النواب أمام الحقائق – قبل التصويت على الثقة بالمفوضية العليا للإنتخابات
24 تموز 2011السادة أعضاء مجلس النواب المحترمون:
وأنتم امام لحظة حاسمة في تاريخ العراق، نلفت انتباهكم الى الحقائق التالية التي سبق أن طرحت في أكثر من مكان، ونطالبكم بالإجابة عن الأسئلة المرفقة بها، بكل أمانة، أمام ضميركم وأمام شعبكم:
قدمت دلائل عديدة على فساد مالي لعدد من أصحاب المراكز المفصلية في المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات، البعض منها كبير، والآخر تافه، وكل أنواع الفساد تدل على نقص اخلاقي خطير خاصة لمن يمتلك سلطة هامة. هل تعتبر وجود أشخاص بهذه المواصفات ليس خطراً على سلامة الإنتخابات ونتائجها؟
نشرت وسائل إعلامية عديدة تلقي المفوضية المستقلة للانتخابات كتاباً شديد اللهجة من الامانة العامة لمجلس الوزراء يشير الى عدم صحة اجراءات المفوضية في تصرفاتها المالية واصرار اعضائها على الانتفاع من المال العام دون وجه حق، فيذكر "لانجد في الاجراءات المتخذة من قبل المفوضية مايستند الى نصوص قانونية او موافقات رسمية" واشارة الكتاب الى جملة مخالفات تم اثارتها في عملية الاستجواب ومنها تقاضي وانتفاع غير مشروع من قبل بعض اعضاء مجلس المفوضين بمخصصات مالية تصل الى مئات الملايين سنويا دون ان يكونوا مشمولين بها اصلا، في الوقت الذي ذكر عضو المفوضين قاسم العبودي في وقت سابق في وسائل الاعلام المختلفة ان "وزارة المالية اقرت بشرعية الاموال المصروفة من قبل المفوضية العليا المستقلة للأنتخابات و ان جميع تصرفات مفوضية الانتخابات كانت صحيحة وموافقة للقانون ووفق اجراءات اصولية وموافقات سابقة وبالتالي لا توجد اي ملاحظات على الاجراءات المتخذة من قبل المفوضية في صرفها للاموال".
أن إدخال المعلومات إلى حاسبات الإنتخابات عملية حاسمة في تقرير سلامة الإنتخابات وتوجهها، ولذلك لا توجد دولة في العالم يضيع فيها تحديد من المكلف بمسؤولية إدخال المعلومات إلى تلك الحاسبات، وبالتأكيد لا تسلم مثل تلك الأمور إلى موظف في الأمم المتحدة، فهو في النهاية إنسان يمكن ان يكون أي شيء، بل لفريق يمثل الكتل السياسية المختلفة. فهل تعتبر تسلم موظف الأمم المتحدة السيطرة على تلك المهمة، أمر طبيعي ومقبول وينبغي ان يستمر؟
اكتشف أن الإرهابي يوسف حميد عبد الرزاق يحمل باجاً للمفوضية يسمح له بالدخول إلى مركز إدخال المعلومات، وهو مركز حساس رفضت المفوضية السماح حتى لممثلي الكتل السياسية بدخوله باعتبار أن من يدخله يصل إلى مناطق قد تمكنه من التأثير على نتائج الإنتخابات. فإذا صدقنا تقدير المفوضية نفسها لهذا الأمر، فهل ترى أن إدخال إرهابي وإيصاله إلى منطقة يمكنه أن يؤثر فيها على نتائج الإنتخابات، أمر طبيعي ومقبول، حتى لو كان تقصيراً غير متعمد، رغم ان التعمد في ذلك ليس مستبعداً؟
الإرهابي الذي يمتلك باج المفوضية لم يكن معيناً في المركز، وكانت حجة رئيس المفوضية أن ذلك حدث بسبب ضرورة استعجال استخدامه في المركز، فهل من الطبيعي أن يمنح شخص تلك الإمكانية الخطرة بدون أخذ الوقت اللازم حتى لإصدار كتاب تعيينه؟
من المعلوم ان الإنتخابات انتهت منذ فترة طويلة، وبفرض أن الإستعجال منع المفوضية من إكمال إجراءات تعيينه حينها، فلماذا لم يتم الإنتهاء من إجراءات تعيين الرجل بعد ذلك، وحتى لحظة اكتشافه من قبل رجال الأمن؟
الإرهابي يوسف حميد عبد الرزاق اكتشف صدفة حين كان يهم بقتل شخص آخر في الشارع، وليس من خلال عملية تمحيص للمفوضية في سجلاتها وموظفيها، فهل أجرت المفوضية مثل ذلك التمحيص والفحص بعد ذلك؟ هل تضمن أن ليس هناك المزيد من الموظفين الذي يصلون إلى المناطق الحساسة فيها، دون ان يتم تعيينهم رسمياً؟
كيف نتأكد من أن عمل هذا الإرهابي في هذا المركز الحساس من المفوضية بدون تعيين، كان خطأً وليس أمراً متعمداً من قبل بعض من في المفوضية بهدف إخفاء الرجل عن العيون والسجلات من جهة، وتملص المفوضية من مسؤوليته في حالة اكتشاف أمره؟
إن الإرهاب وعمليات محاولة قتل شخص في الشارع لا يقوم بها شخص صدفة، فهل تم التحقيق في سوابق الرجل؟ ومن هو الشخص الذي كان يهم بقتله؟ وهل عرفت الدوافع؟ هل تم التحقيق ومعرفة من يقف وراء هذا الرجل وينظم عمله أم أنه كان يعمل إرهابياً "لحسابه الشخصي"؟
قال السيد قاسم العبودي أن البرنامج الخاص بحساب الأصوات قد سلم إلى شركة إماراتية، ومن المعلوم ان برنامج الحاسبة يمكن أن يقرر في النهاية من يفوز في الإنتخابات، بغض النظر عن عدد الأصوات الحقيقي، فمن هي الشركة التي كلفت بالمهمة؟ وما هي الآلية التي تم بموجبها اختيار الشركة المكلفة بالأمر؟ وما هي الإجراءات التي تم اتخاذها التحقق من أمانة تلك الشركة؟
هل تمت مراجعة كود البرنامج من قبل جهة عراقية تثق بها الأطراف المتنافسة في الإنتخابات للتأكد من سلامته، أم أن الكود كان سرياً هو الآخر؟ إن كان الأمر كذلك فكيف تثق المفوضية بكود سري لا تعرف أي شيء عن عمله، يقرر كيفية التصرف بالأصوات؟
برر السيد قاسم العبودي تسليم مهمة كتابة برنامج الحاسبات إلى شركة أجنبية بأنه كان بسبب عدم وجود جهة لها القدرة الفنية اللازمة لكتابته في العراق، ويفهم من هذا ان المفوضية قامت بمفاتحة جميع الجهات العراقية التي ينتظر منها أن تكون قادرة على إنجاز البرنامج، فمن هي الجهات العراقية التي تمت مفاتحتها بأمر كتابة البرنامج واعتذرت عن ذلك لعدم قدرتها على تلك المهمة؟
وصل إلى النائب الدكتورة حنان الفتلاوي كتاب من وزارة العلوم والتكنولوجيا يؤكد أن "المفوضية لم تطلب منها تصميم برنامج ولو كانت فعلت لامكنها ذلك كونها لديها مختصين"، ألا يدل ذلك على أن ادعاء السيد العبودي غير صحيح وأنه كان يظلل البرلمان العراقي حين برر تسليم مهمة كتابة البرنامج لجهة أجنبية، بعدم وجود جهة عراقية قادرة على كتابة البرنامج؟
قال قاسم العبودي "ان النظام الفني الالكتروني المعتمد لادخال البيانات لايمكن التلاعب به من قبل اي جهة"، فما الذي يجعل السيد العبودي متأكد إلى هذه الدرجة من سلامة النظام الإلكتروني المعتمد في العراق، في الوقت الذي نعلم فيه أن البرلمان الهولندي قرر التوقف نهائياً عن استعمال الأنظمة الإلكترونية في حسابات الأصوات الإنتخابية، لأنهم لم يجدو طريقة لضمان منع تزوير الأصوات بواسطة عندما تستعمل تلك الأنظمة، فما هي الطريقة التي تمتلكها المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات لضمان منع التزوير والتلاعب، ولا تمتلكها هولندا؟
هذا التأكيد من قبل السيد العبودي على سلامة الأنظمة الإلكترونية يقودنا بالضرورة إلى مراجعة تأكيدات سبق لرئيس المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات، السيد فرج الحيدري، أن قدمها في الإنتخابات الماضية حين قال في مقابلة في الشرق الأوسط .. «الكتل السياسية إذا لم تثق بالفرز الإلكتروني وبأجهزة الكومبيوتر التي لا تعرف الإنحياز إلى أية كتلة، وهي أصلا غير منتمية إلى أي حزب ولا تقبل الخطأ، فكيف لها (الكتل السياسية) أن تثق بالفرز اليدوي الذي يقوم به أشخاص لا نعرف انتماءاتهم؟». اليس غريباً أن رئيس مفوضية إنتخابات لا يدري بأن الحاسبة تقوم تماماً بما يريده كاتب البرنامج، وكيف أنه لم يسمع بوجود مئات منظمات المجتمع المدني تضم كل منها خبراء في الحاسبات تؤكد سهولة تزوير الأصوات عن طريق الحاسبات، والتي نجحت أخيراً بإقناع البرلمان الهولندي، ليس فقط بأن الحاسبات معرضة للتزوير، بل وأنه " لا توجد أية طريقة لحمايتها منه"، وأنه يمكن القيام بالتزوير حتى لا سلكياً وعن بعد وبدون دخول مركز إدخال البيانات، فقرر التوقف عن البحث واستبعاد الحاسبات نهائياً عن هذا الموضوع؟
وما دمنا في مراجعة ما حدث في الإنتخابات الأخيرة، والتأكد من أن أخطاءها لن تتكرر مستقبلاً، لنا أن نتساءل عن التأخير الكبير غير المعقول لإعلان نتائج الإنتخابات العراقية، والذي تم تبريره بشكل غير مقنع بتعقيد الإنتخابات العراقية وانخفاض المستوى التكنولوجي في البلاد، ونتساءل هل تم تجاوز هذه الحالة؟ وما هي التكنولوجيا اللازمة التي لم يكن العراق يمتلكها رغم اعتماده على نظام إلكتروني معقد كما تقول المفوضية؟ نشير هنا إلى أن أحد الصحفيين أشار إلى أن "المعارضة في الزيمبابوي احتجت على أن إعلان نتائج الإنتخابات قد تأخر "عدة ساعات" عن الوقت الذي يفترض فيه إعلانها، وأنها تعتقد أن هذا التأخير يمكن أن يستعمل في تزويرها. وتساءل الكاتب عن التكنولوجيا التي كانت تمتلكها زيمبابوي ولا يمتلكها العراق وتبرر هذا الفرق الهائل في سرعة إفراز الأصوات.
كذلك لنا ان نتساءل عن "إستحالة إعادة العد يدوياً" وأنها تستغرق عدة أشهر، في العراق دون غيره، كما ادعى السيد رئيس المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات حينها، وسؤالنا: كيف يمكن ان يتم العد، رغم تأخيره غير المفهوم، في فترة أقل بكثير من "إعادة العد"؟ وهل مازال النظام الذي تتبعه المفوضية، مهما كان هذا النظام، يجعل من إعادة عد الأصوات، عملية استحالة إعادة العد واستغراقها زمناً غير معقول، أم أنه تم تجاوز هذا الموضوع؟ إن كان الأمر كذلك فكيف؟ نذكر هنا أن منظمة تموز في ذي قار قد كلفت نفسها بحساب الأمر وتحملت مسؤلية الإعلان بأن "عملية اعادة العد اليدوي ليست مستحيلة" ضمن وقت قصير.
قبيل إنتخابات مجالس المحافظات السابقة قامت المفوضية باستخدام نظام "ألقرعة الإلكترونية" لإختيار موظفي مراكز تسجيل الناخبين، وأعلنت أن الأمر سيتم بحضور جميع وسائل الإعلام، التزاماً بالشفافية. وفي وقتها بين أحد الصحفيين من ذوي الخلفية العلمية في مجال الحاسبات أن "الحاسبات لا تعرف القرعة الحقيقية، وأن الأمر يعتمد تماماً على المبرمج والثقة به، وأنه بالإمكان برمجة الحاسبة لتقول ما يشاء المبرمج، وحتى البرنامج المعروف الذي ينتج رقماً عشوائياً في الحاسبة، فإنه ينتج "رقماً عشوائياً ظاهرياً" أو "كاذبا" (Pseudo random) وأنه يمكن السيطرة عليها أيضاً عن بعد، وأن وجود وسائل الإعلام لا يعني شيئاً على الإطلاق، ولذلك تستخدم القرعة الإلكترونية في الأمور التافهة نسبياً فقط على مستوى العالم." وقال أنه لا يمكن لحضور الإعلام في مثل هذه "القرعة" أن يعني شيئاً لأنهم لا يستطيعون أن يروا ما يحدث داخل الحاسبة وكيف يختار برنامجها الشخص المرشح، وإن كان ذلك عشوائياً أم عن قصد مبرمج، وأن الصحفي كتب رسالة إلى موقع المفوضية بهذا الخصوص. فهل تستند ثقة المفوضية بسلامة اختيار الحاسبة وعشوائيتها إلى سند علمي من جهة متخصصة؟ وهل تمت مفاتحة جهات علمية بهذا الشأن مثل وزارة العلوم والتكنولوجيا؟ ومن هي تلك الجهات؟
رغم كشف كل تلك الحقائق اتخذت بعض الجهات والشخصيات السياسية موقفاً لا يتناسب في تقديرنا مع هذه الحقائق الخطيرة. فهل يمكن وصف إيقاف كل هذه الخروقات الخطيرة ومن يقف وراءها بـ "خسارة لا يمكن تعويضها"؟ وهل يفترض بنا أن نحاكم الحقائق أم نستبعدها بادعاء ظني بأن "وراءها أهداف سياسية"، دون حتى مناقشة إن كانت تلك الحقائق صحيحة أم لا، وخطيرة ام لا؟ وإذا كان التحقيق الدقيق المؤسس على الأرقام والأسماء والتواريخ في مثل هذه المعطيات الهامة يعتبر من قبل البعض بـ "الإنفعالية" فكيف تجري الأمور "العقلانية" إذن؟ وإن كان بعض البرلمانيين يرى أن مثل هذه الأمور ليست مهمة، فما هي الأمور المهمة التي ينتظر الناخبون أن يراقبها البرلمان؟ وهل ان التحقيق الذي يستند على معطيات محددة "يؤسس لدكتاتورية" كما قالت إحدى الجهات السياسية، أم اعتبار شخص ما أو جهة ما فوق الشكوك وفوق التحقيق؟ وأية ديمقراطية تبنى على تجاهل الحقائق الخطيرة؟ وكيف يمكن "التريث" وتأجيل الموضوع "حتى حل المشاكل العالقة بين الكتل السياسية " الذي قد يستغرق إلى الأبد؟ وأية ديمقراطية أو شفافية تبقى، وأي انحدار ننحدر إن صار البرلمان يتخذ قراراته بالتصويت السري بعيداً عن أعين ناخبيه، كما يطالب البعض هذا اليوم للأسف؟
لا أدري لماذا كل هذا الخوف من مواجهة حقائق الفساد التي لا يمكن إنكارها، والهرب منها بالتجاهل والإستصغار والتأجيل والكلام المقلوب والإنكفاء إلى التصويت السري. لماذا كل هذا التردد أو الإمتناع عن حتى التفكير بسحب الثقة من المفوضية الحالية بشخوصها من بعض النواب، وكأن الديمقراطية لا تعيش بدونها، وأنها "القائد الضرورة" الجديد المقدس الذي لا يسمح بمسه أو الشك به، وكأن البلاد ستنهار إن تمت محاسبته ومواجهته؟
أيها السادة البرلمانيون، بين أيديكم لحظة حاسمة وخطيرة في مستقبل محاربة الفساد وتأسيس ديمقراطية حقيقية سليمة، لحظة قد تقرر مستقبل البلاد السياسي والإجتماعي، لحظة سوف يحكم الشعب من خلالها على من انتخبه بلا رحمة، فليكن حكمكم مدروساً ومؤسساً على الحقائق ومواجهتها وليس تجاهلها والبحث عن تبرير لذلك. القضية أمام ضميركم وأنتم وضميركم أمام الشعب في هذه اللحظة الحاسمة.