المالكي يقول أنه وقع المعاهدة تحت تهديد بإسقاطه!
19 مايس 2011في مؤتمره الصحفي في 11 مايس الجاري،(1) والذي نقل تلفزيونياً بشكل مباشر، قال السيد نوري المالكي كلاماً لم يتم الإنتباه لما كشفه من أمور شديدة الخطورة، قال:
"أما قضية التمديد والإنسحاب، نعم هذه تقدرها الحكومة. ولكن هنا كما قلت في المرة السابقة يوم عقدنا إتفاقية سحب القوات، كان عدنا أيضاً مجلس وطني، اللي صارإسمه مجلس السياسات، كان سابقاً رئيسه السيد رئيس الجمهورية.
قلت لهم هذه قضية وطنية كبرى لا أريد أن أتحمل مسؤوليتها أنا. المجلس الوطني، طرحت عليهم القضية وكانت الإتفاقية في النسخة الأولى مالتها، اللي أنا وقتها قلت "أقطع إيدي إذا أوقع مثل هكذا إتفاقية".
جلستين مجلس الأمن الوطني يناقش، خلص إلى نتيجة، الذين يطالبون بالشراكة ، والذين يحاسبون رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة إذا ينقل آمر فوج، وهي مسؤوليته، إذا يغلق مطار بناء على معلومات خطيرة إجتنا إذا تتذكرون مرة على أنه أكو طائرة مختطفة وقد تضرب الإمام علي عليه السلام، يعترضون علي شلون تعمل هذا ما تخبّرنا.." (حوالي الدقيقة 47 من الخطاب).
إنتهى الجزء الأول من اقتباس خطاب رئيس الوزراء.
خطاب رئيس الوزراء هذا كشف بشكل كبير ما يدور في الخفاء، وكيف يتعامل الساسة العراقيون مع بعضهم البعض بعيداً عن انظار الصحافة، وما هو مستوى الثقة بينهم، وأن التآمر هو الصفة السائدة بين الكتل وليس "التشارك"، الذي لا اتصور أن عراقياً يصدقه.
فيما عدا بعض الشرفاء، فالصورة بشكل عام لمجموعة من الأشخاص تهرب من المسؤولية في لحظة المسؤولية، فلماذا جاءوا إلى الحكم إذن؟ لا يبقى عندي تفسير لذلك سوى الرواتب والمنافع الضخمة، وما يستلمه العملاء منهم من أسيادهم لقاء تمرير أجندات تخدم الأسياد ولا تخدم العراق. وهو ما يجعل بناء وحدة "شراكة" وطنية، لا يعني إلا أن تقدم للعراق حكومة مشلولة، توافقت الأطراف المختلفة عليها رغم اختلاف مواقفها وآرائها وعدم وجود أية أجندة مشتركة بينها، وعدم الثقة بينها وتضارب مصالحها بشدة إلى حد التآمر والخوف كل من الآخر. حكومة لا يمكن ان تتفق على شيء يمكن أن يبني البلاد. بهذا الوصف فأن تشكيل حكومة الشراكة يعتبر جريمة بحق الشعب العراقي من جميع من سعى إليها، وبخاصة من ضغط من أجلها!
لكن هذا ليس سوى المقدمة لما هو أخطر وأدعى للقلق الشديد، إستمر المالكي:
"...فلما خبرتهم على قضية الإتفاقية، قالوا هذي مسؤولية الحكومة! لأنه قالوا إن وقعها وطلعت خطأ، سقط. وإن لم يوقعها سقط.. آني هذا المنطق ما اريده.... "
الجملة الثانية تشير إلى أن رئيس الوزراء، كان يعتقد لحظة توقيع المعاهدة مع أميركا عام 2008، أنه "إن لم يوقعها سيسقط!" ومن المحتمل تماماً، ان تقديره لما يفكر به بعض، إن لم يكن جميع، بقية شركائه في الحكم ، بأن رئيس الوزراء "إن لم يوقع الإتفاقية فسوف يسقط".
لاحظوا أننا أمام حكومة تجد نفسها أمام توقيع اتفاقية مع دولة أجنبية، وان لهذه الدولة الأجنبية القدرة على إسقاط الحكومة إن لم ترضخ الحكومة وتوقع! إنه أقرب إلى توقيع وثيقة استسلام منها إلى "إتفاقية".
إضافة إلى ذلك فأن جميع أطراف هذه الحكومة تعي ذلك الأمر الخطير، ورغم ذلك لا يبادر أحد منها إلى محاولة إصلاح الوضع، كأن يقترح تخليص الحكومة من قبضة تلك الجهة باللجوء إلى الإستفتاء مثلاً، أو أن تجتمع أطراف تلك "الحكومة" مع بعضها للتخلص من هذا الوضع الخطير وتخليص البلاد من نتائجه، أو أن يلجأ إلى فضح الوضع الخطير في الصحافة لتفهم الناس ما يجري من مؤامرة للضغط على حكومتها وممثليها المنتخبين، لكنهم بدلاً من ذلك يحاول كل منهم تجيير هذا المأزق الوطني لصالحه، في صراعه مع الطرف الآخر، ولتذهب البلاد إلى الجحيم!
ويبدو أن المالكي وجد نفسه تحت المطرقة، فاختار ان يوقع في النهاية، بعد إجراء بعض التعديلات، فقد كان يرى الموقف الذي وضعه فيه زملاؤه في الحكومة والبرلمان، حسب كلامه، أن - لا مفر من سقوط الحكومة إن لم يوقع! فهو يقول (ناقلاً رأي زملائه): " إن وقعها وطلعت خطأ، سقط. وإن لم يوقعها سقط."
أي أنه في حالة عدم التوقيع فالسقوط حتمي، وليس مثل حالة التوقيع، حيث هناك احتمال أن "تطلع خطأ" أو صح!
الآن نحن بصدد "مناقشة" لتوقيع "إتفاقية" جديدة، من نفس النوع، ومع نفس الإحتلال. رئيس الحكومة نوري المالكي وأعضاء حكومته والناطق الرسمي قالوا وكرروا أنهم ضد توقيع أي تمديد لأي جندي أمريكي في البلاد، وفجأة تتغير اللهجة، وتصبح هناك "أفكار" وضرورات للمناقشة وسؤال العسكر وغيرها، فما الذي تغير خلال أسابيع قليلة؟ وكيف تحول الجيش الكافي لحمايةالبلاد بكل ثقة، بل الجيش المتزايد فوق الحاجة إليه، إلى غير قادر على الدفاع عن البلاد أمام أخطار وهمية لا يكلف أحد نفسه بالحديث عنها، خاصة بعد أن أصبح وزير الدفاع العراقي مسخرة حين تحدث عن أخطار القراصنة الصوماليين، ولم يعد أصحاب "الفصل السابع" يجرؤون على ذكره؟ ما هي الأخطار الجديدة التي استجدت خلال أسبوعين أو ثلاثة لتقلب موقف الحكومة من الرفض القاطع الواثق، إلى ترك الأبواب مفتوحة لكل الإحتمالات؟ هل كان وجود بن لادن يضعف الإرهاب ، فازداد قوة بعد مقتله؟ هل انخفضت قوة الجيش فجأة؟ وكيف نفسر ازدياد التفجيرات والفضائح الصادقة والإشاعات الكاذبة والإشكالات مع "رفاق" الداخل في الحكومة والتوتر والحصار مع دول الجوار المرتبطة بأميركا، كلما لاحت بوادر الإتجاه إلى قرار لا يناسب ما يريده الأمريكان؟
لقد وقع رئيس الوزراء العراقي المعاهدة السابقة، عن قناعة أو غير قناعة، إنما فعل ذلك بالتأكيد، وهو يشعر بالتهديد بالإسقاط كما يقول. والآن تتكرر نفس الأجواء السياسية والأمنية المتوترة التي رافقت ذلك التوقيع سيء الذكر، ولا يستبعد أبداً أن المالكي سيعود بعد بضعة سنين ليخبرنا قصة مشابهة لما تحدث به اليوم عن الحالة التي وقع بها الإتفاقية المشؤومة. وسواء كنا نلومه على التوقيع، ونطالبه بالمخاطرة وكشف الحقائق أمام الشعب في وقتها وليس بعد انقضاء الأمر، أم كنا نتفهم ولا نطالب أحد أن يكون بطلاً ما لم يكن من نفسه، سواء كنا نثق بالمالكي أو لا نثق به، فمن واجب الشعب إن أراد الدفاع عن مصالحه ومصالح بلاده، أن يحرص على أن يختار ممثلوه قراراتهم بلا ضغط من أية جهة غير الشعب نفسه، وبالتأكيد أن لا يسمح الشعب أن يوضع ممثلوه في ظرف يحتم عليهم القيام بخياراتهم الخطيرة للبلاد، وهم يشعرون بحد السكين على رقابهم. من يتغاضى عن ذلك، ويترك حكومته تحت رحمة الضغط والتهديد في قراراتها، يفرش طريق الفساد والعملاء وعديمي الضمائر لحكم مستقبل بلاده، ويفقد حقه في المطالبة بأي شيء، او الإحتجاج على أي شيء مستقبلاً. "من لديه كلام فليقله الآن، او ليصمت إلى الأبد".
(1) http://www.qanon302.net/vb/showthread.php?t=5061