حق المحتج
للمحتجّ في البلد الديموقراطي حقّه، لأن المحتجّ فوق قانون يريد تغييره، لحظة لا يراه ملائما للبلد ومرحلته التاريخية بالقياس والأعراف الإنسانية والمتعارف العالمي. المحتجّ إذن فوق ذلك القانون، وليس القانون كلّه، بل ما لا يعترف به من تشريع، فكم من محتجّ غيّر قانوناً وعرفاً، كان يخضع إلى وقت قريب بتأييد واعتراف العالم، فالمحتج الذي يسقط نظاماً، يسقط كلّ حضور ذلك النظام في هيكل العالم. والمحتج يهزّ إذن ركن اقتصاد وعلاقات دولية، ويخلق صدمة عظيمة تجعل الناس في أقصى الجهات، تنتبه إلى جهة الاحتجاج تلك، حاملين كثير الاحترام لإصرار المحتج وقدرته على التغيير.الاحتجاج الساعي للتغيير هو فرض عين لا فرض كفاية؛ وهذا ما دفع العالم (كلّ العالم) للوقوف مع الشعب التونسي والمصري، وكل الساعين للحريّة، فلم يكتف الإنسان بوجود من يعبرون عن رأيهم بل فرض على نفسه مشاركتهم بأي طريق وأسلوب، ولو حتى بمتابعة ما يحصل.حق الاحتجاج في الحياة السياسية يضع المحتجّ والمحتجّ عليه في كفّتي ميزان العدل، فلكلّ منهما حقّه في قول ما عنده، وفق شروط الاحتجاج وأدواته وردة الفعل المضاد.
المحتج مستنكِرٌ للقبح، يستنكر على القارين والراسخين في وضعهم قبولاً بالخطأ وإن كان قانون دولة، بل وإن كانت أعظم وأقوى دولة في العالم. و لنتذكر هنا ثوابت الكثير من الدول التي غيّرها محتجون، ففي عام 1955 غيّرت (روزا باركس) وهي عاملة خياطة سمراء، تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، فبعد عودة هذه المرأة من عملها الشاق كان عليها أن تستقلّ الباص، وفي الغالب تتنازل عن مكانها لأي رجل ابيض يصعد، فالقانون الأميركي - وقتها- لا يسمح بوقوف الأبيض وجلوس الأسمر؛ في قانون عنصري أصرت (باركس) على تغييره، بل أكثر؛ غيّرت من خلال جرأتها في رفضه، كلّ مسيرة الحياة المدنية الأميركية الى أفق يوازي الحلم في صرخة مارتن لوثر كنج، ونتيجتها الآن؛ الرجل الأسمر سيداً في البيت الأبيض. هذا الحق صنعه الاحتجاج المتواصل على الثوابت وتحريكها خدمة للبلد، ومكانته، وتفاعلاً مع روح الديموقراطية الحقّة، ففي كل انتخابات خيار للناخب بالاحتجاج على نقيض إختياره دون غيره.
للاحتجاج أدواته التي لا تخرق المُجمع عليه، وبما يجعل مسؤولية الردّ بحجم وعظم الشخص المسؤول ليكون مثالا له الأمام علي بن أبي طالب حين كان يخطب في الكوفيين،وقت أعترض عليه أحد الخوارج شاتماً أياه، فما كان من أصحاب (الخليفة) إلا أن أحاطوه من كل جانب، ولم يخلصه من أيديهم إلا (علي) العادل، مانحاً أياه الأمان وحق الاحتجاج، ذلك الأمان المرجو الآن من سلطة يصف أعمدتها كثير من الناس بالمتدينين، فليت فينا من يتحملون مسؤولية الدين والضمير والعرف والإنسانية.