Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

ثورة 14 تموز في نهوضها وانتكاستها واغتيالها / الحلقة الرابعة

21/10/2009

المهمات التي أوكلها المندوب السامي لحكومة الملك فيصل
كان في مقدمة المهام الموكلة بهذه الحكومة هي التفاوض مع البريطانيين، لوضع معاهدة عراقية بريطانية، تستطيع بريطانيا من خلالها تأمين مصالحها في العراق، وربط مصائر العراق السياسية والاقتصادية، والعسكرية بالإرادة البريطانية.
كان الشعب العراق يترقب ما سوف تسفر عنه تلك المفاوضات، ومصير الانتداب البريطاني الذي فرضته عصبة الأمم على البلاد بناء على طلب بريطانيا نفسها.
وفي الوقت نفسه نظم الأهالي في معظم المدن العراقية، وبشكل خاص مدن الفرات الأوسط، عرائض تطالب الملك برفض الانتداب البريطاني، وتطالب بإطلاق حرية الصحافة لكي تستطيع الأمة التعبير عن رأيها عبرها بكل صراحة.
لكن خطاب المستر تشرشل وزير المستعمرات البريطاني في مجلس العموم في 23 أيار 1922، والذي أدعى فيه أن الشعب العراقي لم يعارض الانتداب البريطاني، أثار حماس أبناء الشعب وغيظهم، فخرجت جماهير الشعب الرافضة للانتداب في مظاهرات صاخبة يتقدمها عدد من الشخصيات الوطنية كان من بينها كل من الشيخ محمد الصدر، والشيخ مهدي الخالصي، وياسين الهاشمي، ومهدي البصير، والشيخ احمد الداؤد، وحمدي الباجه جى. (21)
توجهت المظاهرة إلى مقر الملك فيصل لتعبر عن سخطها واستنكارها لتصريحات تشرشل، وطلب قادة المظاهرة مقابلة الملك فيصل للتعبير له عن رفض الشعب العراقي للانتداب ومطالبته بالحرية والاستقلال الحقيقي.
وافق الملك على المقابلة شرط تفرق المظاهرة، وبالفعل تفرقت المظاهرة، وتمت مقابلة الملك، وعرضت عليه مطالب أبناء الشعب، ووعد الملك بأنه سوف لا يقدم على أي خطوة لا يرغب بها الشعب.
وبعد المقابلة طيرّ الزعماء الوطنيون برقيات إلى عصبة الأمم، والكونجرس الأمريكي، ومجلس العموم البريطاني، والصحف العالمية، معلنين فيها رفض الشعب العراقي للانتداب ومطالبته بالاستقلال الناجز،
والتحرر من ربقة الاستعمار الجديد.
أما أبناء الفرات الأوسط فقد طيرّوا برقية إلى الملك فيصل تطالب برفض الانتداب، وإسقاط أي وزارة تصدق على المعاهدة، وإطلاق حرية الصحافة وجاء في البرقية ما يلي: (22)
جلالة الملك فيصل الأول، دامت سلطته:
نطلب من جلالتكم تنفيذ المواد التالية:
1ـ رفض الانتداب، ونطالب بريطانيا بالاعتراف بإلغائه رسمياً.
2ـ إسقاط أية وزارة تصدق معاهدة غير مرضية بنظر الأمة، وتعيين وزارة وطنية تطمئن الأمة بأعمالها.
3 ـ إزالة أي سلطة أجنبية على الحكومة العراقية.
4 ـ إطلاق حرية الصحافة.
هذه هي رغائب الأمة، وبما أن الأحوال الحاضرة مخالفة لرغائبها بادرنا بعرضها على جلالتكم لتكون الأمة معذورة بنظركم والأمر لوليه، أدام الله شوكتكم. (23)
كما طيروا برقية أخرى إلى المندوب السامي البريطاني جاء فيها:
فخامة المعتمد السامي لحكومة بريطانيا العظمى المفخم :
نعرض لفخامتكم حسبما وعدت حكومة بريطانيا العراقيين بحكومة دستورية ديمقراطية يرأسها ملك عربي، وبذلك بايعت الأمة العراقية على اختلاف طبقاتها جلالة الملك فيصل ملكاً عليه، وقد أكد ذلك جلالة ملك بريطانيا في برقيته التاريخية بمناسبة تتويج الملك فيصل الأول.
إننا لا ننكر صداقة حكومة بريطانيا العظمى، صداقة خالية من المحاباة وبما أن فخامتكم يمثل حكومة بريطانيا العظمى نود أن نوقفكم على رغائب الأمة التي لا يمكن التنازل عنها مهما كلف الأمر، وهذه المواد هي:
1ـ رفض الانتداب، ونطالب بريطانيا بالاعتراف بإلغائه رسمياً.
2ـ إسقاط أية وزارة تصدّق معاهدة غير مرضية بنظر الأمة، وتعيين وزارة وطنية تطمئن الأمة بأعمالها.
3ـ إزالة أي سلطة أجنبية على الحكومة العراقية.
4ـ إطلاق حرية الصحافة.
هذه هي رغائب الأمة، وبما أن الأحوال الحاضرة مخالفة لرغائبها بادرنا بعرضها على جلالتكم، لتكون الأمة معذورة بنظركم والأمر لوليه، أدام الله شوكتكم}. (24)
ضاق الملك فيصل ذرعاً بأساليب المعتمد السامي البريطاني، وما سببه من هيجان شعبي، أدى إلى استقالة الوزارة، فكتب إليه مذكرة أستعرض فيها خطورة الأوضاع، وطلب أحد أمرين، فإما أن يأخذ على عاتقه باسم بريطانيا مسؤولية البلاد، ويطبق سياستها بحزم وجد لتخليصها من الخطر المحدق، والخراب الذي يهددها، وإما أن يترك المسؤولية له، أي[الملك فيصل]، ويطلق يديه لتدبير الأمور على الخطة التي يرى بها إنقاذ البلاد وسلامتها. (25)
لكن المندوب السامي أتهم الملك بالمسؤولية في تردي الأوضاع، وكتب إلى وزير المستعمرات [ تشرشل] يقول فيها:
{إن المسؤولية الكبرى عن تدهور الوضع الحالي تقع على عاتق الملك نفسه، وأن الطريقة المثلى لمعالجة الموقف هو أن تقوم الحكومة العراقية بالتشاور معي حول الخطوات التي تتخذها، وإذا ما أهملت استشارتي فأني مستعد للتشاور مع قائد القوات المسلحة لاتخاذ التدابير الضرورية لمعالجة الأمر}!!. (26)
أراد الملك فيصل أن يجري تغيراً حقيقياً في الحكومة بعد استقالة وزارة النقيب التي نالت استياء أبناء الشعب بسبب موالاتها المطلقة للمندوب السامي، إلا أن المندوب السامي طلب من الملك أن يكلف النقيب مرة أخرى بتأليف الوزارة الجديدة، وأن يكون أكثر أعضائها من الوزارة المستقيلة المتعاطفين مع الحكومة البريطانية.
لم يكن الملك فيصل، وهو في بداية أيام حكمه قادراً على تحدي إرادة المندوب السامي، فاضطر إلى تكليف النقيب مرة أخرى بتأليف الوزارة، وكانت المهمة الأولى لهذه الوزارة هي توقيع المعاهدة العراقية البريطانية، وقد مارس المندوب السامي ضغوطاً شديدة على الملك فيصل لإعادة تكليف رئيس الوزارة المستقيل [عبد الرحمن النقيب] بتأليف الوزارة من جديد، وطلب منه اختيار الوزراء الذين يوافقون مسبقاً على الخطة السياسية التي وضعتها الحكومة البريطانية .(27)
كما طلب منه العمل على تصديق المعاهدة المنوي إبرامها بين الحكومتين البريطانية والعراقية، وإجراء الانتخابات للمجلس التأسيسي والمصادقة على القانون الأساسي [ الدستور]، وضمان التصديق على المعاهدة العراقية البريطانية [معاهدة 1920]، وقد تمت مصادقة مجلس الوزراء على المعاهدة في 13 تشرين الثاني 1922. (28)
وما كادت الحكومة العراقية تنتهي من إقرار هذه المعاهدة في 13 تشرين الأول 1922 حتى استصدرت إرادة ملكية في 19 تشرين الأول 1922 تقضي بانتخاب مجلس تأسيسي لكي يقوم بإقرار المعاهدة المذكورة، وإقرار دستور دائم للبلاد [القانون الأساسي]،مستغلة الضربة التي وجهها المندوب
السامي للمعارضة العراقية.
لكن ذلك لم يمنع من قيام الاحتجاجات الواسعة من قبل أبناء الشعب ورجالاته الوطنيين ورجال الدين، حتى أن الأمام الخالصي أعلن أمام جموع حاشدة من المواطنين عن تخليه عن مبايعة الملك فيصل بسبب موقفه من المعاهدة.
كما أصدر علماء الدين في النجف والكاظمية فتاوى شرعية تحرم الاشتراك في الانتخابات المزمع إجراؤها لأجل إقرار المعاهدة.
كما حذا حذوهم رجال الدين السنة، وأصدروا الفتاوى بمقاطعة هذه الانتخابات.
ونتيجة للمعارضة العارمة من قبل الشعب لبنود المعاهدة التي كبلت بها بريطانيا العراق بقيود ثقيلة جعلته عملياً خاضعاً لمشيئتها، اضطرت وزارة عبد الرحمن النقيب إلى الاستقالة في 16 تشرين الثاني، دون أن تحقق المهام الموكلة بها، وقد قبل الملك فيصل الاستقالة، وكلف السيد عبد المحسن السعدون بتأليف الوزارة الجديدة في 20 تشرين الثاني 1922.
كان على الحكومة السعدونية تنفيذ المهام الموكلة لها بانتخاب المجلس التأسيسي، وإقرار المعاهدة، وإقرار القانون الأساسي، وقانون الانتخاب، ومن أجل تنفيذ هذه المهام فقد كان على الحكومة أن تهيئ الأجواء التي تمكنها من تنفيذ هذه المهام بعد تلك الموجة العارمة التي اجتاحت العراق احتجاجاً على بنود المعاهدة التي وقعتها حكومة النقيب مع المندوب السامي البريطاني [ بيرسي كوكس]، وذلك عن طريق توجيه ضربة قاصمة للقادة الوطنيين المعارضين للمعاهدة، ولرجال الدين في النجف وكربلاء، الذين وقفوا بصلابة ضدها.
فقد قبضت السلطات الحكومية على الشيخ [مهدي الخالصي ] وولديه في 27 حزيران 1923 ونفتهم خارج العراق، كما نفت قريبيه الشيخين [علي تقي] و[سلمان الصفواني] وعطلت الحكومة عدد من الصحف المعارضة للمعاهدة، وقامت بحملة إرهاب للمواطنين لحملهم على المشاركة في الانتخابات المزمع أجراءها، والتي كان المندوب السامي يلح على إجرائها بأسرع وقت لغرض إقرار المعاهدة.
أثار عملية إبعاد الشيخ الخالصي وولديه وقريبيه موجة احتجاجات عارمة من قبل رجال الدين في النجف وكربلاء الذين هاجموا إجراءات الحكومة، وطالبوا بعودتهم إلى العراق.
غير أن الحكومة بدلاً من أن تستجيب لمطالبهم واحتجاجاتهم أقدمت على إبعاد ما يزيد على 30 رجل دين أخر منهم إلى إيران، ووضعت تحت مراقبة الشرطة أكثر من 50 آخرين، وأشاعت جواً من الإرهاب في جميع
أنحاء البلاد.
أما الأحزاب السياسية فقد اختلفت في مواقفها من الانتخابات، حيث قرر حزب[النهضة] الوقوف على الحياد، فيما انشق [ الحزب الوطني ] على نفسه، حيث دعا القسم الأول إلى الاشتراك في الانتخابات، فيما دعا القسم الثاني إلى مقاطعتها.
أما [الحزب العراقي الحر] فقد قرر بادئ الأمر الاشتراك في الانتخابات ثم عاد بعد ذلك وقرر المقاطعة في 19 آب، غير أن العديد من أعضائه رشحوا أنفسهم في الانتخابات كمستقلين، وفازوا في الانتخاب، وكان من بينهم [ فخري الجميل ] و[ مجيد الشاوي ] و[جميل الزهاوي] و[حسن غصيبة ] .
أما الحكومة فقد مضت في خطتها لإتمام عملية الانتخاب، على الرغم من المعارضة والمقاطعة الواسعة، وتمكنت من أن تنجز انتخاب [المنتخبين الثانويين] إلا أنها لم تستطع إكمال الشوط إلى النهاية بسبب موجة الغضب الشعبية العارمة ضد الأساليب التي اتبعتها الحكومة في انتخاب المنتخبين الثانويين من جهة، واتهام المندوب السامي البريطاني للحكومة بالتلكؤ وعدم الإسراع في إنجاز الانتخابات، مما اضطر الحكومة إلى تقديم استقالتها إلى الملك.
أثار تباطؤ عمل الوزارة السعدونية في إتمام إنجاز الانتخابات للمجلس التأسيسي، وإقرار المعاهدة العراقية البريطانية حفيظة المندوب السامي وبدأت الضغوط على الملك فيصل تنهال لإقصاء الوزارة السعدونية، التي جرى اتهامها بالتسبب في الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، واتخذ الملك فيصل ذلك ذريعة لتوجيه اللوم إلى الحكومة على تدهور الأوضاع المعيشية للشعب.
فهم السعدون ما يدبره المندوب السامي، فأسرع إلى تقديم استقالة حكومته إلى الملك فيصل في 15 تشرين الثاني 1923، حيث قبلها الملك على الفور وكلف السيد جعفر العسكري بتأليف وزارة جديدة، وتم تأليف الوزارة في 22 تشرين الثاني 1923، وقد وضعت أمامها تنفيذ المهام التالية:
1 ـ إكمال الانتخابات للمجلس التأسيسي .
2 ـ إقرار المعاهدة العراقية البريطانية .
3 ـ إقرار القانون الأساسي ( الدستور ) .
4 ـ إنهاء مسألة الحدود بين العراق وتركيا .
5 ـ إكمال الملاحق المتممة للمعاهدة العراقية البريطانية، والتي لا يزال البحث فيها مستمراً.
عينت الحكومة يوم 25 شباط 1924 موعداً لإكمال أجراء انتخاب المجلس
المجلس التأسيسي، وجرت الانتخابات في موعدها المقرر، واستطاعت الحكومة المجيء بمجلس يضمن الأكثرية لها، حيث جرت الانتخابات كما هو مخطط لها سلفاً، ورأت الحكومة أن لا يخلو المجلس من عدد من المعارضين لكي تستطيع القول أن الانتخابات قد جرت بجو من الحرية التامة، ولكن الحقيقة أن أسماء النواب الفائزين كانت قد أُعطيت للمنتخبين الثانويين قبل الانتخاب، فجاء المجلس بالشكل الذي أرادته الحكومة والمندوب السامي لإضفاء الشرعية على المجلس أمام الشعب، وأمام عصبة الأمم. وكانت حصة الحكومة في هذه الانتخابات 70 نائباً من مجموع 84 نائباً .
وفي 27 آذار صدرت الإرادة الملكية بدعوة أعضاء المجلس التأسيسي للاجتماع في قاعة [ سينما رويال] التي استأجرت لهذا الغرض، لعدم وجود بناية مخصصة للمجلس آنذاك، وجرى الافتتاح باحتفال كبير ضم أركان السياسة العراقيين والبريطانيين، وألقى الملك فيصل خطاب العرش، واعتبرت الحكومة ذلك اليوم عطلة رسمية، كما أصدرت عفواً عن عدد كبير من المساجين، وأطلقت سراح عدد أخر من الموقوفين.
ترأس الجلسة رئيس الوزراء جعفر العسكري في بادئ الأمر، ثم جرى بعد ذلك انتخاب رئيس المجلس، حيث أنتخب عبد المحسن السعدون رئيساً له، بضغط من [المس بيل] .(29)
كما جرى انتخاب اللجان المختلفة، وديوان الرئاسة.
حدد الملك فيصل في خطاب العرش المهام الملقاة على عاتق المجلس التأسيسي والمتضمنة ما يلي :
1 ـ البت في المعاهدة العراقية البريطانية وإقرارها.
2 ـ مناقشة وإقرار القانون الأساسي.
3 ـ سن قانون الانتخاب لمجلس النواب.
وفي 2 نيسان 1924 قدم رئيس الوزراء [ جعفر العسكري ] المعاهدة العراقية البريطانية مع البروتوكول المرفق بها، والاتفاقيات المتفرعة عنها إلى المجلس التأسيسي طالباً منه إقرارها، وحاول رئيس الوزراء تبرير ضرورة إقرار المعاهدة بصورة مستعجلة بحجة تمكين بريطانيا من إدخال العراق إلى عصبة الأمم، وتأمين الاستقلال الوطني، وحسم مسألة الحدود العراقية التركية، وقضية ولاية الموصل، التي سعت تركيا بكل جهودها لضمها إلى تركيا، واستخدمت بريطانيا هذه المشكلة وسيلة ضغط على الحكومة العراقية لقبول المعاهدة المفروضة على العراق، وهذا ما أعلن عنه بصراحة أمام المجلس السيد[ عبد المحسن السعدون ] رئيس المجلس، رداً على اعتراضات النواب الوطنيين حيث قال:{ أيها السادة: إن الانكليز
مصرون على ربط قضية الموصل بتوقيع المعاهدة، فإما إقرارالمعاهدة، وإما خسارة ولاية الموصل}. (30)
حاول رئيس الوزراء جعفر العسكري تمرير المعاهدة بأسرع ما يمكن بسبب إلحاح المندوب السامي البريطاني، لكن المعارضة طلبت توزيع لائحة المعاهدة على أعضاء المجلس لدراستها ومناقشتها، ولكي تعلن للشعب تفاصيلها، و جاء ذلك الاقتراح على لسان السيد[ ناجي السويدي] حيث جرى التصويت عليه، وقبل الاقتراح تم توزيع نسخ من المعاهدة، وطلب السيد ناجي السويدي تشكيل لجنة لتدقيق المعاهدة على أن تضم عضواً عن كل لواء، وبالفعل تم تشكيل اللجنة التي تألفت من عدد من النواب، وباشرت اللجنة اجتماعاتها لمناقشة بنود المعاهدة، حيث عقدت 29 جلسة نهارية، و20 جلسة مسائية، درست خلالها بنود المعاهدة، والمراسلات والوثائق المتعلقة بها، ووضعت تقريرها الذي تألف من 65 صفحة.
في الوقت الذي كان المجلس التأسيسي يناقش بنود المعاهدة، كان الشارع العراقي في حالة من الغليان الشديد، وكان العلماء والمحامون والمثقفون والأساتذة والطلاب ينظمون الاجتماعات والمظاهرات المطالبة بتعديل بنود المعاهدة، بما يتفق وأماني الشعب في الحرية والاستقلال الحقيقي، وكان لتلك التظاهرات والاحتجاجات أثرها الكبير على العديد من أعضاء المجلس الذين غيروا رأيهم، وطالبوا بتعديل بنود المعاهدة، وقد سبب هذا الموقف قلقاً شديداً للملك فيصل، وللمندوب السامي البريطاني على حد سواء، وخاصة بعد إطلاق النار على أثنين من أعضاء المجلس المعروفين بولائهم للانكليز،وهما[عداي الجريان] و[سلمان البراك]، مما خلق جواً من الرعب والقلق، ودفع عدد من أعضاء المجلس إلى تقديم استقالتهم، فيما امتنع البعض الآخر عن حضور جلسات المجلس بحجج مختلفة.
لقد سرتْ إشاعات في بغداد تقول أن إطلاق النار كان مدبراً من الحكومة لاتخاذه مبرراً للتنكيل بالمعارضة وقمعها، واعتقال العناصر النشطة المعارضة للمعاهدة، وقيل أن الذي أطلق النار على عضوي المجلس هو أحد أزلام رئيس الوزراء جعفر العسكري، المدعو [شاكر القره غولي]، وبالتعاون مع شخص آخر يدعى[عبد الله سرية] .
ولم تكتفِ الحكومة بكل ذلك، بل لجأت إلى إغلاق صحف المعارضة [لشعب] و[الاستقلال ] و[ الناشئة ] بغية كمّ الأصوات الوطنية المطالبة بتعديل بنود المعاهدة بما يتفق ومصالح الشعب والوطن. لكن إصرار المعارضة الشعبية على مواصلة الكفاح ضد المعاهدة وضد سياسة الحكومة وتصاعد الأزمة التي نشأت عن محاولة فرض المعاهدة التي كانت تنذر
بتطورات خطيرة أجبرت الحكومة على تقديم استقالتها.
إلا أن الملك فيصل والمندوب السامي ضغطا على جعفر العسكري لكي يبقى في الحكم لحين إقرار المعاهدة.
كان المندوب السامي يراقب عن كثب مناقشات المجلس التأسيسي لبنود المعاهدة، وخطب الموالين والمعارضين، كما كان يراقب ما تنشره الصحف المعارضة، وتملكه شعور بالغضب لإصرار عدد كبير من أعضاء المجلس على تعديل بنود المعاهدة، وعلى تأخر إبرامها، فبعث إلى الملك فيصل بمذكرة خطيرة تنم عن التهديد في 26 نيسان 1924، وجاء في المذكرة:
حضرة صاحب الجلالة الملك فيصل المعظم، دام ملكه:
كثيراً ما اقُترح في أثناء المباحثات بخصوص معاهدة التحالف بين بريطانيا العظمى والعراق، والاتفاقيات المتفرعة، أن يُطلب من الحكومة البريطانية أن توافق على تعديلات في بعض الأمور التي يداخل المجلس شك بخصوصها.
فلي الشرف أن أبلغ جلالتكم أن الحكومة البريطانية لا يسعها الموافقة على أي تعديلات، لا في المعاهدة ولا في البروتوكولات، ولا في الاتفاقيات، والأمر متروك للمجلس التأسيسي في أن يقبلها[ أي المعاهدة والبروتوكولات والاتفاقيات] أو يرفضها برمتها، على نحو ما يراه الأفضل لمصلحة العراق.
إن السبب في قرار الحكومة البريطانية هذا هو أن إجراء التعديلات في المعاهدة والاتفاقيات بين توقيعها وإبرامها مخالف كل المخالفة للتعامل الدولي المقرر من أزمنة بعيدة في التاريخ، ويؤدي إلى جعل إتمام المعاهدات إتماماً نهائياً من المستحيلات تقريباً}. (31)
كانت مذكرة المندوب السامي هذه بمثابة إنذار للملك فيصل بضرورة إقرار المعاهدة دون تغير أو تأخير.
وفي 16 أيار 1924 بعث المندوب السامي بمذكرة أخرى للملك فيصل جاء فيها:
يا صاحب الجلالة :
لقد قمت بإيقاف حكومة صاحب الجلالة البريطانية تمام الوقوف على ما قد بدا حديثاً في العراق من الآراء والرغبات فيما يتعلق بمعاهدة التحالف بين بريطانيا العظمى والعراق، والاتفاقيات المتفرعة عنها، وقد فوضتني الآن حكومة صاحب الجلالة البريطانية بأن أبلغ جلالتكم رسمياً ما يلي:
{إن حكومة صاحب الجلالة البريطانية لا يسعها أن تقبل قبل الإبرام أي تعديلات ما في المعاهدة والاتفاقيات التي سبق توقيعها بالنيابة عن الحكومتين، ولكن ستكون بعد الإبرام مستعدة لأن تبحث بروح الاعتدال، في كل ما قد يُرغب فيه من تعديلات في الاتفاقية المالية، هذا ولاشك في أن
جلالتكم ستتخذون الوسائل لنشر هذا الكتاب}. (32)
صديق جلالتكم
هنري. دوبس
في الوقت الذي أشتد فيه ضغط المندوب السامي وحكومته على الملك فيصل والحكومة والمجلس التأسيسي من أجل الإسراع بإقرار المعاهدة العراقية البريطانية دون تأخير، ودون إجراء أي تعديل أو تغير عليها، صعد الشعب العراقي كفاحه ضد المعاهدة، وسير المظاهرات الصاخبة المطالبة بتعديل بنودها بما يحقق السيادة الحقيقية، والاستقلال التام للعراق.
لقد أراد الشعب، وقواه السياسية الوطنية تقديم الدعم الأقصى للنواب الوطنيين في المجلس التأسيسي ليكون موقفهم قوياً أثناء مناقشة المعاهدة.
ولما بلغ أسماع أبناء الشعب أن المعاهدة ستناقش يوم 29 أيار 1924، خرجت مظاهرة صاخبة تندد بالمعاهدة، وتطالب بتعديلها، وتوجهت المظاهرة إلى مقر المجلس التأسيسي، وأحاطت به، وكانت أصوات الغضب المنبعثة من حناجر المتظاهرين قد دخلت القاعة، مما اضطر رئيس المجلس [عبد المحسن السعدون] إلى الخروج والتحدث إلى قادة المظاهرة طالباً منهم التفرق والاعتماد على المندوبين، واعداً إياهم بعدم التفريط بحقوق الشعب، وحرية العراق واستقلاله.
لكن حديثه لم ينجح في إقناع المتظاهرين، وحاولت الشرطة تفريقهم بالقوة ولكنها فشلت في ذلك، ووقعت صِدامات عنيفة بينهم وبين المتظاهرين، مما دفع [ نوري السعيد] وزير الدفاع، إلى استدعاء قوات الجيش، حيث جرت مصادمات عنيفة بين عناصر الجيش والمتظاهرين بعد أن استخدم الجيش الرصاص لتفريق المظاهرة، ووقوع إصابات عديدة في صفوف المتظاهرين العزل من السلاح، واستطاع الجيش تفريق المظاهرة.
سارعت الحكومة إلى إصدار بيان رسمي، في محاولة منها لتبرير استدعاء الجيش واستخدام السلاح ضد أبناء الشعب المطالب بحريته واستقلال وطنه.
كما أصدر رئيس المجلس التأسيسي في 29 أيار 1924 بياناً تطمينياً إلى أبناء الشعب معلناً أن المجلس سوف لن يفرط بحقوق الشعب مهما كانت الأحوال، وطالباً من أبناء الشعب انتظار قرار المجلس بكل اطمئنان.
وعلى اثر تلك الأحداث الدامية قرر المجلس تأجيل مناقشة المعاهدة إلى يوم السبت31 أيار، لكن عدد من المندوبين تغيبوا عن الحضور في ذلك اليوم، وكانت آثار الخوف والقلق بادية على وجوه الحاضرين منهم حتى أنهم رفضوا الدخول إلى القاعة، مما اضطر رئيس المجلس إلى تأجيل الاجتماع إلى يوم 2 حزيران.
وفيما بدأ الحاضرون في مغادرة بناية المجلس حضر المندوب السامي [هنري دوبس] وبصحبته مستشار وزارة الداخلية المستر [كرونواليس] واضطر أعضاء المجلس إلى العودة إلى القاعة ليستمعوا إلى المندوب السامي الذي تحدث أمام الأعضاء الحاضرين بلهجة تنم عن التهديد قائلاً:
{ بلغني أن بعض النواب قدموا تقريراً يقولون فيه أن المجلس لا يقبل إبرام المعاهدة ما لم تعطي بريطانيا ضماناً بالتعديل على أساس تقرير اللجنة التي شكلها المجلس لدراسة بنود المعاهدة، وهذا يعني في حقيقة الأمر تعديل المعاهدة، وهذا ما تعتبره حكومتي رفضاً للمعاهدة، وعلى المجلس أن يلاحظ تأثير ذلك على سير المفاوضات مع تركيا حول ولاية الموصل، فقد أخذنا معلومات بأن السير[بيرسي كوكس] عند وصوله إلى الاستانة شاهد تسهيلات في المعاملة لإبقاء ولاية الموصل للعراق.
ولكن عند ما بلغ الأتراك سير أعمال المجلس التأسيسي العراقي، وموقف النواب من المعاهدة تغيروا، وصاروا يطلبون ولاية الموصل، وإنهم يرفضون إحالة الأمر إلى مجلس عصبة الأمم. (33)
كانت كلمة المندوب السامي أمام الحاضرين من أعضاء المجلس التأسيسي بمثابة إنذار لهم، فإما إقرار المعاهدة، وإما سلخ ولاية الموصل من العراق مستخدماً قضية الموصل ورقة ضغط كبرى لغرض إقرار المعاهدة.
وقبل أن يغادر القاعة طلب إقرار المعاهدة بشكلها الحالي واعداً أعضاء المجلس بأجراء مفاوضات لتعديل ما طالبت به اللجنة في تقريرها، شرط أن يكون ذلك بعد إقرار المعاهدة.
وفي 2 حزيران 1924 أجتمع المجلس التأسيسي من جديد، وحضر الاجتماع 63 عضواً من مجموع 100، وبدأ المجلس بمناقشة بنود المعاهدة وأثناء المناقشة حدثت مشادات عنيفة بين الأعضاء المؤيدين للحكومة والمعارضين لها، واسُتخدمت فيها أقسى العبارات.
في تلك الساعات الحرجة، كان الملك فيصل يشعر نفسه واقعاً بين نارين، نار المندوب السامي البريطاني وضغطه المتواصل لإبرام المعاهدة، بما فيها من مس خطير بحقوق العراق ومستقبله، ونار المعارضة الشعبية العارمة والرافضة لتلك المعاهدة، وبقي في حيرة من أمره لا يدري ماذا يفعل، وكيف يرضي المندوب السامي، ويرضي الشعب العراقي في الوقت نفسه.
حاول الملك من خلال اللقاء الذي دعا إليه أعضاء المجلس التأسيسي يوم 9 حزيران 1924 الوصول إلى حل ما لهذه الأزمة، حيث تحث الملك مع
أعضاء المجلس قائلاً :
{أنا لا أقول لكم أقبلوا المعاهدة أو ارفضوها، وإنما أقول لكم اعملوا ما ترونه الأنفع لمصلحة بلادكم، فان أردتم رفضها فلا تتركوا فيصلاً معلقاً بين السماء والأرض، بل أوجدوا لنا طريقاً غير المعاهدة، فلا تضيعوا ما في أيديكم من وسيلة للمحافظة على كيانكم، وتحينوا الفرصة لتحصلوا على ما هو أكثر مما في أيديكم}.
وفي 10 حزيران 1924 عقد المجلس التأسيسي جلسته الثالثة والعشرين، وأعلن رئيس المجلس أن هناك اقتراحاً من عدد من أعضاء المجلس بتأجيل البت في المعاهدة إلى حين الانتهاء من مشكلة ولاية الموصل.
ثم طلب رئيس الوزراء [ جعفر العسكري ] الحديث وطلب من المجلس عدم تأجيل البت في المعاهدة بسبب أمور سياسية خارجية استوجبت ذلك، وكان رئيس الوزراء يشير بذلك إلى التهديدات البريطانية المتصاعدة للملك والحكومة لإقرار المعاهدة.
لكن المجلس صوت على تأجيل الجلسة إلى اليوم التالي، وقد أثار قرار التأجيل المندوب السامي الذي صمم على فرض المعاهدة فرضاً.
فقد تحدث المندوب السامي مع الملك فيصل بالهاتف، وأعلمه بأنه سوف يكون عنده عصر ذلك اليوم لأمر هام، فيما كان قد أعد مذكرة خطيرة يطلب فيها إصدار قانون بحل المجلس التأسيسي، وإصدار أمر باحتلال بناية المجلس.
وعند وصول المندوب السامي إلى البلاط عصر ذلك اليوم، وفي بداية لقائه مع الملك، سلمه نص المذكرة والتي جاء فيها :
{لا تستطيع حكومة صاحب الجلالة البريطانية في مثل هذه الظروف أن تسمح باستمرار الحالة الراهنة التي ينشأ عنها خطر عظيم يهدد سلامة العراق الداخلية والخارجية، فأن المذاكرات الأخيرة للمجلس التأسيسي التي جرت في هذا اليوم لم تظهر أي اقتراب من الاتفاق، ولا أي أمل في اتخاذ المجلس قراراً صريحاً وسريعاً، لذا طُلب إليّ أن أوجه أنظار جلالتكم كشرط لاستمرار تأييد حكومة صاحب الجلالة البريطانية أن تصدروا فوراً بعد استشارة مجلس وزارتكم، وبواسطته، تعديلاً لقانون المجلس التأسيسي يخولكم حق فض المجلس في أي وقت شئتم، خلال الأربعة أشهر من تاريخ افتتاح جلساته، وأن تأمروا بموجب هذا التعديل حل المجلس اعتباراً من الساعة الثانية عشرة من ليلة 10 / 11 حزيران. وأرى من واجبي أن اطلب من جلالتكم أن تبلغوا الأمر رسمياً، بواسطة رئيس وزرائكم، إلى رئيس المجلس التأسيسي قبل الساعة السابعة من صباح اليوم الحادي عشر من حزيران ، وأن تصدروا التعليمات بواسطة وزير الداخلية لغلق بناية المجلس فورا، وإحاطتها وما يجاورها بقوة من الشرطة تكفي لتنفيذ هذا الأمر}. (34)
حاول الملك فيصل، بحضور رئيس الوزراء [جعفر العسكري] وزعيم المعارضة [ياسين الهاشمي] إيجاد حل لهذه الأزمة مع المندوب السامي وجرى بحث مستفيض حول السبل الممكنة لذلك، وقد طلب المندوب السامي أن يدعى المجلس التأسيسي إلى عقد جلسة له فوق العادة، وقبل منتصف الليل من هذا اليوم، ويبرم المعاهدة، كحل أخير ونهائي، وإلا يجب أن يحل المجلس.
وعلى الفور أمر الملك باستدعاء رئيس المجلس إلى الحضور، وطلب إليه الملك والمندوب السامي أن يجمع أعضاء المجلس هذه الليلة ويقرّ المعاهدة دون تأخير.
خرج رئيس المجلس وبصحبته رئيس الوزراء، واحد مرافقي الملك، وبقي المندوب السامي في البلاط ليواصل الضغط على الملك لإقرار المعاهدة قبل الساعة الثانية عشرة ليلاً ، وصار مدير الشرطة، يرافقه مرافق الملك، وعدد من أفراد الشرطة، يدورون على أعضاء المجلس، ويرغمونهم على حضور الجلسة لأجل إقرار المعاهدة في تلك الليلة، فقد ذكر الحاج ناجي أحد أعضاء المجلس، أن الشرطة انتزعته من سريره وحشرته في السيارة وهو لا يعرف إن كانوا سيأخذونه إلى المشنقة أم إلى السجن، فقد كان من معارضي المعاهدة. (35)
استطاع مدير الشرطة ورجاله جمع 68 نائباً في ليلة 10 / 11 حزيران 1924، قبل منتصف الليل، وأعلن رئيس المجلس [عبد المحسن السعدون] عن افتتاح الجلسة، حيث تحدث إلى الحاضرين من أعضائه قائلاً:
{كان مجلسكم العالي قد أجل جلسته إلى يوم الغد ( الأربعاء )، غير أن جلالة الملك أبلغني بأن فخامة المندوب السامي قد أبلغ جلالته بأنه لا يمكن تأجيل المذاكرات إلى الغد، لأنه يعد ذلك رفضاً للمعاهدة، وعليه فقد دعوتكم إلى الاجتماع، ومن وظيفتي أن أبلغكم ذلك}.
لم يكن أمام المجلس إلا إقرار المعاهدة في تلك الليلة، حيث جرى التصويت عليها على عجل، وتحت التهديد بحل المجلس، وقد وافق عليها 37 نائباً، وعارضها 24، وامتنع عن التصويت 8 أعضاء، وبذلك أقرت المعاهدة من قبل المجلس التأسيسي.
ُسرّ المندوب السامي لإقرار المعاهدة، وهرع إلى البلاط الملكي، حيث اجتمع إلى الملك فيصل، وأبلغه أن الحكومة البريطانية تعتبر تصويت المجلس على المعاهدة وذيولها، على النحو الذي تم يفي بالشروط المطلوبة في المادة 18 من المعاهدة، و التي تنص على أن المعاهدة لا تبرم من قِبل
الفريقين الساميين المتعاقدين إلا بعد قبولها من المجلس التأسيسي.
وبعد توقيع المعاهدة، وحصول الإمبرياليين البريطانيين على الامتيازات النفطية، صادقت عصبة الأمم في 16 كانون الأول 1925 على عائدية ولاية الموصل للعراق، وجعل حدود العراق وفقاً لما يسمى [ خط بروكسل]، ودعت عصبة الأمم العراق إلى عقد معاهدة مع بريطانيا تضمن استمرار الانتداب على العراق لمدة 25 سنة.
وبالفعل تم إقرار المعاهدة الجديدة في البرلمان في 18 كانون الثاني 1926، رغم معارضة النواب الوطنيين الذين طلبوا إحالتها إلى لجنة برلمانية لدراستها، ولكن دون جدوى، فقد أصر المندوب السامي البريطاني على التصديق على المعاهدة بوضعها الذي صاغته وزارة المستعمرات البريطانية دون تغيير، وهدد بحل المجلس التأسيسي في حالة رفضه التصديق عليها، كما جرى تهديد الملك فيصل كذلك.
أما تركيا فقد خضعت للضغط البريطاني، ووافقت على بقاء ولاية الموصل ضمن العراق، وذلك بموجب المعاهدة العراقية البريطانية التركية، المعقودة في 5 حزيران 1926، على أن تمنح الحكومة البريطانية تركيا نصف مليون ليرة بريطانية تعويضاً عن حصتها في البترول، بعد أن فشلت في إقناع بريطانيا بمنحها ولاية الموصل لقاء منحها بريطانيا امتياز استخراج النفط واستثماره فيها.
لكن الحكومة البريطانية رفضت العرض التركي لأنها وجدت مصلحتها في إعادة الولاية إلى العراق، بعد أن ضمنت هيمنتها المطلقة على العراق سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، بموجب المعاهدة التي فرضتها على المجلس التأسيسي وعلى الملك فيصل الأول. (36)
وهكذا جرى إقرار المعاهدة التي قيدت العراق بقيود ثقيلة لا فكاك منها، وأصبحت بريطانيا بموجبها تملك السلطة الحقيقية في البلاد، وبات على الشعب العراقي أن يخوض النضال ضد الهيمنة البريطانية من جهة، وضد السلطة الحاكمة التي نصبتها من جهة أخرى، فكان الصراع بين الشعب وحاكميه يخبو تارة وينفجر تارة أخرى منذ ذلك التاريخ وحتى تكلل كفاحه بالنجاح في ثورة الرابع عشر من تموز 1958 عندما تلاحمت الجماهير الشعبية مع الطلائع الثورية في القوات المسلحة في صبيحة ذلك اليوم، والتي قادها بنجاح خاطف الزعيم الركن عبد الكريم قاسم، وبذلك اسقط النظام الملكي المرتبط بالإمبريالية، وتم إعلان النظام الجمهوري في العراق، وجرى تشكيل أول وزارة عراقية دون فرض أو تدخل من قبل بريطانيا وسفارتها في بغداد .



.التوثيق
(21) نفس المصدر .
(22) تاريخ الوزارات العراقية ـ الحسني ـ الجزء الأول ـ ص 111 .
(23) المصدر السابق .
(24) نفس المصدر .
(25) نفس المصدر السابق ـ ص 131.
(26) مذكرات المس بيل ـ ص 366 .
(27) تاريخ الوزارات العراقي ـ الحسني ـ الجزء الأول ـ ص 214.
(28) المصدر السابق ـ الجزء الأول ـ ص 218 .
(29)نفس المصدر السابق.
(30) المصدر السابق .
(31) صحيفة العالم العربي ـ العدد 65 ـ 10 حزيران 1928 .
(32) صفحات من تاريخ العراق الحديث ـ الكتاب الأول ـ حامد الحمداني ـ ص 66 ز
(33) تاريخ الوزارات العراقية ـ الحسني ـ الجزء الأول ـ ص 228 .
(34) مذكرات المس بيل ـ ص 348 .
(35) تاريخ الوزارات العراقية ـ الجزء الأول ـ الحسني ـ ص 144 – 145 .
(36) نفس المصدر السابق.

Opinions