Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

ضوابط اللغة الآرامية/ الجزء الاول

قبل البت في موضوع اللغة الآرامية ومراحل تطورها استعرض نبذة موجزة عن الآراميين وظهورهم الذي جاء في منتصف الألف الثاني قبل الميلاد، بعد المصريين والسومريين والاكديين والآشوريين والكنعانيين والحثيثين بزمان طويل كقبائل رحل ثم شكلوا دويلات عديدة لم تفلح في تكوين إمبراطورية كباقي الإمبراطوريات الأخرى كالآشورية والفارسية. وكان لهم الدور الهام في السياسية. ورغم غموض أصلهم فهناك من يقول إنهم من الموجة السامية التي انطلقت من جنوب العراق وآخريين من يقول نزحوا من الشمال عبر الحدود الغربية من الصحراء السورية باتجاه مصر وبلاد كنعان. وهناك دلائل تشير إلى وجود هؤلاء الرحل في مصر منذ السلالة الأولى نحو (3100 ق.م). وبهذا الشأن (هناك كتابات مسمارية ترقى إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد تنقل لنا أن جماهير من بطون لاسوتي الآرامية استقرت في نواحي دمشق وان قبائل اخلامية من العصر الآرامي استوطنت جنوبي الفرات) (تاريخ اللغات السامية ولفنسون).
أما لقب آرام فهو اسم جغرافي أطلق على المرتفعات (الأرض المرتفعة ارعا رمةا) الواقعة في الشمال الشرقي من سوريا. أما الكتاب المقدس فينسب تسمية الآراميين إلى آرام بن سام بن نوح أو إلى أسرة ناحور. ولو أن نفوذ الآراميين السياسي قد تلاشى فان أثرهم مازال حيا فقد خلقوا للأجيال اللاحقة لغتهم لذا متطرق عن اللغة الآرامية ومراحل تطورها والضوابط اللغوية فيها.
أما الآرامية كلغة فهي سامية قبل الآشورية – البابلية والفينيقية والعبرانية والعربية، وهي تقترب من الفينيقية والعبرانية وتتميز عنهما كثيرا وفي بعض النقاط تظهر أوجه الشبه اكبر مع العربية منها مع هاتين اللغتين ونحاول أن تشمل هذه الكلمة لتكون مجموعة لغوية غنية ومعقدة. وقد تعلم الآراميين من الكنعانيين فن الكتابة الأبجدية وحاولوا استعمال اللغة الكنعانية في كتاباتهم وبدءوا باستعمال التعابير الآرامية لتتخلى عن اللغة الكنعانية تدريجيا. وان أقدم نصوص وصلتنا باللغة الآرامية ترقى إلى القرنين التاسع والعاشر قبل الميلاد منها:
1. كتابة منحوتة على مذبح صغير نذري وجد في ما بين النهرين، في غوزانا (تل حلف الحالية) عاصمة دويلة آرامية كانت مزدهر في القرن الحادي عشر قبل الميلاد
2. كتابات قصيرة على الطابوق وجدت في حماه
3. كتابة لكيلامو ملك سمآل محفورة على غمد من الذهب وجدت في زنجرلي.
4. كتابة فنامو الأول ملك سمآل منحوتة على تمثال للإله هدد.
5. كتابة منحوتة على تمثال فنامو الثاني، ملك سمآل أيضا وقد كتبها ابنه وخلفه بر ركوب في بدء ملكه.
6. كتابة اخرة لبر ركوب نفسه منحوتة لنعش بارز في بلاطه في زنجرلي.
7. كتابات قصيرة محفورة سبائك من الفضة ولا تحمل إلا اسم بر ركوب.
أما كتابة هذه الوثائق فهي مقتبسة من كتابة الفينيقيين ولا تتميز عنها إلا قليلا. فالأبجدية الموجودة لدى الفينيقيين المتكونة من 22 حرفا تم اقتباسها من قبل الآراميين مع إدخال الحروف الأربعة (الألف، الهاء، الواو، الياء) واستعمالها تارة حروفا علة وتارة أخرى حروفا صحيحة. والجدير بالذكر أن اليونانية بعد تبنيها الحروف الفينيقية بعد الآرامية بقليل زادوا على اشرات العلة علامات فينيقية تقابل الحروف الصحيحة التي كانت تنقص لدى اليونانيين. وهنا يجب التنويه على ظهور كتابتين في سمآل أحداهما كتابة تمثال هدد والأخرى لتمثال فنامو الثاني، تعودان إلى القرن الثاني وهما مكتوبتان بلغة خاصة هي جوهرها آرامية، إلا أن حسب رأي الباحثين تحتوي على قواعدية ملحوظة و تعابير فينيقية كثيرة، لاسيما إذا عرفنا أن اللغة الفينيقية كانت اللغة الفصحى في القرن السابق في عهد الملك كيلامو. أما الخواص القواعدية فتشير إلى لهجة متميزة عن اللهجة الموجودة في الوثائق الآرامية القديمة الأخرى التي يمكننا أن نسميها باللغة الآرامية المشتركة أو اللغة الكلاسيكية.
وليس بعيدا أن اللغة الآرامية عندئذ استعارت عددا من الكلمات من اللغات المجاورة ولاسيما من اللغة الآشورية – البابلية والفينيقية. أي من لغات الشعوب التي قادت الآرامية نحو الحضارة وهذا أمر يطابق الأصول اللغوية العامة، إضافة إلى أن العصر الذهبي للغة الآرامية في القرن العاشر حينما كانت الدويلات الآرامية في أوجها. وفي مجد دمشق السياسي لم يكن لها لغة مكتوبة ومزودة بأدب غني لتثبيت أخبار الملوك والممارسات الطقسية ونتاجاتهم الأدبية من ملاحم وأساطير. فان هذه العاصمة الطموحة لم تكن أدبياتها اقل شأنا من مملكتي يهوذا وإسرائيل الذي وصل فيهما الأدب العبراني أوج عظمته وبسبب ذلك زالت كل الكتابات الآرامية المعاصرة لولا بقاء الكتاب المقدس، وما وصلنا من الوثائق العبرانية التي تعود إلى الزمان الملوكي هناك لكتابة تقويم غزر وبعض صدفيات وأختام وهي اقل ما وصلتنا من اللغة الآرامية العائدة إلى العصور القديمة. ورغم قلة ما وردنا يتيح لنا أن نتصور ما كانت عليه هذه الحقبة الأساسية من تاريخ اللغة الآرامية مدى نضوجها.
وبسبب بلوغ اللغة الآرامية المكتوبة قبل انقراض دويلاتها اضطر الآشوريون إلى معرفة شيء من هذه اللغة لان العلاقات مع الشعوب الآرامية المستوطنة في مابين النهرين والبلاد السورية في الحرب والسلام (تطلبت أن يكونوا للجيوش الآشورية ولحكام المقاطعات المحتلة كُتاب آراميون بجانب الكتبة الآشوريون). وهكذا لوحظ على عدة آثار مرسومة من أصل آشوري وخاصة على نقش من (تل برسيب) جنبا إلى جنب كاتبا آشوريا يدون على لوحة صغيرة وكاتبا آراميا يكتب على صحيفة من رق أو من ورق البردي، وهذا دليل قاطع على وجود كتبة آراميين معينين رسميا في الدولة الآشورية في القرنين التاسع والثامن. ولقوة انتشار اللغة الآرامية كانت قد وصلت إسرائيل وقصة قائد سنحاريب لدى حيزقيا ملك يهوذا سنة 700 ق.م ان كبار الموظفين كانوا يتقنون لغات عديدة ولما كان ربشاقا (قائد آشوري) يخاطب شعراء حيزقيا بالعبرانية طلب هؤلاء قائلين كَلم عبيدك بالآرامية فإننا نفهمها ولا تكلمنا بالعبرانية على مسامع الشعب القائمين على السور(2ملوك 2:17 اشعيا 2:36) غير أن ربشاقا لم يجب إلى هذه الرغبة ووجه الخطاب رأسا إلى الشعب بالعبرانية فهو ذا قائد آشوري يتكلم عدا لغته الأصلية باللغة الآرامية والعبرانية. ومن هذه القصة تؤكد أن اللغة الآرامية كانت مفهومة في نحو نهاية القرن الثامن لدى رؤساء أورشليم. هذا وقد عثر على رسالة مكتوبة على صدفية في عهد آشور بانيبال بين موظفين آشوريين لها أهمية كبرى باستبيانها أن الآرامية لم تكن اللغة الرسمية بحصر الكلام، أي اللغة الإدارية للإمبراطورية الآشورية. فاللغة الرسمية مازالت بعد الاكدية، إلا أن استعمالها بدأ يطغي على اللغة المحلية وان اللغة الآرامية التي استعملها الآشوريون آنذاك للمراسلة ليست إلا الآرامية المشتركة. هذا مع ملاحظة بعض التطور في الحروف الصوتية والكتابة وع بعض التأثير طرأ على الكلمات والنحو من اللغة الاكدية. ذلك لأنها لغة حية.
إضافة إلى صدفية آشور فقد عثر في نمرود (كالح) على عدة تماثيل لاسود تستعمل كوزن وتُحمل في اغلب الأحيان، عدا كتابة مسمارية – كتابة آرامية تشير إلى ذلك الوزن. هذا فقد وجد في نينوى قطع عديدة لصكوك أو نقود مكتوبة على ألواح من الفخار بالخط المسماري، وفيها كتابة آرامية دقيقة تساعد على تنسيقها بسهولة وأكثر هذه الوثائق تعود إلى القرن السابع. وانتشرت اللغة الآرامية بشكل واسع النطاق كلغة وكتابة بسبب ما قاموا به ملوك الآشورية من سبايا واتوا بعناصر آرامية مهمة إلى نينوى وآشور فضلا عن التعايش المتقارب بين الآشوريين والآراميون في مدن عدة مما أدى تقوية الروابط الاجتماعية والتجارية بينهما. إضافة إلى سهولة اللغة الآرامية قياسا بالمسمارية وسرعة التدوين بها مما زاحمت الآرامية الطريقة القديمة للكتابة الموجودة في ما بين النهرين منذ آلاف السنين وما أن دخل هذا التجديد حتى قطع أشواطا عديدة في التقدم. وبرهنت تداولها في البلدان الآرامية القديمة لا سيما سوريا مستشهدين بنصبين آراميين أقيما على قبر كاهنين للإله قمر، اسم الواحد سين – زير- أنين والآخر اكبر وقد عثر عليهما في نيراب بالقرب من مدينة حلب. زد إلى ذلك فان اللغة الآرامية انتشرت في فلسطين التي كانت قد احتفظت باللغة الكنعانية – العبرانية ولكن دخول الملك سرجون الآشوري إليها وإسقاط عاصمتها سامرة سنة 722 ق.م جعل من المملكة الشمالية مقاطعة آشورية تحت ولاية حاكم آشوري مما ساهم في نشر اللغة الآرامية في السامرة في القرن السابع.

Opinions