سهل نينوى بين البحث عن الفرص والمحاولات الجادة للتطوير
أراء تكميليةفي أواخر آذار المنصرم عقد مركز نينوى للبحث والتطوير مؤتمره الأول وأستعرض فيه الباحثون مشاريعهم وأطروحاتهم وأفكارهم المتعلقة بسبل النهوض بواقع السهل وأبنائه وربما أكثر المشاريع لفتا للانتباه فيه هو إقامة كلية جامعة تتوزع على مدن السهل خصوصا مع تزايد عدد الطلاب غير الملتحقين بالدراسة في جامعة الموصل بسبب الظروف الأمنية المتردية في المدينة وكثرة التهديدات التي تطال أبناء القرى المجاورة .
وكذلك قدمت في المؤتمر الكثير من البحوث الهادفة إلى الحفاظ على الموروث التاريخي والفلكلور الشعبي لأبناء هذه المنطقة ومطالبات بإنشاء دور عرض للمقتنيات الشعبية ومعارض للعدد اليدوية والأزياء الشعبية التي أصبحت اليوم قليلة الاستعمال أو غير متداولة بسبب التطور الذي طرأ في مختلف تلك المجالات وربما ستنقذها مثل تلك الجهود من الانقراض سواء كان ذلك الموروث مثلا شعبيا أو زيا تراثيا والإضافة التي يمكن أن نسجلها في هذا الصدد هي تغليف هذه العملية بنوع من الربحية المالية لكي يقدم عليها الناس بشكل تلقائي كأن يستحصل رسوم وتبرعات من زوار مثل تلك المعارض المقترحة أو تشجيع ارتدائها في بعض المناسبات الاجتماعية لكي يظهر نوع من الطلب على إنتاجها يبقيها متداولة وخير مثال على ذلك (( الزي الأشوري )) الذي لا زال ينتج بشكل تجاري من قبل شريحة واسعة من العوائل لأنه يدر أرباحا عالية .
ولكن أكثر المشاريع المثيرة للجدل في المؤتمر كانت تلك المتعلقة بالنشاط الزراعي حيث حاول الباحثون فيها تقديم الحلول لبعض المشاكل التي تواجه المزارعين واقترحوا وسائل زراعية جديدة غير متبعة سابقا وطالبوا بجملة من المشاريع الداعمة للزراعة مثل مشروع ري متكامل على غرار مشروع ري الجزيرة وإنشاء سايلوات ومطاحن ومعامل غذائية تعتمد على الحبوب المنتجة في السهل كمادة أولية في الإنتاج . وبالرغم من كون الزراعة هي من أهم القطاعات الاقتصادية التي يعتمد عليها أبناء المنطقة يبقى اعتبار القطاع الزراعي المجال الأساسي الوحيد للارتقاء بسهل نينوى أطروحة خيالية وانتقاص من عملية النهوض الاقتصادي التي يجب أن تكون شاملة وأكثر المشاريع المقدمة تعرضت بالشرح للكثير من المعضلات التي تواجه الزراعة بداء من تذبذب الأمطار وحدوث مواسم جفاف وانتهاء ببعض الآفات التي تصيب المحاصيل ونقص الأسمدة مع غياب بحوث علمية دقيقة لتحديد الحاجة الفعلية للأرض من تلك الأسمدة وبالتالي انخفاض إنتاجية الدونم من الحبوب بشكل كبير وجميع تلك المشاريع لم تتطرق إلى مشكلة كبيرة يعاني منها المزارعين ألا وهي المنافسة على الأرض بين تربية الحيوانات والمحاصيل الزراعية وما ينجم عن ذلك من خسائر مادية فادحة بسبب اعتداء قطعان الماشية على الحقول الزراعية فضلا عن تطرقها إلى ضرورة توفير مشاريع ري قد تكون ممكنة ولكنها تناست طبيعة السهل المتموجة والتي لا تسمح ألا بوسائل ري خاصة تكون مكلفة غالبا باستثناء الآبار التي قد تحفر في بعض الحقول . قد يكون إنتاج الحبوب ملائما للكثير من مناطق السهل وكذلك مد شبكة للري يساعد على أنجاح المواسم الزراعية في حالة تذبذب الأمطار أثناء الموسم الزراعي ولكن الاستمرار في زراعة محاصيل تتطلب كميات مائية كبيرة في الصيف غير ممكن لأن الحصص المائية المتوفرة في المنطقة قليلة أصلا وستؤثر سلبا على حصة المناطق الأخرى والأسلوب الزراعي الأفضل الذي يفرض نفسه على المنطقة والذي يمثل في نفس الوقت حلا لجميع ما سبق ذكره من مشاكل هو زراعة الأشجار المثمرة والمحاصيل القادرة على مقاومة الأجواء شبه الصحراوية التي لا تتطلب كميات كبيرة من المياه وبالفعل قد بدأ هذا النمط يتوسع كثيرا في بعض أطراف السهل وخصوصا شريط القرى الممتد على أطراف ناحية بعشيقة وصولا إلى الموصل حيث نجحت زراعة الزيتون بشكل تجاري رائع وحفزت الأرباح العالية الأهالي إلى زيادة الرقعة المزروعة بهذه الشجرة في ظل عدم وجود مقارنة بين استثمار الأرض في زراعة الزيتون وبين استغلالها لإنتاج الحبوب بأنواعها لأن الغلة والمردود الاقتصادي في الحالة الأولى هي أضعاف مضاعفة عن الربحية في الحالة الثانية ولا يخفى على احد اليوم مدى ازدياد الاهتمام العالمي بشجرة الزيتون خاصة في دول حوض المتوسط بسب ارتفاع أسعار الزيوت المستخلصة من ثمارها والتي ثبت علميا بأنها أفضل أنواع الزيوت النباتية على الإطلاق مما زاد الطلب على هذا المنتج وتضاعف الكميات المستهلكة منه في كل سنة خصوصا في الغرب رغم ارتفاع أسعاره مقارنة بالأنواع الأخرى . وبالتأكيد يوجد الكثير من المحاصيل الزراعية التي تشارك الزيتون في خصائصه البيولوجية ويمكن تشجيع زراعتها في السهل من خلال خطط منظمة تضعها مصارف زراعية خاصة أو مدعومة من قبل الدولة تقدم دعما ماديا (( سلف أو قروض أو منح أو شتلات ..الخ )) للمزارع مشروطة بنوع الاستغلال والنمط الزراعي الذي تجده الأنسب لكل منطقة وبعدها سيقارن المزارع بين المنافع المتحققة له في الحالتين وهو من سيقرر مستقبلا الاستمرار في توسيع الرقعة المزروعة بالمحصول الجديد أو التوقف . هذا بالطبع كل ما يتعلق بالمردودات المالية والربحية التي ستعود على المزارع أما بخصوص المنافع الأخرى فهي أكثر من أن تحصى الآن وأولها المكاسب البيئية حيث سيساعد النمط الزراعي الجديد على تلطيف أجواء المنطقة من خلال زيادة الغطاء النباتي دائم الخضرة فضلا عن توفير فرص اقتصادية أخرى لما تمثله تلك الأجواء من مناطق جذب سياحية وكذلك في الصناعة المعتمدة على سلة من المحاصيل المتنوعة التي ستتخصص كل منطقة بإنتاج بعضا منها علما بان السهل يعتبر من المناطق الواقعة في أعالي الأنهار والأفضل أن يتخصص بالمحاصيل التي لا تكلف الأنهار القريبة منه وخصوصا دجلة جزءا كبيرا من موارده المائية وبالتالي الحفاظ على النظام البيئي السليم لأنهارنا وعدم التجاوز على مناسيب المياه فيها وضمان تدفقها بقوة حتى نهاية سهولها الفيضية .
يبقى المهم أن نشير بأن مثل هذه المؤتمرات يجب أن تستمر على أن يسبقها دعاية ترويجية في كل مدن السهل وقراه لكي يطرح كل من لديه فكرة أو مشروع رأيه الخاص ونظرته البحثية وأسلوب التطوير الذي يجده مناسبا لأن أبناء السهل أدرى بمواقع الفقر والغنى فيه وهذا المؤتمر لن تسبقه مثل تلك الدعاية ولم يعلم به سوى القليلين .
عصام سليمان – تلكيف .