـقـده في سان سانديـيـغـو / كاليفـورنيا ) في أوجّه جـلساته حـيث ستـلتـئم فـيه تـنـظيماتـنا الكـلدانية ذات الأصالة القـومية ، تلك التي لا تــُساير تـقـلـّـب الأمواج الموسمية ولا تـنجـرف وراء المصالح الشخـصية ولا تـؤدي الأدوار المسرحـية الكارتونية ، ثم لا تـرتـضي لنـفـسها أن تـكـون جـزءاً من الأجـزاء الجـزئية ، بل الكـلدان ينـتـمون إلى السلطة العـراقـية المركـزية وليس إلى المواقع الشرقـية أو الشمالية أو الجـنوبـية ، ولا إلى المذاهـب السنية والشيعـية ، وبذلك يثـبتـون بأنهم ينـتمون إلى الجـماهـير العـراقـية ، مثلما كانوا إبّان عـهد الإمبراطورية العـثمانية والحـكومة الملكـية ومخـتـلف رؤساء حـكومات الجـمهـورية العـراقـية .
إن الشريحة الكـلـدانية ومعـنا إخـوانـنا الآثوريّـين أبناء شعـبنا مدعـوّون إلى التـذكـير بعـظـَـمة بـيث نهـرين وحـضارته البابلية وعـيد رأس السنة الكـلـدانية التي يحـتـفل بها أبناء شعـبنا الآثوري أيضاً ، إنه عـيد الجـميع يجـمعـنا سوية في وقـت نـحن بأمسّ الحاجة إلى تـوحـيد الصفـوف كما يراها الأصلاء النجـباء وليس كما يريدها الغـرباء ، ولتـوضيح مقـصدنا أقـول : في يوم المحـن لا نستـنـجـد بالغـرباء بل بالإخـوان ، وفي يوم سمّيل لم يستـنـجـد إخـوانـنا بالأجانب بل بنا نحـن الأشقاء الأقارب ، أيـكـون ذلك عـبرة لأصحاب التجارب ؟
مايكل سـيـﭙـي / سـدني
المصادر : الكـلـدان ... منـذ بدء الزمان - للباحـث عامر حـنا فـتـوحي