المساواة بين الرجل والمرأة
المقدمة :وقال الله : لنصنع الانسان على صورتنا كشبهنا، فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الأرض، وعلى جميع الدبابات التي تدب على الأرض. فخلق الله الانسان على صورته. على صورة الله خلقه، ذكراً وانثى خلقهم. وباركهم وقال لهم : " اثمروا واكثروا واملأوا الأرض واخضعوها وتسلطوا على سمك ابحر وعلى طيور السماء، وعلى كل حيوان يدب على الأرض " ( تكوين 1 : 26 _ 28).
فإذا ربطنا معاً التصميم الإلهي ( نعمل الانسان ... وليتسلطوا ) والخلق الالهي ( فخلق الله ... ) والبركة الالهية ( اثمروا واملأوا الأرض واخضعوها )، اتضح لنا أن التأكيد يتركز على ثلاث حقائق اساسية تتعلق ببني البشر، أي ان الله خلقهم ( ويخلقهم ) على صورته، وأنه خلقهم ( ويخلقهم ) ذكراً وأنثى، وأعطاهم مهمة التكاثر المفرحة، وأنه أعطاهم ( ويعطيهم ) السلطان على الأرض ومخلوقاتها. وهكذا ومنذ البداية كان ( الانسان ) ذكراً وانثى، وكان الرجال والنساء معاً مستفيدين من الصورة الالهية ومن الحكم الأرضي. فلا يوجد في النص ما يوحي بأن أيا من الجنسين يشبه الله أكثر من الآخر، أو أيا من الجنسين مسؤول على الأرض أكثر من الآخر. فشبههما بالله ووكالتهما على الأرض، كانا منذ البداية مُقتسمين بالتساوي لأن كلا الجنسين خلقا من قبل الله وعلى صورة الله.
علاوة على هذا، إن التأكيد الثلاثي على قيام الله بعملية الخلق في الآية ( 27 ) ليست مجرد تطابق شعري. فهناك بالتأكيد تشديد متعمد مطلوب منا أن ندركه. فالنص يؤكد مرتين على أن الله خلق الإنسان على صورته، وفي المرة الثالثة تستبد الإشارة إلى الصورة الإلهية بالكلمات " ذكراً وأنثى " وينبغي أن تحرص على ألا تخمن أكثر مما يسوغ لنا النص. غير أنه إذا كان الجنسان كلاهما يحملان صورة الله ( كما هو مؤكد بشدة )، فإن هذا يشمل على ما يبدو، ليس إنسانيتنا فقط ( الإنسانية الأصلية التي تعكس الألوهية ) بل تعدديتنا ( علاقتنا الحبية التي تعكس تلك العلاقات التي توحد أقانيم الثالوث ) وحتى جنسانيتنا Sexuality أيضاً بمعناه الأوسع على الأقل.
قصة الخلق :
إذا عدنا إلى قصة الخلق يتضح منذ الأصحاح الأول في الكتاب المقدس وما يليه أن المساواة الأساسية بين الجنسين أمر مؤكد، فكل ما هو إنساني بصورة اساسية في الذكر والأنثى كليهما يعكس صورة الصورة الإلهية التي تحملها جميعنا على قدم المساواة. ونحن بالتساوي مدعوون لنتسلط على الأرض ولنتعاون مع الله الخالق في تطوير خيراتها للصالح العام.
إلا أن هذه المساواة الجنسية البدائية قد تشوهت بسبب السقوط. كان جزءاً من دينونة الله على جدّينا العاصين ما قاله الله للمرأة : " إلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك " وهكذا يختبر الجنسان قدراً من العزلة أحدهما عن الآخر. فبدلاً من مساوة أحدهما بالآخر ومن التكامل بينهما، سيكون هناك حكم الواحد للآخر.
ان عناية الله تعمدت بلا شك اعطانا قصتين متميزيتين للخلق :
فتكوين ( 2 ) يتمم ويثري تكوين ( 1 ) .
وقال الرب الإله: " ليس جيداً أن يكون آدم وحده. فأصنع له معيناً نظيره ".
" وجبل الرب الإله من الأرض كل حيوانات البرية وكل طيور السماء. فأحضرها إلى آدم ليرى ماذا يدعوها. وكل ما دعا به آدم ذات نفس حية فهو أسمها. فدعا آدم بأسماء جميع البهائم وطيور السماء وجميع حيوانات البرية ".
" وأما لنفسه لم يجد معيناً نظيره فأوقع الرب الإله سباتاً على آدم فنام. فأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحماً. وبنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة. وأحضرها إلى آدم " ( تك 2 : 18 – 22 ).
تعلن هذه القصة الثانية للخلق أن الله خلق الذكر والأنثى متساويين، لكنه مع ذلك خلقهما أيضاً مختلفين. لأن تكوين ( 1 ) يبين أن الذكورة والأنوثة مرتبطتان بصورة الله، بينما يوضح تكوين( 2 ) أنهما مرتبطتان الواحدة بالأخرى، فحواء أخذت من آدم وأحضرت إليه. إن تكوين ( 1 ) يعلن المساواة بين الجنسين. ويوضح تكوين ( 2 ) أن المساواة لا تعني ( التماثل ) بل ( التكامل ). إننا نجد صعوبة في فهم هذه الفكرة المزدوجة ( متساويان لكن مختلفان ).
بما أن الرجال والنساء متساوون ( بالخليقة وفي المسيح )، فليس هناك مجال لأن يكون أي فريق منهما أدنى مرتبة من الآخر. ولكن بما انهما متتامان فلا مجال لتماثل أي فريق منهما مع الآخر. علاوة على ذلك فإن هذه الخليقة المزدوجة تلقي الضوء على علاقات الذكر والأنثى وأدوارهما. وبما أن الرجل والمرأة خلقا من قبل الله بكرامة متساوية، فيجب على الرجال والنساء أن يحبوا ويحترموا بعضهم بعضاً ولا يحتقروا بعضهم بعضاً. وبما أن الرجل والمرأة خلقا متتامين فينبغي أن يقر الرجال والنساء بالفروق بينهم ولا يحاولوا حذفها أو أن يغتصب فريق منهما مميزات الفريق الآخر. لان عملية خلق حواء التي جاءت في سفر التكوين تبين لنا انها خُلقت ( لا من رأس الرجل لتسود عليه، ولا من قدمه لكي يدوسها الرجل، بل من جنبه لتكون مساوية له ومن تحت ذراعه ليحميها ومن قرب قلبه ليحبها ).
ان الأصحاح الأول من سفر التكوين يعلم عن المساواة الجنسية بين الرجل والمرأة والأصحاح الثاني يعلم عن التكامل الجنسي. إلا أن الرسول بولس يضيف إليهما ( الرئاسة ) للرجل. فهو يكتب قائلاً : " إن الرجل رأس المرأة " ( افسس 5 : 23 )، وبصورة أكثر تعميماً " أن رأس كل رجل هو المسيح وأما رأس المرأة فهو الرجل ورأس المسيح هو الله" ( 1 كورنثوس 11 : 3 ).
فان ( تكوين 2 : 24 ) يتضمن أن الزواج مقصور على شخصين ( رجل .. وامرأته ) ويُعترف به بصورة جمهورية ( يترك أبويه ) ودائم ( يلتصق بامرأته ) ويكتمل بالاتصال الجنسي ( ويكونان جسداً واحداً ). فيمكن أن يكون التعريف الكتابي للزواج هو : ( الزواج ميثاق قاصر على اثنين ( مختلفي الجنس ) رجل واحد وامرأة واحدة يرسم ويختم من قبل الله، مسبوق بترك علني للأبوين، ويكمل بالاتحاد الجنسي، وينتج عنه مشاركة متساندة متبادلة تكلل عادة بهبة الأولاد ). فالزواج من حيث المبدأ اتحاد لمدى الحياة وهو اساساً غير قابل للفك أو الانفصال. أي ان الطلاق هو نقض للميثاق والعهد بين الرجل والمرأة.
رأينا أن العناية الإلهية قد أعطتنا قصتين للخلق متميزتين
الأولى ( تكوين 1 ) عامة، تؤكد التساوي بين الجنسين، لانهما مشتركان في صورة الله وفي الوكالة على الأرض. والثانية ( تكوين 2 ) خاصة، تؤكد التكامل بين الجنسين، والتي تؤلف اساس الزواج المتخالف ( اي بين ذكر وأنثى )، وفي هذه الرواية الثانية عن الخلق تبرز ثلاث حقائق اساسية.
أولاً : الحاجة البشرية إلى الرفقة، " ليس جيداً أن يكون آدم وحده " ( تك 2 : 18 ). ان الله خلقنا كائنات اجتماعية، وبما أنه هو محبة وقد خلقنا على شبهه، قد أعطانا القدرة على أن نُحِب ونُحَب. وقد قصد أن نعيش في جماعة لا أن نعيش منفردين. وتابع الله قوله " ساصنع له معيناً نظيره " أي بمعنى ملائماً له. علاوة على ذلك فإن هذا ( المعين ) أو الرفيق الذي قال عنه الله أنه ( مناسباً له ) كان مقرراً له. أن يصبح رفيقه الجنسي الذي سيصير معه ( جسداً واحداً )، وبذلك يمكن أن يكملا محبتهما وينجبا أولادهما.
ثانياً : يعلن ( تكوين 2 ) التدبير الإلهي لسد هذه الحاجة البشرية. فبعد أن أكد الله حاجة آدم إلى شريك، بدأ البحث عن شريك مناسب. استعرض الله أمامه أولاً الطيور والبهائم، وشرع آدم في تسميتها إشارة إلى إدخالها في خدمته. لكن الآية 20 " لنفسه لم يجد معيناً نظيره " يستطيع أن يعيش معه أو مقابله، ويستطيع أن يكون متمماً له ونظيراً ورفيقاً، هذا إذ لم نذكر أنه يستطيع أن يكون قرينه، وهكذا كان من الضروري أن يقوم بعملية خلق خاصة.
إن النقاش حول مدى الحرفية التي قُصد أن نفهم بها ما تبع ذلك ( العملية الجراحية الإلهية تحت تأثير المخدر الإلهي ) ينبغي ألا يمنعنا من إدراك المسألة، فثمة شيء ما حدث خلال سبات آدم. لقد جرت عملية خلق إلهي خاصة، واصبح الجنسان متميزين. فانطلاقا من إنسانية آدم غير المتمايزة ظهر إلى الوجود ذكر وأنثى. واستيقظ آدم من سباته ليرى أمامه انعكاساً لذاته، ومتمماً له، وبالحقيقة جزءاً من ذاته نفسها. وبعد أن خلق الله المرأة من آدم أحضرها إليه، وهذا ما يشبه كثيراً قيام والد العروس بتسليمها. وانطلق آدم تلقائياً منشداً أول قصيدة حب في التاريخ ( عظم من عظامي، ولحم من لحمي. هذه تدعى ( امرأة ) لأنها من إمريء أخذت ).
لا مجال للشك في النقطة التي تشدد عليها هذه القصة.
فبحسب ( تكوين 1 ) خلقت حواء كآدم على صورة الله. وأما من حيث كيفية خلقها بحسب ( تكوين 2 ) فهي لم تخلق من لا شيء ( كالكون ) ولا من ( تراب الأرض ) كآدم. بل خلقت من آدم.
أما الحقيقة العظيمة في ( تكوين 2 ) فتتعلق بتأسيس الزواج الذي ينتج عن ذلك. إن قصيدة الحب التي نظمها آدم مسجلة في الأية 23. أما كلمة ( لذلك ) في الآية 24 فهي استنتاج الراوي : " لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته، ويكونان جسداً واحداً ".
إن الإشارات الثلاث إلى ( جسد ) : هذه لحم ( جسد ) من لحمي ( جسدي ) .. ويكونان جسداً واحداً، لا بد أن تؤثر حتى في نفس القاريء الغافل. ويمكن أن نكون واثقين أن هذا أمر عمدي لا عرضي. فهو يعلم أن الاتصال الجنسي بين الذكر والأنثى في الزواج هو أكثر من اتحاد. إنه نوع من عودة الالتئام. إنه ليس اتحاداً بين شخصين غريبين، لا ينتمي أي منهما إلى الآخر، ولا يستطيعان أن يصبحا جسداً واحداً بطريقة ملائمة. بل هو، بالعكس، اتحاد بين شخصين كانا في الأصل واحداً ثم انفصلا عن بعضهما. والآن، أثناء اللقاء الجنسي الذي يتضمنه الزواج يجتمعان ثانية.
فهذا بالتأكيد ما يفسر السر العميق للألفة بين الذكر والأنثى التي اشاد بها الشعراء والفلاسفة من كل ثقافة. إن الجماع بين الذكر والأنثى هو أكثر من اتحاد بين جسدين إنه خلط بين شخصين متتامين يمكن أن تختبر بواسطته من جديد، في وسط العزلة السائدة، وحدة الكائن البشري المخلوقة الغنية. وليس تكامل العضو الجنسي الذكري والعضو الجنسي الأنثوي سوى رمز على المستوى الجسدي لتكامل ووحي أكثر عمقاً.
إلا أنه، لكي يصير الأثنان جسداً واحداً ويختبرا هذا السر المقدس، لا بد من بعض التمهيدات، التي يتكون منها الزواج ( لذلك ) الآية 24 .
( رجل ) صيغة المفرد تشير إلى أن الزواج هو اتحاد قاصر على فردين.
( ويترك أباه وأمه ) فهناك مناسبة اجتماعية علنية ومنظورة.
( ويلتصق بامرأته ) فالزواج التزام حب وثيق أو عهد دائم بين شخصين مختلفي الجنس.
( ويكونان جسداً واحداً ) يجب أن يتمم الزواج بالجماع الذي هو علامة على عهد الزواج وختم له، وهذا العهد لم يلقِ عليه بعد أي ظل من الخجل أو الارتباك.
وقد صادق بسوع المسيح نفسه على هذا التعليم، واقتبس من سفر التكوين، وصرح أن مثل هذا الاتحاد لمدى الحياة بين رجل وزوجته هو ما قصده الله منذ البداية وأضاف " ما جمعه الله لا يفرقه إنسان " ( مرقس 10 : 4 _ 9 ).
الخاتمة :
وهكذا فإن الكتاب المقدس يحدد الزواج الذي اسسه الله بأنه عبارة عن زواج أحادي بين شخصين متغايري الجنس، فهو اتحاد بين رجل واحد وامرأة واحدة، ويجب الإقرار به علناً ( ترك الوالدين )، وابرامه بصورة دائمة ( يلتصق بامرأته )، واتمامه جسدياً ( جسد واحد )، ولا يصور لنا الكتاب المقدس نوعاً آخر من الزواج أو الاتصال الجنسي، لأن الله لم يهيء اي بديل.
وبالاختصار إن الخبرة الوحيدة، خبرة ( الجسد الواحد )، التي قصدها الله والتي تتمشى مع الكتاب المقدس هي الاتحاد الجنسي بين الرجل وزوجته التي يقر بأنها " لحم من لحمه ".
الراهب اشور ياقو البازي
العراق