Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

** سحلية **

ـــ قصة قصيرة ـــ

بقلم : شذى توما مرقوس
2006


....... جُنَّ أعجاباً بأحدى السحالي حتى تمنى لو أنّهُ خُلِقَ سحلية وليس أنساناً ولكي يُحقِقَ مُناهُ هذا زار الطبيب الذي شقّ لهُ لِسانهُ شطرين وبراهُ .... فكان لهُ لسان تلكَ السحلية لكنّ الطبيب عجِزَ عن مطّ شفتيهِ أماماً بدرجة كافية لتبدوانِ كبُوزِ تلك السحلية فلم يتحقق تماماً ما أرادهُ وأَسِفَ لذلك كثيراً فحاولَ مع الحلاق الذي تمكنّ من أن يُقيمَ لهُ عُرفاً كبيراً فوق رأسهِ تماماً كعُرفِ تلك السحلية ثُم دورّ لهُ عينيهِ لتبدُوانِ كعينيها وقلّمَ لهُ أظافِرهُ وأضافَ عليها حتى بدت كأطرافِ تلك السحلية..... لكنّ جيناتهُ ظلّت جيناتُ أنسان ... وعقلهُ ظلّ عقل أنسان .... وروحُ الأنسان ظلّت مستيقِظة في أعماقِهِ وهذا أزعجهُ كثيراً وحيرّهُ كيف الخلاص من آدميتهِ فسعى لينالَ قُرباً أكثر وشرفاً أكبر من تلك السحلية فتعلمَ أن يأكُلِ ما تأكُل من حشرات وغيرِها وصبغَ جِلدَهُ بذاتِ لونِها .... الا أن ذلك لم يُشبِع حلمهُ الكبير كما أن الطب رغم تطورِهِ الكبير عجِزَ عن أسعافهِ في أن ينمو لهُ ذيلُ السحلية الفاتنة تلك ...... فلم يكُنْ من بُدٍّ لهُ غير الأستعانة بأحد مُصمميّ الأزياء الذي تفّهم حاجتهُ ورغبتهُ وأعجابهُ بتلك السحلية فعبرّ لهُ عن تعاطُفِهِ الكامل معهُ بأنّ صممّ لهُ لباساً كاملاً كجلدِ تلك السحلية وركبَّ لهُ ذيلاً في مُؤخِرتِهِ وحينَ أرتداهُ كان تماماً كالسحلية فاتناً ....وهكذا صار يرتدي لباسهُ هذا في رواحِهِ ومجيئهِ فلفت كُل الأنظار اليهِ حتى الصحافة فأشتهرَ كثيراً وماكان راغباً في ذلك فكُلُ ما أرادهُ هو أن ينقلبَ الى سحلية ليس أكثر ....!!! صارت الصحافة تكتبُ عنهُ بجنون وضيق الوقت أصبحَ مُشكلتُهُ الُمُقلِقة لكثرة المُقابلات التلفزيونية ولقد أعترفَ في أحدى اللقاءات هذهِ إِنّهُ شكرَ الرّب كثيراً وقدمَ لهُ قُرباناً لأنّ السحلية التي يُريدُ أن يكونهاهي كبيرة الحجم ولو قليلاً فهذا يمنحهُ قُرباً أكبرَ منها خُصوصاً وإِنّهُ أيضاً ضئيلُ الحجم لكِنّهُ عاتبَ الرّب كثيراً لأنّهُ خلقهُ أنساناً وليس سحلية .....
والأسوأ في الأمر كُلّه أنّهُ أضطرَ لتعيين حارس شخصي لهُ وكانت أحدى مهام هذا الحارس هو مُساعدتهِ أن دعت الحاجة في جرّ ذيلهِ خلفهِ وأحياناً أُخرى حملهِ لأنّهُ كان ثقيلاً بعض الشئ نتيجةً لحشوتهِ الثقيلة .... أما الهاتف في منزلهِ فلايكفُ عن الرنين ... لقد كسبَ الآف المُعجبين وعلى الطرف الأخر الآف المُستنكرين حتى إِنّهُ أصبحَ ظاهرة تحتاجُ الدراسة فألفَّ أحدهُم كتاباً عنهُ ... ... ثُم أن أحدى الشركات المعروفة طلبت اليهِ أن يمنحها أسمهُ كعلامة تجارية لمنتُوجاتِها فباعَ لها هذا الأمتياز بغَلاء يُناسِبُ شُهرتَهُ كما أنّ بعض الشركات الأخُرى دفعت لهُ الكثير ليُرّوجَ لمنتوجاتها.....وأنهالت عليهِ عُروضٌ أُخرى كثيرة مُماثلة فأنقلبَ حالهُ الى ثريٍ جداً ولكنّ ..... ماذا يفعل بكُلِ هذهِ الثروة التي جناها من حيثُ لاينتظر .... أنّ السحالي لاتحتاجُ النقود .... وهو يرغبُ حقاً في أن يكون سحلية لا أكثر ...... لكنّهُ في الوقت ذاتهُ لايستطيعُ أن يُغادِر أنسانيتهُ المفروضة عليهِ ....لايستطيع أن ينزع عنهُ كيانهُ رغم رغبتهِ الخالصة في ذلك ....لو تمكنّ ... آهٍ لو تمكنّ فسيربح صيرورتهِ كسحلية ....سيربحُ حُلُمهُ.... لكنّ الأمر في غاية الصعوبة وما بداخلهِ هو نِصفُ نِصف .... كونّهُ أنساناً دون أرادة منهُ ورغبتهُ العارمة في أن يصير سحلية .....لم يعُدْ واثقاً أبداً من كونهِ أنساناً حقاً أم سحلية .... وذاتَ صباح وهو يتصفح الجريدة قرأ نقداً لاذعاً عنهُ من أحد المُستنكرين والذي كان لهُ لساناً طويلاً كلسانِ تلك السحلية التي يعشَقُها حيثُ كتبَ قائلاً ’’ أن كان هذا المخلوق ـــ الأنسان ــ سحلية فلماذا يعيشُ بين البشر ويُقاسِمهم حياتهُم ؟؟ ... لماذا لا يُغادِرُ الى البراري بيئة السحالي الطبيعية ؟؟..... إِنّهُ مُحتالٌ يدعي حُبّهُ للسحالي حتى يجني الثروات .... هو يخدعُ السحالي تماماً كما يخدعُنا نحنُ البشر ...‘‘
آلمهُ هذا النقد اللاذع كثيراً وسأل نفسهُ : ’’ هل كان هذا سيؤلِمهُ لو كان حقاً سحلية ؟؟ ....... ‘‘

بقلم : شذى توما مرقوس
2006
ملاحظة للقارئ الكريم : ــ عزيزي القارئ بعضٌ من أحداث هذهِ القصة حقيقية وليست من نسج الخيال الأدبي . Opinions