بسم الله الرحمن الرحيم
جملة جميلة يفتتح المسلمون بها معظم مواقفهم، سواء كانت في القراءة أم الكتابة، بأمور دينية أو دنيوية، وهذا يعتبر نقطة إلى جانبهم، ومن حُسن الخِصال والتصرف، لكن موضوعنا عن التامل أو التمعن بمعاني هذه الجملة الجميلة وأين نحن من تطبيقها؟ سواء كانت أفرازاتنا إلى جانب الخير أو الشرّ، فالأمور نسبية وتعتمد على الآخرين وقياساتهم، لكننا رغم كل ذلك علينا أن نقرأ ونفهم ونشرح على الأقل من وجهة النظر الشخصية.فالله هو الخالق، وهو الأعظم وهو الأكبر وهو القمة في كافة المقاسات والمواصفات التي تضعها البشرية لأمورنا الدنيوية، فإن تكلمنا عن العظمة وإن تكلمنا عن القدرة فهو الأقدر، وإن كان كلامنا عن الحب فهو المُحب الأكبر كونه عجَن من التربة البسيطة عجينا وجعل منه إنساننا الحالي بمواصفاته المعقدة وهو الكامل وهو المطلق و و ... حتى وصلت صفاته إلى أل (99) إسما أو صفة ولازال الإنسان يبحث عن الاسم المائة لكي يكون مستحقا دخول الجنة!!!.
لذلك فالإنسان يلجأ إلى هذه القدرة الهائلة التي لا حدود لها لكي يبتديء عمله .. قوله .. مشواره .. صلاته وأي فعل آخر يصدر من إنسان مؤمن يلجأ إليه تعالى ليتبارك به ولينتظر منه العون والدعم لخطواته اللاحقة.
وهذه الجملة تقرن به تعالى صفتين لا غير؛ وهي (الرحمن) و (الرحيم) وهاتين الصفتين مهمتان لأنهما تجمعان جلَّ صفات الرب لأن لولاها لتجردت كل الصفات الأخرى من معانيها ولأصبح إلهنا: متعجرفا .. قاسيا .. يعمل لذاته .. وحاشى له تعالى أن يكون هكذا كونه أحب الإنسان وتعب (إن صحّ تعبيرنا البشري) في تصويره وخلقه على صورته ومثاله، فالبشر بالنسبة إليه ليسوا سوى بمثابة الأولاد لأبٍ، والأب يضحّي ولا يمل أو يتعب من عمل ما يستطيع فعله من أجل أولاده، يجوع ويعطش لكنه يريد لأولاده الشبع والارتواء، يعمل بجهد كبير كي يوفر لقمة العيش .. يتشقق جلد أرجله ويأوي إلى فراشه وجسمه يئن من التعب، لكنه بملاحظة بسيطة عن أحد أولاده فرحا مسرورا ينسى كل شيء وكأنه لم يفعل شيئا ولم يتعرض للتعب أو الارهاق.
هكذا ربنا لم يبخل بشيء من أجل الانسان، وعمل كل شيء في هذه الأرض من أجله، خمسة أيام من عمر الخليقة أمضاها في تهيئة الأرض لقدوم الإنسان، وصنع فيها اليابسة والبحر والشمس والنجوم وطيور السماء وأسماك البحر، حيوانات البرية وأشجارها، لكنه وجد في الآخر أن كل هذا ناقص لأن المركز غير موجود الذي هو الإنسان، فكان اليوم السادس الذي شهد ولادة آدم وحواء الذين عملوا واجتهدوا... تناسلوا إلى الدرجة التي نحن عليها اليوم.
والبشر تماما كما نحن اليوم عرضة للاجتهاد والنجاح او السقوط والفشل، وهذا هو المصدر الذي يقودنا إلى الألم والحسرة، وإلى ما نسميه اليوم بلغتنا المعاصرة (الشرّ) ورغم أنه ليس وليد اليوم لأنه ابتدأ منذ أن كان البشر عائلة صغيرة لا يتجاوز أفرادها أصابع اليدين بقتل قائين لأخيه هابيل، ومن هناك وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم.
ورغم ما فعله الله لنا من إرساله للرسل والأنبياء وإلهامِه لهم بكتابة تعاليم إلهية وإرشادات نسميها اليوم بالكتب المقدسة وبديانات أصبح لها مُسميات مختلفة وحسب المرسلين الذين اختارهم الله، لكن الإنسان دائما يعود إلى ما فعله أجداده، وكان الطبع لا يغلب التطبع كما يقولون، لنجد إنسانا يظلم أخاه الإنسان ... يعذبه ... يسلبه تعبه ... يقتله!!! وكأننا في غابة لم تؤثر فينا كل هذه الرسالات والتعاليم السماوية والكتب العظيمة!!! ولكننا رغم ذلك نجد الخير موجودا، ونجد الأولياء الصالحين والقديسين والذين هادوا والذين يفعلون الرحمة ليسوا بقليلين ومن أجل هؤلاء تستمر البشرية بالحياة، ونجد الله يكظم غيضه علينا ويغدق علينا بوافر نعمه آملا أن نرعوي ونعود إلى جادة الصواب وننبذ الشر ونختار جادة الصواب بديلا عنها، أليس هو أرحم الراحمين؟
من هذا ووصولا إلى ما اخترناه عنوانا لمقالنا؛ الجملة الأشهر في المحيط الإسلامي نصل لمرحلة تسليط الأنوار على الجانب المظلم من الحياة التي يعصف بها الشر ويحاول خنق حزم الضوء المشعة هنا وهناك بغية أحلال الظلام الدامس وكي تعبث الخفافيش في الليل كما تشاء حيث في الظلام تنطلق غالبا الوحوش والحيوانات المفترسة وغير المحبوبة على الأقل مثل (البوم) وفي الظلام تختار الذئاب كي تنهش فريستها وتوقع بها، كما يختاره أيضا أولاد الحرام كي ينجزوا فعل السرقة والقتل وإلحاق الأذى بالآخرين.
لكننا نبتديء دائما باسمه تعالى: الرحمن الرحيم ويقول الحكماء حتى السارقون يتوكلون عليه ... لنجد اليوم من يذبح أخيه الإنسان وهو متكل على الله!!! فكيف للرحمن الرحيم أن يرضى لفعل كهذا وأن يتم ممارسته تحت غطاء اسمهِ أو بالاتكال عليه؟ فهل يعطي الأب ابنه الذي يطلب منه سمكة، يعطيه (حية)؟ أو يطلب خبزا يعطيه حجارة؟ فمثلما نحن نوفر الخبز (المأكل والمشرب) لأولادنا ونحن المحدودين الضعفاء!!! فكيف به تعالى الذي هو مطلق الرحمة ورحمن دون حدود؟
تمعن بسيط بهذه المعاني يوفر لنا عناءا كبيرا ... يوفر أو يحقن ألما عظيما نعاني منه، صحيح ان هناك من قال ان الدنيا تؤخذ غلابا!! لكن بأن أحافظ على المعاني الإنسانية، أو أوفر دماء البشر، وأن احافظ على مقتنياتهم ولا أشتهيها وأن أكون عونا للآخرين ونكون معينين بعضنا لبعض، أن نعيش أخوة متكاتفين إن لم نكن بالدين فبالانسانية، وأن نضع السيف والبندقية جانبا ونجعلها الاحتياط عندما يحاول الأشرار من المَساس بنا، ونتحزم بالقلم والعلم والمعرفة لأن بها سنتقدم إلى أمام وسيكون العلم سلاحنا الذي يرفع من شأننا كأمة ونفرض احترامنا على الأمم الأخرى ويكون السيف حارسنا والبندقية محامية عنا ممن بقي يحاول العيش على جهود الآخرين ...
فهو الرحمن الرحيم الذي نتكل عليه وبه نستعين لكن على الخير وليس على الشر وسيكون معنا ولن نخزى أبدا.
بغداد .. عبدالله النوفلي