سلمان رشدي : من صنع هذه الظاهرة ؟
عاد اسم سلمان رشدي ليلمع ثانية عندما منحته ملكة بريطانيا لقب ( السير ) تقديرا وتثمينا ، وهو الكاتب البريطاني الذي عاش منذ قرابة عشرين سنة ، يظهر ويختفي مع ما يحيط به من حراسات ، اذ كان ولم يزل مهدد بالقتل نتيجة تكفيره من قبل العالم الاسلامي بسبب ما ورد في روايته الشهيرة ( آيات شيطانية ) من تنديد ببعض آيات القرآن الكريم .. نعم ، عاد اسمه يشغل اجهزة الاعلام ، بل ويثير من جديد اجزاء من العالم الاسلامي سياسيا ! دعوني اقول بأن اسمه لم يكن يصل الى ما وصل اليه لولا هياج المسلمين انفسهم في هذا العالم منذ قرابة عشرين سنة .. وكانت تجديفاته في ( آيات شيطانية ) قد جعلت منه عدوا لدودا للمسلمين الذين صنعوا منه ظاهرة في الغرب ..ولد سلمان رشدي في العام 1947 بمدينة بومباي في الهند من عائلة مسلمة وتخرج في كلية كنك كولج بجامعة كيمبرج ببريطانيا .. وصدرت أولى رواياته عام 1975 تحت عنوان "جريموس" التي تمّ تجاهلها لسذاجتها ، لكنه حصل على جائزة بوكر الانكليزية عام 1981 عن كتابه ( اطفال منتصف الليل ) .. وجاءت روايته ( آيات شيطانية ) عام 1988 ليحوز عنها بجائزة ويت بيرد .. ولكنها الرواية التي جعلت منه اشهر كاتب في العالم في غضون اسابيع فقط بسبب اكبر ضجة يسببها كتاب يسيئ للاسلام وللايات القرآنية . لقد عمّت المظاهرات عواصم عدة وسقط قتلى في الباكستان .. وصدرت الفتاوى عن الامام الخميني في ايران توصي بهدر دمه ، ورصدت ايران جائزة قدرها مليون دولار لمن يقتل سلمان رشدي تنفيذا لتلك الفتاوى عام 1989 .. واصبح سلمان رشدي هدفا ثمينا لملايين المسلمين ، وقد حرسته بريطانيا لسنوات طوال .. ونتيجة لذلك ، فقد غاب سلمان رشدي عن الحياة العامة لعشر سنوات كاملة .. وبالرغم من صدور بعض الردود والكتب في نقد كتابه ، الا انها جميعا اتسمت بالضعف والانشائية والسذاجة .. ولم نجد الى حد اليوم من وقف امام سلمان رشدي ليدحضه علميا وبنفس الاسلوب الماكر الذي استعمله رشدي !!
زار رشدي الهند بلاده الاصلية بعد 12 سنة على اصدار فتوى الخميني ضده ، فاستقبل استقبالا سيئا جدا ، اذ خرجت المظاهرات الساخطة والغاضبة ضده واحرقت الدمى التي تمثله في شوارع دلهي ، وكان قد تسلم جائزة كتاب الكومنولث بالهند على كتابه ( الارض تحت اقدامها ) .. وبالرغم من محاولة الرئيس الايراني خاتمي دفن الموضوع قبل سنوات ، او المساومة عليه مع الاتحاد الاوربي من قبل خرازي وزير الخارجية الايراني الاسبق ، الا ان السيد الخامئني لم يزل يصر على تطبيق ما اراده السيد الخميني ، فبقي سلمان مطاردا مع بقاء اسمه في بريطانيا مثيرا للجدل .. وبقي هو نفسه مصّرا على آرائه القديمة وكشف عن مواقفه السياسية ، بل وتحّول الى مفكّر وكاتب من الطراز الاول .. وهو يصر على ان الحرب في افغانستان وغيرها ليست حربا ضد الارهاب ، بل انها حرب ضد الاسلام معتبرا اياه من مصادر الارهاب ومن دون أي مراعاة لمشاعر ملايين المسلمين على وجه الارض .
وعليه ، استمر سلمان رشدي يلوذ بحراسّه حتى وهو يكتب مقالاته في صحيفة التايمز البريطانية .. وفي واحدة من اشهر مقالاته قال : ان الاسلام بحاجة الى الاصلاح ليتناسب مع العصر الحديث ، وطالب بتفسير جرئ وشمولي ومنفتح للقرآن الكريم سيؤدي بالضرورة للقضاء على العزلة التي تعيشها المجتمعات الاسلامية من اجل ادماجها في العالم المعاصر !! كنت اتمنى ان ينبري مفكرون وفلاسفة من العرب والمسلمين في الرد العلمي الهادئ على افكار سلمان رشدي بالانكليزية من دون اية ضجة وضجيج ! كنت اتمنى ان يتجاوز العالم الاسلامي لغة التشهير والعواطف والصخب والفتاوى باستخدام اسلوب الحوار والنقد البناء الذي يعلن للعالم عن قوة الحجة وسمو الهدف من دون اي مشروع للقتل ينعكس ضد الاسلام والمسلمين .
انني اعتقد ان المسلمين هم الذين صنعوا مجد سلمان رشدي وشهرته وكل ظاهرته .. فلا يمكن ان يرتفع اسم الرجل بهذا القدر ويغدو مادة ثمينة للاستلاب الاسلامي او التحدي الغربي لولا صدور " فتاوى " يغدو تأثيرها السياسي السيئ اكبر بكثير من تأثيرها الديني الرادع في العالم .. ولا ادري لماذا تصدر الفتاوي بحق رشدي بالذات ، ليسجل قفزة عالية في عالم اليوم وهناك العشرات بل المئات من مواقف مخزية اخرى لم تعالج اصلا ، وردت ولم تزل ترد في صلب حياتنا وعلاقاتنا وطبيعة تصرفاتنا في العالم الاسلامي .. صحيح ان مواقف سلمان رشدي صارمة في هجومها وانتقاداتها للاسلام ، لكنه ليس الوحيد في ذلك ، فقد سبقته عشرات الكتابات ليس الغربية والاستشراقية ، بل حتى العربية والاسلامية على امتداد القرن العشرين .. تلك التي سجلت مواقف بالضد اقوى بكثير من طروحات سلمان رشدي من دون اي ضجة ولا اي تكفير ولا اي هياج اعلامي وسياسي او اي فتوى ولا اي ردّة ّ!!
واخيرا أسأل : من ربح الجولة اذن؟ ومن ساهم بالاساءة الى الاسلام في نهاية المطاف ؟ وبسبب ملاحقته بالقتل صرفت الحكومة البريطانية عليه الالاف المؤلفة من النفقات لحراسته .. وكان سلمان رشدي ذكيا باستخدام عملية اختفائه من اجل تسويق كتاباته ونشرها في العالم كله على حساب خيبة المسلمين اجمعين . ومن المفيد القول ، أن الغرب عموما لم يعد يراعي مشاعر الشعوب الاخرى الدينية والاجتماعية كما كان في السابق ، ولم تعد الاحتجاجات والتظاهرات تجدي نفعا .. والمطلوب ان لا تصبح مثل هكذا امور سلعا سياسية مثيرة ، بل يستوجب اهمالها والاهتمام بما هو اجدى بكثير من اجل المستقبل .