Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

النص الكامل لخطاب وزيرة الخارجية كلينتون حول التنمية في القرن الـ21

11/01/2010

شبكة اخبار نركال/NNN/
فيما يلي نص الخطاب الكامل لوزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون، الذي القته في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي بواشنطن ، حول التنمية في القرن الـ21 :

الوزيرة كلينتون: أشكركم شكرا جزيلا. إنني في غاية السرور لوجودي هنا اليوم لأرى وجوها مألوفة كثيرة، للزملاء والأصدقاء وقادة التنمية، وإنني أسعد بصفة خاصة لوجودي هنا في مركز العالم للتنمية. وأود توجيه الشكر إلى نانسي على تقديمها اللطيف وعلى كل شيء فعلته مع المنظمة ومن أجل التنمية بصفة عامة. وأود توجيه الشكر إلى معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، وبالطبع إلى فريد- فقد علمت أن فريد كان أحد المؤسسين للمعهد- وإلى إد سكوت وإلى الآخرين الذين جعلوا من التنمية وسياسة التنمية قضية مركزية في حياتهم وحياة أمتنا.

لقد كنت أود توجيه هذا الخطاب منذ شهور مضت، ولكنني تصورت أنه من الأفضل التريث إلى حين أن يثبت في المنصب المدير الجديد للوكالة الأميركية للتنمية الدولية. وإننا سعدنا جدا بأن هذا اليوم قد تحقق. إنه الدكتور راج شاه، الذي إن كان لم يقدر لكم الالتقاء به بعد، فإنني آمل أن يتحقق لكم ذلك. لقد طال الانتظار حتى تم العثور على الشخص المناسب، ولكن راج كان يستحق الأشهر التي أمضيناها في التفكير في أفضل السبل لبناء الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بحيث تصبح أكثر قوة. إنه يجلب معه إلى هذا المنصب المهم الرؤيا والحماس، والالتزام والخبرة. وهو سيكون، مثلما كان دائما، منضما إلى الطاولة أثناء اتخاذ القرارات الخاصة بالتنمية، وإن الأمل يحدوني في أنه ستكون بيننا علاقة عمل وثيقة.

وإنني أود الإعراب عن التقدير، لمن لم يلتقوا بعد بالرئيس الجديد لمؤسسة تحدي الألفية، دانيال يوهانس، الموجود هنا. وإننا سعدنا بأنه ترك مهنته كمسؤول كبير بالشركات التجارية التي كان يحقق فيها نجاحا كبيرا جدا. إنه من أصل إثيوبي هاجر إلى هذا البلد، وهو يمثل بحق نموذج الحلم الأميركي ولكنه يود رد الجميل. لذلك فإننا سعداء بأن دانيال قد انضم إلى هذه الحكومة أيضا.

وإنني أرى بين جمهور الحاضرين ألونزو فولغام، الذي أدى بطريقة رائعة مهام منصبه كقائم بأعمال مدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية خلال العام الماضي. إنني ممتنة بشدة لك يا ألونزو. ومعنا أيضا كبار أعضاء فريق من وزارة الخارجية. لقد كانت مهمة اتسمت بالمحبة، أن تكون التنمية في مقدمة ومحور الاهتمام بالنسبة لكل من جاك لويس، وكيل وزارة الخارجية لشؤون الموارد والإدارة الذي تولى مسؤولية محددة عن التنمية والمساعدات الخارجية؛ وآن ماري سلوتر التي ترأس عملية التخطيط السياسي؛ وماريا أوتيرو التي قدمت إلينا من عالم التنمية مع منظمة (أكسيون) الدولية، وأيضا بالنسبة لفريقنا الاقتصادي- بوب هورماتس وهوزيه فرنانديز- اللذين يعملان معنا في مشاريع لوزارة الخارجية الأميركية حول الشمول المالي. ولذلك فإننا لا نأمل في أن يكون هناك تنسيق بين وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية فحسب، وإنما بانتهاج أسلوب تشارك فيه الحكومة ككل.

وأود أن أبدأ اليوم بحكاية غالبا ما لا تُروى. إنها حكاية ما يمكن أن يجري في جميع أنحاء العالم حينما تجتمع المعرفة والتقنية الأميركية، والأموال الأميركية، والقيم الأميركية لتعمل مجتمعة من أجل المساعدة في إحداث تغيير في حياة الشعوب.

وإنني، مثل الكثيرين منكم، رأيت القوة التحويلية للتنمية. رأيت حماسة والتزام العاملين في مجال المساعدات الذين يكرسون حياتهم المهنية من أجل هذه المهمة الصعبة. لقد رأيت التنمية الأميركية وهي تحدث أثرها في قرى بإندونيسيا، حيث كانت الأمهات الجدد وأطفالهن المواليد يحصلون على الاستشارات الخاصة بالتغذية السليمة والرعاية الطبية عبر برنامج لتنظيم الأسرة تدعمه الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. ورأيتها في نيكاراغوا، حيث كانت النساء الفقيرات ينشئن مشروعات صغيرة في أحيائهن الصغيرة بمساعدة من مشروع تمويل المشروعات الصغيرة الذي تدعمه الولايات المتحدة. ورأيتها في الضفة الغربية، حيث كان التلاميذ يتعلمون اللغة الإنجليزية، ويتعرفون على الكثير عن أميركا من خلال برنامج يطبق تحت رعايتنا. ورأيتها في جنوب أفريقيا، حيث كانت مساعداتنا للتنمية، بفضل برنامج بيبفار( البرنامج الرئاسي لمكافحة الإيدز وفيروس إتش آي في)، تساعد في توفير الأدوية المضادة للفيروسات بالمناطق التي عصف بها الإهمال ومرض الإيدز وفيروس (إتش آي في).

ولكنني تجولت أيضا في بلدنا، وزرت مواقع مختلفة. واستمعت إلى مزارعين وعمال مصانع ومدرسين وممرضات وطلبة، وأمهات وآباء من الكادحين يتساءلون عن السبب الذي يدعو حكومتهم إلى إنفاق أموال دافعي الضرائب من أجل تحسين معيشة شعوب العالم النامي، بينما توجد مشاق كثيرة واحتياجات لم تلبّ هنا في الوطن. وهذا تساؤل معقول، وهو التساؤل الذي أود التعرض له اليوم: لماذا تعتبر التنمية في دول أخرى مهمة بالنسبة للشعب الأميركي وبالنسبة لأمن وازدهار أمتنا.

إن الولايات المتحدة تسعى من أجل أن يصبح العالم أكثر أمانا وازدهارا وديمقراطية ومساواة. ولا يمكننا أن نصل إلى هذا الهدف حينما يكون ثلث عدد البشر في العالم يعيشون في ظل ظروف لا تتيح لهم إلا فرصا محدودة جدا لحياة أفضل لأنفسهم ولأبنائهم. إننا لا نستطيع وقف الإرهاب أو دحر أيديولوجيات التطرف العنيف حينما يرى مئات الملايين من الشباب أن المستقبل لا يحمل لهم معه فرص العمل أو الأمل، ولا تتوفر لهم أي طريقة للحاق بالعالم المتقدم.

لا نستطيع أن نبني اقتصادا عالميا مستقرا حينما يجد مئات الملايين من العمال وعائلاتهم أنفسهم في الجانب الخطأ من العولمة، وقد سُدّت أمامهم الأسواق وأصبحت التكنولوجيا المتطورة بعيدة المنال بالنسبة لهم. ولا نستطيع الاعتماد على شركاء إقليميين لمساعدتنا على وقف النزاعات ومواجهة شبكات الجريمة العالمية، حينما تكون تلك الدول مستمرة في النضال من أجل تحقيق الاستقرار والأمن في مجتمعاتها. ولا نستطيع أن ندفع بالديمقراطية وحقوق الإنسان نحو الأمام حينما يهدد الجوع والفقر بتقويض الحكم الرشيد وسيادة القانون الضروريين لكي تصبح تلك الحقوق حقيقة واقعية.

ولا نستطيع وقف انتشار الأوبئة في العالم إلى أن تتوفر لبلايين البشر فرصة الحصول على الرعاية الصحية الأفضل، ولا نستطيع أن نواجه تغيرات المناخ أو شحّ الموارد إلا حينما تتوفر للبلايين من البشر فرصة الحصول على الطاقة الأكثر ملاءمة للمحافظة على البيئة، وإمكانية استمرار البقاء.

والآن، بعد أن كانت التنمية في يوم ما ضمن مجال تقديم المساعدات الإنسانية والأعمال الخيرية وكسب الحكومات للحلفاء في الصراعات العالمية، فإنها أصبحت اليوم حتمية استراتيجية واقتصادية وأخلاقية – وأهميتها المحورية تماثل أهمية الدبلوماسية والدفاع في دفع وحماية المصالح الأميركية وحل المشكلات العالمية.

ونظرا لأنه من غير الممكن الاستغناء عن التنمية، فإنها تتطلب انتهاج أسلوب جديد يتلاءم مع الزمن الذي نجد أنفسنا فيه. وقد ظل عملنا لفترة طويلة مشتتا بسبب النزاع والجدل. وأدت الاختلافات في الرأي حول كيفية السعي نحو التنمية وفي أية مواقع، إلى مواقف متصلبة مترسخة، تكاد أن تكون مقدسة، مما حال دون تقدمنا. وهذه المواقف المتصلبة ليست منصفة للخبراء الذين يضعون حياتهم في خطر من أجل أداء هذه المهمة الحيوية. وهي ليست منصفة لدافعي الضرائب الأميركيين الذين يود معظمهم فعل الخير في العالم، ما دامت الأموال تُستخدم بطريقة جيدة.

لذلك فقد آن الأوان لنزعة جديدة في التفكير تتلاءم مع القرن الجديد. وآن الأوان للتخلي عن الجدل القديم ولأن يحل المنطق الواضح والفهم المتعقل محل النزعات المتصلبة. وآن الأوان لكي تصبح التنمية في مرتبة أعلى كدعامة مركزية في كل ما نفعله في سياستنا الخارجية. وربما نكون قد تجاوزنا الأوان لإعادة بناء الوكالة الأميركية للتنمية الدولية لتكون الوكالة الرائدة للتنمية في العالم.

والآن، فإن التحديات التي نواجهها لا حصر لها. ولذا يجب علينا أن نحسن الاختيار ونضع الاستراتيجية في ما يتعلق بالمكان والكيفية التي نشارك بها. ولكن سواء كان الأمر متعلقا بتحسين الأوضاع الأمنية على المدى الطويل في مناطق مزقها النزاع مثل أفغانستان، أو بدفع مزيد من التقدم في دول في طريقها لكي تصبح عناصر استقرار إقليمية، مثل تنزانيا، فإننا نسعى لتحقيق التنمية للأسباب نفسها: لتحسين أحوال المعيشة، ومكافحة الفقر وتوسيع نطاق الحقوق والفرص المتاحة، وتعزيز المجتمعات، وتأمين المؤسسات الديمقراطية والحكم الرشيد، وتحسين الاستقرار العالمي، وتحسين أمننا الخاص، وإبراز قيمنا ودورنا القيادي في العالم.

إن النزعة الجديدة في التفكير تعني التزاما جديدا بتحقيق نتائج. إن التنمية عملية طويلة الأمد. والتغيير نادرا ما يحدث بين ليلة وضحاها. ولكي نظل متجهين نحو الاتجاه الصحيح، ينبغي أن نقيّم تقدمنا، وأن تكون لدينا الشجاعة لإعادة التفكير في استراتيجياتنا إذا قصّرنا. وينبغي ألا نحسب ما ننفق من أموال أو عدد البرامج التي نطبقها، وإنما ينبغي علينا قياس ما يتحقق من تغيير دائم، وما ساعدت تلك الأموال والبرامج في تحقيقه. ويجب علينا أن نشرك الجمهور في تقييم الأدلة على ما تحقق من تقدم. إن المعلمة بالمدرسة الابتدائية في ديترويت التي تحاول أن يستكمل أبناؤها تعليمهم الجامعي، ورجل الإطفاء في هيوستن الذي يكد من أجل إعالة أسرته، هم الذين يمولون ما نقوم به من عمل. ويحق لهم أن يعرفوا أننا حينما ننفق الأموال التي يدفعونها للضرائب، فإننا نحقق نتائج.

كما يجب علينا أن نكون أمناء وصريحين في أننا في بعض المواقف سننفق في مناطق مهمة من الناحية الاستراتيجية، لكن النجاح فيها غير مضمون؛ في دول حاضنة للتطرف، مثل اليمن، أو أضناها الفقر أو الكوارث الطبيعية مثل هاييتي، والقائمة طويلة. ولكن تكلفة عدم فعل أي شيء على الإطلاق ربما تكون أكبر بكثير.

وينبغي علينا أن نتقبل أن نموذجنا في التنمية لا يمكن أن يكون الصيغة أو الوصفة التي ينبغي اتباعها – فما يصلح لباكستان قد لا يكون مناسبا بالنسبة لبيرو. لذلك فإن أسلوبنا يجب أن يكون معاملة كل حالة على حدة، كل دولة على حدة، وكل منطقة على حدة، وعبر الدول والمناطق لكي نستطيع مواجة التهديدات والأخطار والمشاكل العابرة للدول الماثلة أمامنا. لا بد أن نحلل الاحتياجات وأن نقيّم الفرص، وأن نرتب استثماراتنا وعلاقات شراكتنا بطرق تتلاءم مع تحقيق أقصى تأثير ممكن لجهودنا ومواردنا.

وتجري حاليا مراجعتان مهمتان بينهما تنسيق كبير لسياسة التنمية لبلدنا. والمراجعتان هما: المراجعة الافتتاحية الرباعية للدبلوماسية والتنمية التي أمرت بإجرائها بقيادة المسؤولين في كل من وزارة الخارجية الأميركية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية. والدراسة التوجيهية الرئاسية لسياسة الولايات المتحدة للتنمية في العالم التي يجريها البيت الأبيض وتتضمن ممثلين لأكثر من 15 وكالة تساهم في مهمتنا من أجل التنمية في العالم.

وبمجرد استكمال هاتين المراجعتين وإرسال التوصيات للرئيس، سيتم استخلاص أفكار وأساليب جديدة. وفي الوقت نفسه، أود أن أطلعكم على بعض الخطوات التي نتخذها بالفعل لضمان أن تسفر التنمية عن نتائج دائمة للشعب في الوطن وفي الخارج.

أولا، كما قال الرئيس أوباما، إننا ننتهج نموذجا للتنمية يعتمد على الشراكة وليس على التفضّل والتبعية.

في الماضي، كنا في بعض الأحيان نُملي حلولا عن بعد، وفي أغلب الأحيان لم تكن لنا بصمة ذات أثر على أرض الواقع. ولكن منهجنا الجديد هو أن نعمل في إطار علاقة شراكة مع الدول النامية التي تتولى هي زمام القيادة في تصميم وتطبيق الاستراتيجيات القائمة على الدلائل مع وجود أهداف واضحة. فالتنمية المبنية على أساس التشاور وليس على أساس الأوامر تؤدي غالبا إلى نشوء القيادات المحلية والشعور بتملك مشروع التنمية الضروريين لتحويل الأفكار الجيدة إلى نتائج دائمة.

غير أن الشراكة الحقيقية تقوم على أساس المسؤوليات المشتركة. وإننا نريد شركاء يبدون التزامهم بالتنمية بممارسة الحكم الرشيد، واجتثاث جذور الفساد، والمساهمة بتمويلهم الخاص في تنمية بلادهم. وإننا نتوقع أن يمارس شركاؤنا سياسات اقتصادية سليمة، بما في ذلك زيادة الضرائب بالنسبة لمن يتحملونها، تماما مثلما نفعل نحن؛ أو، في الدول الغنية بمصادر الثروة الطبيعية، إدارة تلك الموارد بطريقة تكفل استدامتها وتخصيص جزء من الأرباح لتنمية الشعب. إن دافع الضرائب الأميركي لا يستطيع أن يسدد الفاتورة للقادرين ولكن غير الراغبين في مساعدة أنفسهم.

والآن، قد يقول البعض إنه من قبيل المخاطرة تقاسم السيطرة مع دول لم تحقق نجاحا كبيرا في التنمية بالاعتماد على نفسها. ولكننا نعرف أن دولا عديدة لديها إرادة التنمية ولكنها لا تملك القدرة عليها. وهذا شيء نستطيع أن نساعدهم على بنائه.

وعلى سبيل المثال، ينصب تركيز مؤسسة تحدي الألفية على الدول التي وفت بالمعايير المطلوبة، من التمسك بالحقوق السياسية وسيادة القانون إلى السيطرة على التضخم والاستثمار في تعليم الفتيات. وبمقتضى الاتفاقيات مع مؤسسة تحدي الألفية، فإننا نقدم التمويل والدعم التقني؛ والدولة تقدم الخطة وتقود الطريق نحو تحقيقها. وما زال أمامنا عمل كثير، لكن المؤشرات المبكرة الواردة من برامج مؤسسة تحدي الألفية تعتبر مبشّرة. إننا نستخدم موارنا لمساعدة الدول التي تلتزم ببناء مستقبلها بنفسها.

وهذا النهج يسلط الضوء على الفارق بين المساعدات والاستثمار. فمن خلال المساعدات نمد الشعب المحتاج بما يحتاج إليه- وليكن كيسا من الأرز أو صندوقا للأدوية. ولكن من خلال الاستثمار، فإننا نسعى إلى كسر حلقة الاتكالية التي توفرها تلك المساعدات، بمساعدة الدول على بناء مؤسساتها وقدراتها الخاصة على توفير الخدمات الأساسية. فالمساعدات تسعى لسد الاحتياجات؛ بينما يسعى الاستثمار إلى تهيئة الفرص.

والآن، فإن ذلك لا يعني أن الولايات المتحدة ستتخلى عن تقديم المساعدات. فما زالت أداة حيوية مهمة، خاصة في الاستجابة لأحوال الطوارئ. ولكن من خلال الاستثمارات، نأمل أننا في يوم ما، غير بعيد عن الوقت الراهن، أن نُخرج أنفسنا من مجال المساعدات باستثناء أحوال الطوارئ.

إن التزامنا بعلاقة الشراكة يمتد نطاقه، ليس إلى الدول التي نعمل فيها فحسب، وإنما إلى دول أخرى ومنظمات تعمل هناك أيضا. فهناك دول جديدة تبزغ كمساهم مهم في التنمية العالمية، من بينها الصين والبرازيل والهند- وهي دول أمامها فرصة للقيام بدور رئيسي، وعليها مسؤولية دعم الحلول المستدامة. أما الدول التي لها تاريخ طويل في القيادة مثل النرويج والسويد والدنمارك وهولندا والمملكة المتحدة واليابان، ودول أخرى، فهي تواصل الوصول إلى بلايين الناس من خلال عملها المستمر منذ أمد بعيد في عشرات الدول.

أما المنظمات الدولية أو المتعددة الأطراف مثل البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وبرنامج التنمية التابع للأمم المتحدة، والصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا، فإن لديها الموارد ووسائل التواصل التي تمكنها من عمل ما لا تستطيع الدول وحدها أن تفعله، علاوة على الخبرة الكبيرة في برامج ومبادرات البنية الأساسية والصحة والتمويل.



وتستطيع المؤسسات غير الربحية مثل مؤسسة غيتس، ومنظمة كير، ومؤسسة كلينتون، ومنظمة أوكسفام الدولية، وشبكات المنظمات غير الحكومية مثل منظمة العمل المشترك، وكذلك المنظمات الصغرى مثل أكسيون ومنظمة الشفافية الدولية أن تجلب الموارد الخاصة ،بها والمعرفة العميقة التي لديها، والتزامها تجاه المهمات الإنسانية التي تكمل عملنا بطرق حاسمة الأهمية. وبعض المؤسسات تدمج بين العمل الخيري والرأسمالية وذلك من خلال اتباع نهج مبتكر جدا، مثل صندوق "أكيومن". والجامعات منخرطة في بحوث حاسمة، سواء لحل المشاكل الملحة مثل الجوع والمرض، ولتحسين الأعمال التنموية مثل العمل الذي يقوم به مختبر معهد مساتشوستس للتكنولوجيا من أجل مكافحة الفقر.

وحتى الشركات الخاصة بمقدورها الوصول إلى أعداد كبيرة من الناس بطريقة مستدامة اقتصاديا، نظرا لأنها قادرة على الاستفادة من قوة الأسواق. فهناك شركات مثل شركة ستاربكس التي عملت على تكوين سلسلة من محلات التوريد والتموين من بين مجتمعات مزارعي البن في العالم النامي حيث تشجع الممارسات البيئية الأفضل والأسعار الأفضل بالنسبة للمزارعين؛ أو شركة يونيليفر/هندوستان التي أنتجت أنواعا من الصابون ومنتجات النظافة بأسعار ميسرة تجعلها في متناول الطبقات الفقيرة التي كان يتم تجاهلها من طرف قطاع الأعمال الخاصة.

وأنا أسرد كل هذه الأمور لأننا نريد أن نقوم بعمل أفضل سواء حول تسليط الضوء على عدد الشركاء وتحسين التنسيق في ما بينهم. وينبغي أن تتاح لنا الفرصة للانخراط بشكل استراتيجي في بلد ما مع الشركاء الآخرين بحيث لا تكون مجهوداتنا مكررة أو مضاعفة، ولكننا بدلا من ذلك نعمل سوية لتحقيق نتائج أفضل. نحن نعتقد أن هذا سوف يفتح فرصا جديدة ويزيد من تأثيرنا.

ثانيا، إننا نعمل على رفع مستوى التنمية ودمجها على نحو أوثق مع المجهودات العسكرية والدبلوماسية في الميدان. كما يتعين أن تصبح التنمية ركنا متساويا في سياستنا الخارجية، إلى جانب الدفاع والدبلوماسية، على أن تتصدر ذلك معونات ثابتة ومنشطة.

والآن، إنني أعلم أن كلمة اندماج يمكن أن تدق ناقوس الخطر في أذهان البعض. فهناك قلق من أن دمج التنمية يعني أنه سيجري تمييعها أو تسييسها - التخلي عن الأهداف الطويلة الأجل للتنمية من أجل تحقيق أهداف قصيرة الأجل أو تسليم المزيد من الأعمال الإنمائية لدبلوماسيينا وللخبراء العسكريين لدينا. فهذا ليس ما نقصده، ولا ما سنفعله. إن ما سنفعله هو الاستفادة من خبرات الموظفين الدبلوماسيين والعسكريين لدينا لصالح التنمية، والعكس بالعكس. فالأمور الثلاثة يجب أن تعزز بعضها البعض.

إن الخبرات والمعارف الفنية التي يجلبها خبراء التنمية إلى عملهم لا يمكن الاستغناء عنها مطلقا. إن خبراءنا، سواء كانوا مختصين في مجال الزراعة، والصحة العامة، والتعليم، أو الاقتصاد، فهم وجه وعقل وقلب وروح التنمية الأميركية في جميع أنحاء العالم. فهم الذين يأخذون الأفكار منا والأموال والالتزامات ويحولونها إلى تغيير حقيقي ودائم على حياة الناس.

وبعض من أهم الشخصيات المهمة جدا في تاريخ التنمية هو الذي يمثل التقارب بين التنمية والدبلوماسية. فهناك أشخاص من أمثال نورمان بورلوغ، أبو الثورة الخضراء، أو جيم غرانت، الذي أنقذت حملاته العالمية للتطعيم ملايين لأطفال، أو وانغاري ماتاي، الذي زرعت حركة الحزام الأخضر التابعة لها ملايين الأشجار في مختلف أنحاء أفريقيا ودربت الآلاف من النساء ليتزعمن قيادة حركة المحافظة على البيئة. إن هؤلاء العمالقة المختصين في التنمية قد جمعوا بين الخبرة الفنية المتميزة والإيمان العاطفي بقوة أفكارهم. فقد عملوا المستحيل من أجل إقناع القادة الذين كانوا في بعض الأحيان مترددين جدا على الانضمام إليهم، ونتيجة لذلك، أسهموا في بناء وقيادة الحركات الوطنية والإقليمية والدولية من أجل التغيير.

واليوم، لدينا الكثير من أمثال هؤلاء “الدبلوماسيين الإنمائيين" العاملين في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. إنهم يجسدون التكامل بين التنمية والدبلوماسية والذين حين تتاح لهم فرصة الازدهار، فسيوسّعون مداركهم في المجالين.

فعلى سبيل المثال، يمكن أن يؤدي عدم وجود دعم من قادة الحكومة إلى عرقلة أو إحباط المشاريع التنموية، ولا سيما البرامج التي تستهدف الفئات المهمشة، مثل الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية، والنساء أو اللاجئين. وفي تلك الحالات، يستطيع دبلوماسيونا من خلال العمل جنبا إلى مع خبراء التنمية لدينا، المساعدة في إحداث التغيير. فهم لديهم قدرة الوصول والتأثير لإقناع وزراء الحكومة بتقديم الدعم.

كما تعزز التنمية هدفا رئيسيا من أهداف جهودنا الدبلوماسية وهو: تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم. إنني أتذكّر بوضوح زيارتي قبل بضع سنوات لقرية سام نجاي في السنيغال، حيث أقامت متطوعة سابقة في فيلق السلام الأميركي قد يعرفها البعض منكم، هي مولي ملشينغ، منظمة غير حكومية في القرية أطلقت عليا توستان، وذلك بدعم من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. وقد بدأت النساء في القرية من خلال الدعم الذي تقدمه توستان يتحدثن جهارا حول العواقب الصحية والألم الناجم عن ختان الإناث، وهي ممارسة مقبولة في ثقافة البلاد. وقد أدت هذه الصحوة الجماعية إلى مناقشة واسعة النطاق في عموم القرية وتم التصويت في القرية، تم التصويت بشكل ديمقراطي، على تحريم الممارسة. ثم ما لبث أن توجه عدد من الرجال من أهل هذه القرية إلى القرى الأخرى ليشرحوا لأهلها ما تعلموه حول الأسباب التي تجعل ختان الإناث أمرا مكروها يسبب أضرارا للنساء والفتيات – ومن خلالهن لأفرد العائلة وللمجتمعات بأكملها – ومن ثم قامت قرى أخرى بحظر هذه العادة أيضا. ثم ما لبثت أن تشكلت حركة سياسية شعبية وفي نهاية المطاف أصدرت الحكومة قانونا يحظر الممارسة في كافة أنحاء البلاد.

والآن، سوف يستغرق الأمر بعض الوقت حتى يتسنى تطبيق القانون هناك، وكذلك الحال في بلدنا. ولكن الفكرة الأساسية هي أن التجربة في هذه القرية تبين كيف أن التنمية والديمقراطية و حقوق الإنسان يمكن أن بل يجب أن تعزز واحدتها الأخرى. إذ يعزز الحكم الديمقراطي التنمية، والتنمية يمكن أن تساعد في تأمين المكاسب الديمقراطية. ولذا فإن أولئك الذين يحرصون على جعل حقوق الإنسان حقيقة واقعة يعرفون أن التنمية هي جزء لا يتجزأ من جدول الأعمال هذا.

كما أن التنمية تمثل عاملاً حاسماً في نجاح مهامنا الدفاعية لا سيما في المناطق التي يسهم فيها الفقر والحكومات الفاشلة في عدم الاستقرار. هناك أمثلة عديدة يمكن أن نشير إليها، غير أنه يتعين النظر في الوضع في أفغانستان. فالعديد من الناس يتساءلون عما إذا كانت التنمية يمكن أن تنجح هناك. حسنا، إجابتي هي نعم. تدعم الولايات المتحدة مبادرة لإعادة البناء والبنية التحتية الريفية، يديرها البنك، وتدعى "برنامج التضامن الوطني" وقد حققت تقدما حتى في ظل ظروف بالغة الصعوبة. ومن خلال هذا البرنامج، تم انتخاب 18 ألف مجلس تنمية محلي وإنجاز ما يربو على 15 ألف مشروع من مشاريع البنية التحتية.

إن التقدم أمر صعب المنال. ولكنه ممكن. وهذا هو السبب في أننا نستعد لإرسال 30 ألف جندي أميركي إضافي، بالإضافة إلى آلاف من قوات الحلفاء في الناتو وقوة الأمن الدولية، وسنقوم بزيادة عدد الموظفين المدنيين العاملين على الأرض بمقدار ثلاثة أضعاف، بمن في ذلك الخبراء في مجال الزراعة الذين سيساعدون المزارعين على تطوير محاصيل جديدة لتحل محل خشخاش الأفيون، وخبراء التعليم الذين سيساعدون على جعل التعليم في متناول الفتيات، بحيث يمكن أن تتاح لهن لفرصة لتحقيق مستقبل أفضل.

إن العمل الذي يقوم به خبراء التنمية هؤلاء يساعد على جعل العمل العسكري أقل ضرورة في المستقبل. إن من الأرخص بكثير دفع تكاليف التنمية مقدما مقارنة بدفع ثمن الحرب على المدى البعيد. أما في أفغانستان وفي غيرها من الأماكن فإن القوات الأميركية تساعد في توفير الأمن الذي من شأنه أن يتيح للتنمية أن تتجذر. وفي الأماكن التي مزقتها الطائفية أو التطرف العنيف، فإن تحقيق مكاسب التنمية الطويلة الأمد أكثر صعوبة.

أما في الماضي فقد كان هناك تقصير في التنسيق بين المجالات الثلاثة، وقد تحمل الجميع عواقب ذلك. إنني والوزير غيتس والمدير شاه متحدون في التزامنا بتغيير ذلك. فالولايات المتحدة سوف تحقق أفضل النتائج عندما نتعامل مع سياستنا الخارجية كوحدة متكاملة، بدلا من مجرد مجموع مجزأ.

ثالثا، إننا نعمل على تحسين تنسيق التنمية عبر جميع الدوائر الحكومية في واشنطن. ففي القرن الحادي والعشرين، يتعين أن يفكر ويتصرف العديد من الأجهزة الحكومية على نطاق عالمي. فوزارة المالية تقود وتنسق تعامل دولتنا مع النظام المالي الدولي. ووزارة العدل تحارب الجرائم العالمية. ومكافحة الأمراض والسيطرة عليها تعتبران تحديا عالميا في هذا العالم المترابط وذلك يتضمن وزارة الصحة والخدمات البشرية ومركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها والعديد من الهيئات الأخرى. وكذلك نوعية الهواء لدينا وممراتنا المائية، وهو أمر لدى وكالة حماية البيئة خبرة فيه. ولكن في الوقت الذي يقوم فيه عدد متزايد من الوكالات بتوسيع نطاق عملها على الصعيد الدولي وتضيف خبرات وقدرت هامة، وحتى في العمل على نفس القضية من زوايا مختلفة ،إلا أن التنسيق كان متأخرا.

وهذا يعتبر مصدر قلق وإحباط متزايد. ولكنه أيضا يشكل فرصة لاستحداث المزيد من البرامج القوية والفعالة. والتحدي الذي يواجهه الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ووزارة الخارجية هو العمل مع جميع الوكالات الأخرى لتنسيق وقيادة ودعم التنفيذ الفعال لاستراتيجية الحكومة.

وفي الواقع، فهذه هي مهمتنا الأساسية. ومن خلال وجودنا الدائم في جميع أنحاء العالم، ومن خلال رؤيتنا الاستراتيجية، ومن خلال تكلّفنا بتعزيز مصالح أميركا في الخارج، يمكننا أن نساعد في جعل جهود التنمية في الخارج تتسق مع أهدافنا الاستراتيجية ومصالحنا الوطنية. وهذا لن يكون أمرا سهلا، ولكنه سيجعل عمل حكومتنا أكثر فعالية وكفاءة وديمومة.

وقد بدأنا بالفعل التأكيد على هذا النوع من التنسيق وذلك بتنسيق مبادرتنا الجديدة للأمن الغذائي، التي تجمع بين خبرات وزارة الزراعة في مجال البحوث الزراعية، وخبرات الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، والخدمات الإضافية، وجهود الممثل التجاري الأميركي بشأن التجارة الزراعية ومساهمات العديد من الوكالات الأخرى.

إننا نعلم أن جذب الاستثمارات وتوسيع التجارة هو أمر حيوي بالنسبة للتنمية. ولذا فإننا نتطلع إلى تنسيق برامج المساعدات الخارجية في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، ومؤسسة تحدي الألفية وغيرها من الوكالات مع مبادرات التجارة والاستثمار التابعة للمثل التجاري الأميركي، والبنك الأميركي للتصدير والاستيراد، ومؤسسة الاستثمار الخاص في الخارج. ونسعى من أجل البناء على نجاح نماذج إقليمية للتنسيق مثل قانون النمو وإتاحة الفرص الخاص بأفريقيا.

علينا أن نطرح لأسئلة الصعبة المتعلقة بمن ينبغي أن يفعل ماذا في مجال أعمال التنمية. فقد كنا لفترة طويلة جدا نعتمد على المقاولين لتقديم مساهمات أساسية وأضعفنا قدراتنا المهنية والمؤسسية. وهذا يجب أن يتغير. المقاولون هناك لتقديم الدعم لا ليحلوا محل الموظفين. ولذا يتحتم أن يتوفر لدى الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ووزارة الخارجية الكادر الوظيفي، والخبرة، والموارد اللازمة لتصميم وتنفيذ وتقييم برامجنا. هذا هو السبب في أننا سوف نرفع عدد الموظفين في السلك الدبلوماسي في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وفي وزارة الخارجية، وسوف نضع مجموعة من المبادئ التوجيهية حول كيفية العمل مع المقاولين والإشراف عليهم وذلك للتأكد من أن لدينا الأشخاص المناسبين الذين يقومون بالعمل المناسب في ظل ظروف مناسبة.

رابعا، نحن نركز عملنا على ما يسميه خبراء التنمية بالقطاعات – وهي ما أعتقد أنها بمثابة مجالات التقاء. فقد استثمرنا في الماضي في برامج كثيرة في ميادين عديدة متوسعين في كثير من الأحيان أكثر من اللازم بشكل قلل من تأثيرها. وبالنظر إلى المستقبل، سنوجه استثماراتنا ونطور ما لدينا من امتياز تقني في مجالات رئيسية قليلة كالصحة والزراعة والأمن والتعليم والطاقة والحكم المحلي. فبدلا من أن نساعد قلة من الناس بمشروع واحد في كل مرة، نستطيع أن نساعد البلدان في تفعيل تغيير شامل مستدام.

بداية، نحن بصدد استثمار 3.5 بليون دولار خلال السنوات الثلاث القادمة في البلدان الشريكة التي تمثل الزراعة فيها أكثر من نسبة 30 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي وتضم أكثر من 60 بالمئة من الوظائف وفرص العمل، وحيث ينفق 70 بالمئة من الدخل المتوفر للأسر على الأغذية. فالزراعة في تلك المناطق لها دور من الكبر والأهمية بحيث أن ضعف قطاع الزراعة في بلد ما يعني ضعف البلد. وتظل أسر المزارعين الصغار فقيرة، ويبقى الناس جائعين والاقتصاد راكدا، ويمكن أن تنطلق شرارة الاضطراب الاجتماعي، كما شهدنا في أعمال الشغب بسبب الغذاء في أكثر من 60 بلدا منذ العام 2007.

ونستطيع من خلال تقديم الدعم التقني والاستثمارات الاستراتيجية عبر النظام الغذائي بأكمله – من البذور التي يزرعها المزارعون حتى الأسواق التي يبيعون فيها محاصيلهم، إلى المنازل حيث الناس يعدون طعامهم ويخزنون غذاءهم – أن نساعد البلدان في إيجاد التأثير المعروف بالموجة التي تتمدد وتنتشر إلى أبعد من الزراعة وتعزز الأمن والرخاء في مناطق بأكمها.

نحن نطبق الأسلوب ذاته في الميدان الصحي. ومن بين النجاحات البارزة التي حققها بلدنا في التنمية مشروع "بيبفار" (برنامج الرئيس الطارئ للإغاثة من مرض الإيدز) الذي ساعد أكثر من 2.4 مليون شخص مصابين بفيروس أو مرض الإيدز في تلقي العلاجات المنقذة للحياة والمضادة لعودة المرض. وسنعمل من خلال مبادرتنا الجديدة العالمية للصحة على زيادة البناء على النجاح الذي حققة برنامج بيبفار وغيره من برامج الأمراض المعدية، وسنركز اهتماما أكبر على العناية الصحية بالوالدات والمولودين الجدد وبصحة الأطفال، حيث لا يزال الطريق طويلا أمامنا. وسنستثمر 63 بليون دولار على مدى السنوات الست القادمة لمساعدة شركائنا في تحسين أنظمتهم الصحية الخاصة وتوفير الرعاية الصحية التي تحتاجها شعوبهم، بدلا من الاعتماد على التبرعات في المستقبل والمحافظة على جزء فقط من الشعب معافى بينما لا تلقى بقية الشعب عناية تذكر.

خامسا، نحن بصدد زيادة استثمار بلادنا في الابتكار. فالتكنولوجيات الجديدة تمكن ملايين الناس من القفز الى القرن الحادي والعشرين بعد أن تأخروا عن ركب الإنجازات في القرن العشرين. فالمزارعون يستطيعون أن يتعرفوا من خلال الهواتف الخلوية الجوالة على آخر الأسعار السائدة في السوق ويعرفوا مقدما أين سيضرب الجفاف أو الفيضان القادم. ثم إن الصيرفة الجوالة تمكن الناس في الأركان النائية من العالم من استخدام هواتفهم للوصول إلى حسابات ادخارهم أو إرسال تحويلات مالية إلى أسرهم في بلدانهم. والنشطاء الذين يسعون إلى محاسبة الحكومات على الكيفية التي استخدمت بها مواردها وعاملت بها مواطنيها يستطيعون استخدام المدونات ومواقع التواصل الاجتماعي (على الإنترنت) لتسليط أضواء الشفافية على بلاء الفساد والقمع.

لا توجد حدود لإمكانية التكنولوجيا في التغلب على العقبات القائمة في طريق النجاح. وللولايات المتحدة تقليد تعتز به في الإتيان برواد يغيرون النهج في الكفاح الكبير لنصرة الفقراء. فقد كان خبراء الزراعة الأميركيون هم دافعي عجلة الزراعة الخضراء. وكان علماء الطب الأميركيون رواد أساليب التلقيح الفنية. والمهندسون الأميركيون هم الذين صمموا الكمبيوتر الشخصي المحمول الذي يعمل بالطاقة الشمسية، وهي تكنولوجيا جديدة لا تستثني أولئك الناس الذين يعيشون بدون طاقة (كهربائية).

هذا العرف في الابتكار هو اليوم أهم بكثير مما كان. ولذا فإننا نسلك طرقا عدة في سبيل دفع تقدم الاكتشاف والتأكد من أن الابتكارات المفيدة تصل إلى الناس الذين يحتاجونها. كما أننا سنزيد تمويلنا المباشر للأبحاث الجديدة، التي منها على سبيل المثال، البطاطا الحلوة المحصنة بيولوجيا كي تمنع نقص الفيتامين (ألف) عند الأطفال، والذرة الأفريقية التي يمكن زرعها في ظروف الجفاف. كما أننا ندرس إنشاء صناديق المشاريع، وضمانات الائتمان، وغير ذلك من الأدوات لتشجيع الشركات الخاصة على تطوير وتسويق المنتجات والخدمات التي من شأنها تحسين معيشة الفقراء.

ونحن نسعى في سبيل مزيد من طرق الابتكار للإفادة من طاقتنا الشرائية الكبرى، ومن الأمثلة على ذلك، الالتزامات السوقية مقدما للمساعدة في توفير أسواق لتلك المنتجات كي يتأكد الراغبون المقدمون على العمل التجاري من أن المنجزات التي تم تحقيقها من أجل الفقراء ستصل إليهم فعلا وبنجاح.

وهنا مرة أخرى، توجد إمكانية كبيرة لشراكة مثمرة بين الحكومة وعشرات الجامعات الأميركية والمختبرات والشركات الخاصة والمؤسسات الخيرية التي تتعقب المكتشفات وتمولها. مثال ذلك أن شركات التكنولوجيا الأميركية تعمل، بمساعدة من وزارة الخارجية، مع حكومة المكسيك وشركات الاتصالات والمنظمات غير الحكومية من أجل تخفيض العنف المتعلق بالمخدرات كي يستطيع المواطنون التبليغ بسهولة ودون الكشف عن هوياتهم عن نشاطات العصابات في أحيائهم. وقد أرسلنا ثلاثة وفود فنية إلى العراق، بما في ذلك زيارة قام بها مؤخرا إريك شميت، المدير التنفيذي لغوغل، الذي أعلن أن شركته ستنشئ قناة يوتيوب تابعة للحكومة العراقية بهدف تعزيز الشفافية والحكم الرشيد. وسنرسل فريقا من الخبراء إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية في الربيع للبدء في عملية نشر تكنولوجيا الصيرفة الجوالة في ذلك البلد.

الابتكار هو اختراع التكنولوجيات الجديدة. ولكنه ليس مجرد ذلك وحسب. فهو أيضا أي فكرة تحقق إنجازا في تغيير حياتنا وإعادة تشكيل أفكارنا. كما اعتقد محمد يونس أن النساء الفقيرات المتسلحات بقروض ائتمانية يمكن أن يصبحن هن اللواتي يدفعن عجلة التقدم الاقتصادي والاجتماعي، أو رؤيا إيلا بات المتعلقة بالنساء المعانيات من الفقر المدقع في الهند للجمع بينهن في جمعية النساء المستقلات بالعمل (العمل الحر الذاتي) من أجل توليد مداخيل لبناء ديمقراطية شعبية من الأساس، أو النساء المشردات في أفريقيا الجنوبية اللواتي رفضن الاستسلام لظروفهن ونظمن أنفسهن في جماعة للوصول والحصول على قروض تمكنهن من بناء مساكنهن الخاصة ومجتمع كامل بالتالي يشرفن الآن على قيادته.

وتبين أن البصيرة الكامنة في برامج التحويلات النقدية المشروطة توحد الجهود من أجل مكافحة الفقر وتعزيز التعليم والصحة. هذه الابتكارات عمت الآن العالم. فقد أطلقت مدينة نيويورك برنامجا للتحويلات النقدية المشروطة على غرار المكسيك. وافتتح بنك غرامين فرعا له في (حي) كوينز. ولذا فإن علينا أن نضمن أن تلك الابتكارات الاستثنائية سائرة في اتجاهين وأننا نتعلم بينما نقدم (نأخذ ونعطي). كما أننا بحاجة إلى اكتشاف ونشر أكبر قدر ممكن من هذه (الابتكارات).

سادسا، نحن نركز مزيدا من استثمارنا على النساء والفتيات اللواتي لهن أهمية كبيرة في دفع عجلة التقدم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. فالنساء والفتيات يعتبرن من أعظم الموارد التي لم تستخدم كما يجب حتى الآن في العالم. والاستثمار في إمكانيات النساء كي يرفعن ويقدن مجتمعاتهن هو أحد أفضل الاستثمارات التي يمكن أن نقوم بها. فكلكم تعرفون الدراسات التي أظهرت أن المرأة عندما تتلقى تعليما مدرسيا، ولو لسنة واحدة فقط، يصبح أطفالها أقل احتمالا للوفاة في سني الطفولة أو المعاناة من المرض أو الجوع، كما يصبح أكثر احتمالا أن يذهب الأبناء أنفسهم إلى المدرسة.

إن من أسباب استخدام أسلوب التمويل المصغر في العالم أن النساء أثبتن أن ذلك مجازفة ائتمانية إقراضية مأمونة ويعتمد عليها. فالأموال التي يقترضنها لا تستثمر ويعاد استثمارها وتتحول إلى أرباح فقط، بل هي تستخدم أيضا لتحسين أحوال معيشة أسرهن. وهي تكاد كلها تسدد دائما. ولقد شهدت بنفسي ما يعنيه الإقراض المصغر في حياة النساء وأسرهن ومجتمعاتهن امتدادا من كوستاريكا إلى جنوب أفريقيا ففيتنام وعشرات البلدان بينها.

حسنا، أنتم تعرفون المثل القائل "اعطوا رجلا سمكة فيقتات يوما، لكن علموا رجلا الصيد فسيقتات طول عمره." حسنا، إذا علمتم امرأة الصيد فإنها ستطعم القرية كلها.

ولذا فإن الولايات المتحدة تتخذ اليوم خطوات لتضع النساء في مقدمة ووسط عملنا التنموي. وقد بدأنا في تفكيك المعلومات التي نجمعها لبرامجنا على أساس التفريق بين الجنسين لقياس مدى ما ساعد عملنا في تحسين صحة المرأة ودخلها وحصولها على التعليم والغذاء. وبدأنا في تصميم برامج مع إبقاء احتاجات المرأة في الذهن – وبتوظيف مزيد من النساء للعمل في الخدمات والوصول إلى النساء المزارعات، أو النساء العاملات في التثقيف الصحي لتحسين الوصول إلى النساء والفتيات. ونحن نقوم بتدريب مزيد من النساء في البلدان شركائنا على القيام والاستمرار بالعمل التنموي بأنفسهم – مثال ذلك ما يتم من خلال المنح الدراسية للنساء العالمات الزراعيات في كينيا.

إن تلك الأمور ليست مصلحة استراتيجية للولايات المتحدة وحسب، فهي مسألة ذات اهتمام شخصي ولها أهمية خاصة عندي، وقد دأبت على العمل في سبيلها نحو أربعة عقود. ولن أقبل أقوالا دون أفعال عندما يتعلق الأمر بتقدم المرأة. وسأخضع وكالاتنا للمحاسبة للتأكد من أن حكومتنا وسياستنا الخارجية تدعمان النساء في العالم وتحققان نتائج ذات مغزى ودائمة في هذه المسائل.

ولذا نحن نطبق ستة أساليب، وهناك غيرها على الطريق – بعضها جديد، وبعضها فيه اختلافات عن الماضي، وكلها تعبر عن الالتزام بإيجاد واختبار وتبني الأفكار التي تنجح، ونتعلم من عملنا في كل خطوت نخطوها في هذا السبيل.

حدد الرئيس كينيدي قبل نصف قرن مضى رؤيا جديدة لدور التنمية في تعزيز القيم الأميركية وتقدم الأمن العالمي. دعا إلى التزام جديد وأسلوب جديد من شأنه أن يلبي واقع ما بعد الحرب. ولذا أوجدت حكومته الوكالة الأميركية للتنمية الدولية لقيادة ذلك الجهد وجعل الولايات المتحدة زعيمة العالم.

وساعدت جهود بلادنا التنموية في العقود اللاحقة في القضاء على مرض الجدري وخفضت الإصابة بشلل الأطفال والعمى النهري (يعرف أيضا بمرض روبلز تسببه دودة تنجم عن لدغ الباب الأسود). وقد ساعدنا في إنقاذ ملايين الأرواح من خلال لقاحات التحصين وجعلنا إعادة تمويه الجسم عن طريق الفم متوفرة عالميا مما خفض نسبة الوفيات بين الأطفال إلى حد كبير. وساعدنا في تعليم ملايين الشبان. وقدمنا معونات كبيرة لبلدان انتعشت في مجالات كثيرة بما فيها النمو الاقتصادي والصحة والحكم الرشيد – بلدان مثل كوريا الجنوبية وتايلاند وموزمبيق وبوتسوانا ورواندا وغانا. وزودنا بلدانا في كل قارة بالمساعدات الإنسانية في أعقاب الأعاصير والزلازل والمجاعات والفيضانات والتسونامي وغيرها من الكوارث.

إن من حق الأميركيين أن يعتزوا بتلك الإنجازات التي لم تساعد الإنسانية وحسب، بل وساعدت أيضا مشاريع بلدنا وقيمنا وعززت قيادتنا في العالم.

لم تكن تلك الجهود مقصورة على عمل الحكومة وحدها. فلا يدرك معظم الناس أننا نخصص أقل من واحد بالمئة من ميزانيتنا للمساعدات الخارجية. والحصيلة الإجمالية تتألف من روح العطاء الكريمة للأميركيين التي تنعكس من خلال مشهد بلادنا العام، من مزارع إلى جماعات مدنية وكنائس ومؤسسات خيرية. فعلى مدى السنين، فتح الشعب الأميركي قلوبه ومحافظه للقضايا التي تراوحت بين القضاء على شلل الأطفال في أميركا اللاتينية وبين إنقاذ الناس في دارفور (غرب السودان) ومساعدة الناس الفقراء في آسيا في شراء الماشية، فإلى الاستثمار في المشاريع التجارية الصغرى. وهذا العطاء الخاص يتجاوز المبالغ التي تنفقها حكومتنا في المساعدات الخارجية.

واليوم، نحن نناشد تلك الروح المعطاء ذاتها مواجهة تحديات القرن الجديد –ليس ماديا فحسب، بل وبذل الوقت والموهبة. ولذا فليساعدنا من يهتم منكم اهتماما كبيرا بالتنمية، ومن يهتم كثيرا بمستقبل بلدنا وعالمنا، في حشد مزيد من الأميركيين في بذل هذا الجهد. ساعدونا في تجنيد خبراء التكنولوجيا وقادة الأعمال التجارية والمهندسين والمعلمين والأطباء والمحامين.

ساعدونا في استغلال مواهب الجيل العالمي الأول من الأميركيين – الشباب من الرجال والنساء المتخرجين من الكليات والجامعات. شجعوهم على التطوع والعمل المقيم وعلى العمل ليس في المنظمات غير الحكومية فقط، وإنما على مد العون بطاقاتهم ومهاراتهم لوزارة الخارجية، لا سيما الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. وأنا أعد أننا بمساعدة راج (مدير الوكالة الجديد) سنبذل المزيد من جانبنا والتأكد من أن تظل أبوابنا مفتوحة على هذه المجموعة من المفكرين الفاعلين.

إن العمل التنموي ليس سهلا أبدا، لكنه ضروري. فهو العمل الذي تنسجم معه أميركا فعلا. فهو يعبر بوضوح عن قيمنا الخاصة وعن روحنا التعاونية. وقد لاحظ ذلك دي توكفيل (فيلسوف القرن التاسع عشر الفرنسي). فقد دأبنا منذ كل السنوات على أن نتضافر ونعمل دوما لمساعدة الآخرين ومساعدة أنفسنا. وها نحن الآن أمامنا فرصة في القرن الحادي والعشرين كي لا نواصل عمل ذلك فقط، بل ولكي نعمل بشكل أفضل مما تم عمله من قبل، وأن نعمل من أجل مزيد من الناس في مزيد من الأماكن، وأن نمنح كل طفل الفرصة كي يؤدي كامل ما وهبه الله من إمكانيات، وأن نساعد في خلق عالم أكثر إنصافا وديمقراطية ورخاء وسلاما.

إن في مقدورنا النجاح، وعندما ننجح، سيروي أبناؤنا وأحفادنا حكاية كيف أن المعرفة الأميركية والأموال الأميركية والعناية الأميركية والقيم الأميركية ساعدت في مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين. وشكرا جزيلا لكم.


وزارة الخارجية الأميركية
مكتب المتحدث الرسمي
6 كانون الثاني/يناير 2010

Opinions

الأرشيف اقرأ المزيد
مبروك لزوعا..عاما جديدا من النضال.. تمر عقارب الساعات في المهجر مسرعة.. وبجنون.. فتمحو اياما من اعمارنا، وتسقط اوراقا من اشجارنا..ونتوقف امام هذه التحولات، بلا حول ولا قوة.. فنطوي ملكة بريطانيا العظمى فكتوريا اصدرت فرمانا لحماية المندائيين في منتصف القرن التاسع عشر كان العراق ارضا بكرا للنشاط التبشيري و حقيقة بدأ الفرنسيون نشاطهم هناك منذ اوائل العهد العثماني . ولكنه لم يكن يلفت نظر الحكومة العثمانية و لذلك تركوا المبشرين الدومانيكانيين و الكبوشيين الكاثوليك يعملون دون ان يتعرض لهم احد مجلس الرئاسة يصادق على قانون إلغاء قرار مجلس قيادة الثورة (المُنحل) رقم (120) لسنة 1986 شبكة أخبار نركال/NNN/ صادق مجلس الرئاسة بجلسته المنعقدة بتاريخ، 1-2-2010، على قانون إلغاء قرار مجلس قيادة الثورة (المُنحل) رقم (120) لسنة 1986، فيما يلي نصه: الاكراد وسهل نينوى – مخاطر الزواج المبكر في الوقت الذي يحرص انصار الزواج المبكر الى استعراض كل سماته الايجابية داعمين ذلك بعينات لتجارب اجتماعية ناجحة , يحاول المعارضون او الحذرون الى اطلاق اشارات الانذار من نتائجه اوعواقبه كون عملية انشاء نموذج اجتماعي جديد ليس لعبة من لعبات ( الاتاري او البلا
Side Adv2 Side Adv1