انصفوا جامعة بغداد
جامعة دبلنظهرت مؤخرا على مواقع الانترنت وفي عدد من الصحف مقالات يتألم فيها كتابها على وضع الجامعات العراقية وخصوصا جامعة بغداد وما آلت اليه من وهن وضعف في مستوياتها العلمية ومن نتائج متدنية في جداول التصنيف العالمي للجامعات، ويسترشدون بذلك الى تصنيف مؤسسة (ويبومتريكس) على الانترنيت. والنتائج التي اظهرتها مؤخرا هذه المؤسسة تشير الى حصول جامعة الكوفة على المرتبة 6097 وهي اعلى مرتبة تحصلها اية جامعة عراقية تليها بالتسلسل جامعة السليمانية وجامعة دهوك وجامعة الموصل وجامعة البصرة والجامعة التكنولوجية وهيئة التعليم التقني والجامعة الامريكية في السليمانية وجامعة كردستان واخيرا جامعة المستنصرية في المرتبة 13134. والمثير للدهشة وهو ما اشار اليه معظم الكتاب الا هو غياب جامعة بغداد من التصنيف بالرغم من انه يتضمن 20000 جامعة (ومعهد عالي وكلية تكنولوجية وكلية مجتمع Community College ). واحدى الرسائل تذهب الى حد القاء اللوم في غياب جامعة بغداد الى سوء الادارة والفساد والمحسوبيات..الخ وهو برأينا غير صحيح وفيه كثير من التحريض اللاموضوعي والتهجم لان ما يصح على جامعة بغداد يصح على الجامعات الاخرى نظرا لنظام الادارة المركزي لوزارة التعليم العالي.
ومن دون التقليل من اهمية حصول الجامعات العراقية على مرتبات عالية في اي تصنيف عالمي، واذ نهنئ هذه الجامعات وفي صدارتها جامعة الكوفة على هذه النتائج المشرفة، نشير الى ما هو مثير في الكتابات العراقية حول جامعة بغداد لانها اعتبرت تصنيف ويبومتركس بانه تصنيف معتمد لمستوى الجامعات العالمية من دون الاشارة الى اسلوبه غير التقليدي الذي يعتمد على حجم المواقع الالكترونية للجامعات، ومن حيث انه يهمل عدد من المعايير المهمة في قياس مستوى الجامعات كجودة التعليم، ومستوى اعضاء هيئة التدريس، وكثير من مخارج البحث العلمي، والجوائز التقديرية، وعدد الباحثين من المستوى العالمي (راجع مقالتي: كيف يصار للجامعات العراقية ان تتبوأ مراكز الصدارة بين الجامعات العالمية؟ تجد الرابط في اسفل المقالة). ولو تعرفنا قليلا على هذا التصنيف لما استغربنا غياب جامعة بغداد وعدد من جامعات العراق وحصول تلك التي ادرجت منها على مستويات متدنية في السلم.
وقبل ان نتطرق الى اسلوب ويبومتركس في تصنيفه للجامعات العالمية أود ان ابين ان جامعات فرنسا حصلت على المرتبة العشرين في التسلسل العالمي وتتقدم عليها كل من البرازيل وهونغ كونغ، وبأن جامعات السعودية احسن من الجامعات النيوزلندية والروسية والهنغارية واليونانية والايسلندية، فهل يمكن ان يعقل هذا؟ لربما، اذا اعتمدنا معايير معينة واهملنا أخرى. وهل يمكن لكليات مثل كلية وليمس في امريكا (Williams) وجامعة بلكنت (Bilkent) في تركيا ان تتفوق على جامعات مثل نيوكاسل او برونل او كرانفيلد في بريطانيا واوهايو في امريكا وبوردو في فرنسا. ولرب ما يثير اشد الاستغراب هو ان الجامعة الافتراضية في سوريا حصلت على المرتبة 6090 وهي درجة اعلى من مستوى جامعة الكوفة، فهل اذن لابد لنا قبول انها افضل من جامعة الكوفة او جامعة بغداد؟
نظام ويبومتركس لتصنيف جامعات العالم هو نظام يعتمد على حجم محتويات الويب للجامعة (عدد صفحات الانترنت والملفات) ووضوح وتأثير هذه المنشورات على شبكة الانترنت وفقا لعدد من الصلات الداخلية والخارجية (الاستشهادات في مواقع اخرى)، ويصدر هذا النظام مختبر Cybermetrics ضمن المجلس القومي الاسباني للبحوث. والهدف من التصنيف هو تحسين وجود ووضوح المؤسسات الاكاديمية على شبكة الانترنت، وتعزيز النشر المفتوح للنتائج العلمية. والنموذج الذي يعتمده هذا النظام يعتمد على تقييم وزن المواد المنشورة من قبل الجامعة على صفحتها الالكترونية وذلك بمنح 20% من الوزن الى عدد صفحات الويب و 15% الى الملفات بشكل pdf, doc, ppt و 15% الى عدد الاوراق او البحوث المشار اليها في غوغل سكولر (Google Scholar)، اما 50% الاخرى فتمنح الى ما يسمى بالوضوح (visibility) ويعني ذلك عدد الاشارات الاخرى والروابط التي يحصل عليها الموقع من المواقع الاخرى كدلالة على اهمية المنشورات (site link citations). وفي هذا الاسلوب كثير من التحيز لانه لو افترضنا بان جامعة ما وضعت على صفحاتها خبرا او بيانا او بحثا (او حتى فضيحة) يثير الاهتمام فان الكثير من المواقع العالمية ستنقل هذا الموضوع مما يؤدي الى زيادة عدد الاشارات وبمعنى الويبومتركس "الوضوح".
من هذا يتضح ان الجامعة التي ليس لديها موقع الكتروني او تلك التي لا تهتم بحجم ونوعية موقعها الالكتروني لا تحصل على علامات عالية. ولان الجامعات العالمية ذو المستويات العالية خصوصا الامريكية منها تهتم بمواقعها الالكترونية وترتبط الاشارة الخارجية لمنتجاتها العلمية بمستواها العلمي الحقيقي نرى تصدر هذه الجامعات الرصينة لهذا التصنيف كما هو عليه في التصنيفات الاخرى. وهذا التبرير قد يجيب على السؤال: لماذا تغيبت جامعة بغداد من هذا التصنيف؟ هل يعقل ان هذه الجامعة العريقة التي تخرج منها الالاف من العلماء والمهندسين والاطباء والمفكرين لا تجد مكانا في تصنيف ضم حتى كليات تقنية من افريقيا؟ الجواب يكمن في انعدام او ضعف الموقع الالكتروني، فانا ولفترة طويلة في الماضي لم ارى موقعا الكترونيا للجامعة، لذا وحتى ان كنت مخطأ فان صعوبة الوصول الى الموقع قد يكون السبب في عدم معرفة الويبومتركس بالجامعة. جامعة بغداد بدأت تهتم بموضوع النشر الالكتروني، وما يدل على ذلك هو موقعها الجديد (انظر الرابط في اسفل المقالة)، ولابد ان يساعد هذا التطوير في دخول جامعة بغداد في التصنيف القادم للويبومتركس.
ادرج في النهاية بعض الملاحظات والاقتراحات لتحسين اداء الجامعات في تصنيف الويبومتركس.
1- لا تترك الموقع لفترة طويلة بدون تجديد وزيادة في الحجم.
2- انشر كل البحوث والمختصرات والاوراق العلمية للتدريسيين بشكل (pdf) ضمن صفحات خاصة لكل واحد منهم داخل الموقع الالكتروني للجامعة.
3- تجنب انشاء اكثر من موقع واحد للجامعة وللعاملين فيها.
4- على الجامعة ان تقوم بتشجيع النشر الالكتروني وذلك بوضع كل ما له علاقة بالتدريس والبحث العلمي والقبول واخبار العاملين ونشاطاتهم العلمية ومنشوراتهم واكتشافاتهم وكل ما هو ملائم على موقعها الالكتروني، وان تهتم بهذه الاخبار بصورة اكثر من الاهتمام باخبار اللقاءات الرسمية وزيارات المسؤولين لان هدف الموقع الجامعي ليس كهدف الجريدة.
5- الاشارة في موقع الجامعة الى الاخبار العلمية المنشورة على مواقع الجامعات العراقية الاخرى.
6- ارسال الاخبار العلمية للجامعة الى المواقع العالمية التي تهتم بالنشر العلمي والاكاديمي.
7- الاتصال برقيب الويبومتركس للاعتراض على عدم وجود الجامعة او ضعف تسلسلها في السلم.
واخيرا احب ان اوضح انه ليس من الصحيح ان يكون الوصول الى مرتبة عالية في التصنيفات العالمية هدفا بحد ذاته، فالجامعات لا تتقدم بطلب المنافسة للحصول على مرتبة عالية وانما تصل الى هذه المراتب المتقدمة نتيجة عدة عوامل اهمها العمل المثابر ولسنين عديدة في اعداد خريجين أكفاء مؤهلين علميا ومهنيا تأهيلاً عاليا، وفي تطوير طرق التدريس، وزيادة امكانيات التشغيل والادماج المهني للخريجين، وتحسين نوعية مخارج البحث العلمي، وعدم السماح لهيمنة الشعارات والإنشائية، واغراق مشاريع اصلاح التعليم العالي والجامعات في تفاصيل جزئية شكلية.
روابط ذات علاقة:
http://www.akhbaar.org/wesima_articles/articles-20100519-90415.html
http://www.uobaghdad.com/