حرب الخليج الثالثة الحلقة الخامسة
حرب الخليج الثالثةالحلقة الخامسة
صدام يرفض مغادرة العراق ويصر على المواجهة!
بدأت الأخطار المحدقة بمصير العراق تتصاعد بوتائر سريعة، فقد كانت كل الدلائل تشير إلى أن الحرب الأمريكية واقعة لا محالة، وتصاعدت تهديدات القادة العسكريون الأمريكان من خلال تصريحاتهم بأن قواتهم باتت على أتم الاستعداد لشن الحرب فوراً، وبمجرد إصدار الرئيس بوش الأوامر بذلك .
وبات نظام صدام يواجه محنة هي من أشد ما واجهه من محن منذ أن استولى البعثيون على الحكم في انقلاب السابع عشر من تموز عام 1968 الذي جلب كل الكوارث على البلاد، فلقد ضيقت الولايات المتحدة عليه الخناق بعد أن تمكنت من تمرير القرار1441بمصادقة جماعية من كافة أعضاء مجلس الأمن الدولي، مما خيب آمال دكتاتور العراق صدام حسين والزمرة المحيطة به أن تستطيع روسيا وفرنسا والصين الحيلولة دون إصدار القرار المذكور، وفاته أن ما يجمع هذه الدول من مصالح اقتصادية مع الولايات المتحدة هي أقوى وأكثر أهمية من مصالحها مع العراق، وهكذا وضع النظام العراقي رهانه على الحصان الخاسر، كما يقول المثل، وأخطأ مرة أخرى في قراءة المتغيرات الحاصلة في الموقف الدولي، ولاسيما بعد أحداث الحادي عشر من أيلول الإرهابية الدامية، وتتالت خيبات النظام العراقي بعد أن وافق النظام السوري اذي كان صدام يتوكأ عليه في مجلس الأمن، وقدم له الكثير من المساعدات السخية، من تزويده بالنفط العراقي، وتوسيع حجم التبادل التجاري معه بنطاق واسع جداً، وقد فلسف حكام سوريا موافقتهم على القرار بأنه حال دون وقوع الحرب التي تهدد الولايات المتحدة بها لإسقاط النظام !!.
.
لكن الحقيقة ظهرت عندما تحدث وزير الخارجية الأمريكية [ كولن باول] مع نائب الرئيس السوري [فاروق الشرع] آنذاك قائلاً له:
{ إن الرئيس بوش يريد من سوريا أن تقف إلى جانبنا، ولا تريد أي موقف آخر] ، أي أن المطلوب من سوريا أن لا تعارض القرار ولا تمتنع عن التصويت}. (1)
كما خاب ظن النظام العراقي بمواقف الدول العربية في اجتماع وزراء الخارجية العرب، والتي بنى عليها الآمال في الوقوف إلى جانبه، فقد سارعت الجامعة العربية بسائر أعضائها إلى تأييد القرار، طالبة من النظام العراقي الالتزام به التزاماً كاملاً، وبقيت آمال النظام العراقي معلقة بعد كل الذي حصل على ما يسميه بـ [الجماهير العربية] بالوقوف إلى جانبه، لكن كل الدلائل كانت تشير إلى أن هذا الرهان سيلحق بالرهانات السابقة لا محالة، وستلجأ كل الحكومات العربية إلى كبح جماح أي تظاهرة تأييد للنظام العراقي خوفاً على أنظمتها الاستبدادية من الانهيار، وإطاعة الولايات المتحدة بكل تأكيد.
وبغية تأخير الحرب انتظاراً لمعجزة كي تنقذ النظام، سارع صدام حسين بتقديم الملفات الخاصة بالتسلح النووي والكيماوي والبيولوجي والتي تتجاوز 12000 صفحة حيث يتطلب دراستها من لجنة التفتيش المختصة الوقت الطويل. (2)
كما سارع صدام إلى إصدار اعتذار للشعب الكويتي عن جريمته البشعة في غزو ونهب وتخريب الكويت، والتنكيل بأبنائه، غير مدرك أن الولايات المتحدة قد عقدت العزم على شن الحرب دون انتظار لما ستسفر عنه تلك الدراسة، طالما أعلن صدام حسين أن بلاده لا تملك أي من أسلحة الدمار الشامل، وكانت الأسلحة والمعدات والقوات العسكرية وحاملات الطائرات يجري نقلها على عجل إلى الخليج وشرق البحر الأبيض المتوسط والأردن.
كما أن الطائرات الأمريكية والبريطانية قد زادت من غاراتها الجوية التي كانت تمارسها باستمرار منذ ما بعد حرب الخليج الثانية إلى ثلاثة أمثالها على المواقع العسكرية العراقية في شمال العراق وجنوبه، مستهدفةً تدمير شبكات الرادار، وشبكات الاتصالات لغرض تسهيل الهجوم المرتقب.
ورغم أن النظام العراقي في واقع الأمر كان يدرك تمام الإدراك أن لا أمل له في كسب الحرب، وأنه يغامر في زج جيشه في حرب محسومة سلفاً، كما كان الحال في حرب الخليج الثانية، مع فارق كبير هو فقدان الجيش العراقي للغطاء الجوي بعد أن خسر معظم طائراته فيها، وما تبقى منها طائرات قديمة لا يمكن أن تقف بوجه سلاح الجوي الأمريكي والبريطاني المجهز بأحدث الطائرات الحربية والصواريخ الموجه عن بُعد ، هذا بالإضافة إلى الأسلحة المتطورة التي تستخدمها القوات البرية من الدبابات والمدرعات التي تفوق القدرات العسكرية العراقية .
كما أن الجيش العراقي الذي سئم من حروب صدام الكارثية لم يكن له الاستعداد والاندفاع لحرب يسوقه إليها عن، وهو يدرك تمام الإدراك أن لا أمل له في كسبها ، فهي مجرد محرقة لقوات الجيش العراقي، وهي سوف تأتي على الأخضر واليابس كما يقول المثل، وستدمر البنية التحتية للعراق في كافة المجالات، وستسبب الموت لمئات الألوف من أبناء شعبنا، وسيقع العراق لقمة سائغة في حلق الاحتكارات النفطية الأمريكية لسنين طويلة.
لكن صدام أصر على البقاء في السلطة مستهيناً بمقدرات الشعب والوطن، ولسان حاله يقول ما دمت ذاهباً فليذهب العراق وشعبه إلى الجحيم!!.
كان الطريق الوحيد لأبعاد شبح الحرب، وإنقاذ شعبنا ووطننا هو ترك صدام وزمرته البلاد، وفسح المجال لشعبنا لاختيار حكومة جديدة تعيد إليه حقوقه وحرياته، وتشيد نظاماً ديمقراطياً تعدديا يؤمن بالسلام، ونبذ العدوان على جيرانه وأشقائه ، ويحرص على إقامة أفضل العلاقات معهم في كل المجالات، ويتفرغ لبناء العراق من جديد، والسير بخطى مسرعة لتعويض ما فاته نتيجة الحروب العبثية المجرمة، والحصار الظالم المفروض على العراق منذ عام 1990والذي يعتبر أشنع أنواع الحروب.
كان هذا الأمر يتطلب من سائر القوى الوطنية العراقية، وسائر قوى التحرر والسلام في الوطن العربي، وفي العالم أجمع، أن تمارس أقصى ما تستطيع من الضغوط على النظام العراقي لإجباره على التخلي عن السلطة، وعدم فسح المجال للولايات المتحدة لتنفذ أهدافها في العدوان على العراق.
وكان الوقوف بجانب النظام العراقي القمعي بادعاء الحرص على العراق وشعبه لا يجلب السلام والأمن للعراق والعراقيين، ولا يمكن أن يبعد شبح الحرب، وسيحاسب التاريخ كل من تخلى عن الشعب العراقي من الحكام العرب، والقوى السياسية العراقية والعربية، ووسائل الإعلام، وسائر الدول التي ترتبط بصالح اقتصادية مع النظام لصالح بقاء النظام الديكتاتوري البغيض.
لكن هذا كله لم يحدث، وهكذا بدأ ناقوس الخطر بدقاته المتسارعة تنذر بالخطر الجسيم ، ولم يعد هناك متسع من الوقت لإنقاذ العراق وشعبه، مسلماً قدره للنظام الصدامي القمعي الفاشي، وتجار الحروب الإمبرياليين الطامعين بثروات العراق، غير آبهين بما سيحل بالعراق من ويلات ومصائب ونكبات وخراب ودمار لا احد يستطيع تحديد مداها، وتهديم البنية الاجتماعية وتفككها، واندلاع الصراعات الدموية السياسية والطائفية والعنصرية، وهو ما يشهده العراق اليوم، والذي يمثل بحق كارثة وطنية كبرى أحالت حياة المواطنين العراقيين إلى جحيم أقسى وأمر من كل الأيام السالفة مما سأتناوله في فصول قادمة .