Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

تمرينات لتقوية العضلات الفارغة للديمقراطية

ردد "مارتن لوثر كينج" جملته الشهيرة: "أعطونا حق الانتخاب"، ونجح نضاله في تسجيل خمسة ملايين من الأفارقة الأمريكيين في سجلات الناخبين حتى وصل بعد عقود كثيرة من الزمن "أوباما "- أول أمريكي من أصل أفريقي- إلى منصب الرئاسة.

كان الأفارقة يتفاعلون مع كينج ليس لأنه أفريقي مثلهم وحسب، بل لأنهم يمتلكون الرغبة في تغيير واقعهم الرديء في القضاء على التفرقة العنصرية التي تجعلهم في مؤخرة المجتمع لدرجة أن يجبرهم البيض على الجلوس في المقاعد الخلفية للحافلات!.

تمكن "كينج" من إقناع الإنسان ذو البشرة الداكنة بأن يتخذ له رأيا في التخطيط لمستقبله وأشعره بأهمية طرح هذا الرأي بوضوح وبصورة عملية. وصار لزاما على من يشعر برغبة في التغيير على تذكر أن رغبته لن تتحقق إلا من خلال صناديق الاقتراع.

والآن أيها السياسيون وبعد أن أصاب شعبنا الخذلان من أداء أغلبكم في الفترة السابقة ، وبعد يأسه من حصول معجزة لتحسين واقعه الخدمي وفقد الرجاء من دول الجوار أو جامعة الدول العربية أو دول مجلس التعاون الخليجي أو دول المؤتمر الإسلامي أو المحتل - الذي شرب كأسه وأفرغ ما في معدته من قيء مسموم على أرضنا- فقد آن الأوان للعمل على حشو حقيقي لمحتوى الديمقراطية الفارغ في بلادنا.

فهل يجوز لفرقة إطفاء أن تستدعى لإنقاذ البشر بسبب حريق شب في بناية كبيرة دون أن تتمرن تلك الفرقة وهؤلاء السكان على وسائل الإطفاء والإنقاذ؟ كيف سينجح ركاب الطائرة المنكوبة في استخدام الأقنعة ومستلزمات الأمان الأخرى المهمة في حالات الطوارئ إن لم توضح لهم المضيفة الجوية طرق الإستعمال قبل الإقلاع ؟ هل سمعتم يوما بفريق رياضي عريق يلعب مباراته النهائية الحاسمة دون أن يتدرب؟!

هذا بالضبط ما يحدث في العراق وبقية الدول حديثة الديمقراطية، حيث نطلب من السكان إنقاذ أنفسهم ونحثهم على التوجه إلى المكان الذي لم يألفوه بعد ( مركز الاقتراع ) وكأننا نحث سكان المبنى الذي شبت بطوابقه النار على الهروب دون أن نعلمهم مسبقا أن هناك سلما خلفيا للطوارئ وندربهم مسبقا على فتح أبوابه أو كيفية النزول أو الإنزلاق عليه ، ولن نلومهم طبعا لو أغفلوه تماما لأننا لم نحدثهم عنه أصلا. وشعبنا الآن وهو مقبل على الانتخابات البرلمانية كأنه ركاب تلك الطائرة المنكوبة الذين لا يعرفون كيف يحمون أنفسهم أمام الكارثة لأننا لم نسد لهم النصح قبل الإقلاع ولم نوضح لهم أين تقع أبواب الطوارئ وكيفية الوصول أليها بهدوء وحكمة. وأيضا شعبنا حينما سيتوجه لصناديق الاقتراع كذلك الفريق الذي لم يتدرب على كيفية حسم المباراة لصالحه فصار كل فرد من أفراده يلعب على هواه، أو لم يذهب أصلا للانتخاب كذلك اللاعب الذي وقف حائرا بعد أن فقد لياقته البدنية في أول خمس دقائق من وقت المباراة لأن مدرب اللياقة لم يمرن عضلاته بالشكل اللائق !

الإصلاح السياسي لن يتم ونحن نقف وقفة المتفرج، بل في صنع ثقافة جديدة تجعل من الإنتخابات ممارسة مطلوبة رغم ما تحتاجه من وقت ومزاج وجهد كالوقت والمزاج والجهد الذي يفرضه علينا ذهابنا إلى حكيم الأسنان تفاديا لألم الضرس. فحتى الآن لا نجد مشاركة حقيقية للمواطن وأبناء العامة في أية انتخابات جارية على الساحة لا في انتخابات النقابات ولا الإتحادات ولا الهيئات المستقلة ولا حتى الإستفتاءات الشعبية أو استبيانات الرأي.

تدريب المواطن على أن يكون له رأي ومن ثم تدريبه على الممارسة الديمقراطية لابد أن يبدأ من المدارس الإبتدائية بتطبيع التلاميذ وخلق أجواء انتخابية لانتخاب التلميذ المميز مثلا ثم تتطور العملية في المراحل الدراسية المتقدمة لاختيار ممثل الصف وثم أعضاء اتحاد الطلبة، أو في انتخاب المجالس البلدية وهكذا في كل التجمعات الشعبية بحيث يصبح لجوء المواطنين لانتخاب من يمثلهم وتجمعهم حالة تشبه إلى حد كبير الاحتفال بالأعياد الدينية والقومية.

على الأحزاب السياسية الآن أن تروج للإنتخابات وتحث الناخبين للإدلاء بأصواتهم قبل أن تروج لنفسها، لأن نيلها للفوز لن يمنع أن يسجل التاريخ أنها فازت والغالبية العظمى من أبناء الشعب لم تتوجه إلى الإنتخابات وذلك بالتأكيد لن يكون لها مصدر فخر لأنها قد نالت الفوز بلا تأييد جماهيري كبير يدعم مسيرتها خلال فترة حكمها المقبلة.

يقولون إن نموذج الديمقراطية السيئ في العراق صار درسا لشعوب المنطقة في أن لا تبحث بعد الآن عن الديمقراطية فغايتها- بعد ما حدث في العراق- استتباب الأمن فقط ولذلك هي راضية بحكامها..فهل سيغير العراقيون هذا النهج السلبي ليسجل لهم التاريخ صفحة جديدة تضاف إلى منجزاتهم التاريخية في المنطقة؟!

Amir.ramzi1@yahoo.com
Opinions