Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

ضوابط اللغة الارامية / الجزء الثاني

في سنة 626 ق.م لدى تأسيس نبوبلاصر سلالة بابلية جديدة أخذت الآرامية تكتسب حيوية وازدهار منقطع النظير ليس فقط في المملكة البابلية وحدها التي تزخر بالآراميين الذين كانوا قبل هذا العهد رحلا، فأصبحوا مستوطنين وبها تقهقرت الاكدية لتقوم الآرامية في بلاط الملوك كلغة دبلوماسيين ولغة العصر آنذاك. هذا وبعد سقوط الدولة الكلدانية 539 ق.م على يد كورش الفارسي أصبحت اللغة الآرامية اللغة الرسمية للإمبراطورية الجديدة ودخلت بلاد فارس، وطغت على غيرها من اللغات المحلية. كذلك دخلت مصر فكانت المراسلات بين الفرس والمصريين بالآرامية وهي لغة أجنبية، كما أن هناك رسالة وجهها ارشم حاكم مصر إلى شخص يدعى (وحفر يماحي) وهو موظف مصري أيضا مكتوبة بالآرامية إضافة إلى عدة أنصاب القبور من الفن المصري مكتوبة بالآرامية وتماثيل وأختام وجرار عليها كتابات آرامية مع عناوين المومياء وبعض رسوم، فكل هذه النصوص دونها يهود مستوطنون يتكلمون الآرامية أو سوريون مهاجرون أو فرس أو مصريون يستعملون الآرامية من العصر الاخميدي في مختلف أنحاء المملكة. كما عثر على ألواح كثيرة للمحاسبة بكتابة آرامية في مدينة بابل وأوروك وخصوصا في نيبور التي زودتنا أيضا بصدفية آرامية، كما أن هناك صدفية أخرى عثر عليها في لارسا وهي أيضا من العصر الفارسي.
وقد اكتشفت عدة كتابات آرامية عدا النقود في آسيا الصغرى والتي كانت في العهد الفارسي كقلقيليا وسرايدين وغوزنيو غيرها. وإذا تقدمنا نحو الشرق قليلا كأفغانستان والهند تم العثور على كتابتين بالخط الآرامي وفيهما كلمات ارامية,يظهر انهما ترتقيان الى عهد"اصوكا" أي إلى القرن الثالث قبل الميلاد.غير ان الهند فتحت أبوبها أمام اللغة الآرامية منذ العصر الاخميدي الذي جزئها إلى مقاطعات. وإذا توجهنا نحو الغرب,نعثر في البلاد العربية الشمالية على بعض كتابات من العهد الفارسي. أربع منها اكتشفت في "تيما",وإحداهما في غاية الأهمية حفظت في متحف اللوفر في باريس, وثلاث أخرى عثر عليها في "حجرة" او في ضواحيها. وان بعض صدفيات اكتشفت في "ايلات" شمالي العقبة. واللغة الآرامية كانت منتشرة على امتداد حدود الإمبراطورية الاخميدية كلها، كما اقترح البعض أن تسمى (آرامية المملكة) وان هذه التسمية هي في صميمها الآرامية المشتركة المتداولة في العصور السابقة. وفي آسيا الصغرى عثر على كتابات آرامية عدا الكتابات على النقود والأختام.
وهكذا طغت الآرامية على عدة إمبراطوريات باستعمالها كلغة البلد أو كلغة رسمية والمراسلات لتلك الإمبراطورية ودخولها في مراحل تطورية عديدة وتداخلها مع لغات أخرى ونشوء لهجات باختلافات بسيطة، بين فينة وأخرى. حتى مجيء الحكم اليوناني وغزو اسكندر المقدوني الذي دخل اللغة اليونانية كلغة رسمية عوضا عن الآرامية وبعد موت المقدوني 323 ق.م تجزأت إمبراطوريته ونشأ منها الحكم السلوقي في سوريا (الشرق الأدنى) واتخاذ مدينة أنطاكيا عاصمة له والحكم اللاجي في مصر وعاصمته الإسكندرية. وحلت اليونانية لغة رسمية لها في الدولتين غير أن اليونانية قاومت النفوذ اليوناني وظلت سائدة في الحضر مثلا رغم مظاهر الحضارة اليونانية والرومانية البادية على أطلالها. وعوضت الآرامية عما فقدته في العهد اليوناني، إذ بسطت نفوذها في البلاد العربية حيث تداولها الأنباط والتدمريون حتى العهد المسيحي، وفي فلسطين حيث تمسكت بها الجماعات التي ناهضت الثقافة اليونانية.
ومنذ انتشار المسيحية أخذت الآرامية القديمة تترسخ في النصوص الأدبية وفي الكتابات بلهجاتها الرئيسية الثلاث وهي اليهودية – البابلية والمندائية والسريانية، فالآرامية – اليهودية – البابلية هي لغة (تلمود بابل) الذي صدر عن الجماعات اليهودية المستقرة في كلدو القديمة. وكتب في القرن الخامس والسادس الميلادي. أما المندائية فهي لغة شيعة المندائيين الغنوسية التي ازدهرت أيضا في بلاد بابل في مطلع المسيحية وخلفت لنا عدة كتب. أما السريانية فهي لغة الرها الخاصة والرها مدينة واقعة في حوض الفرات الكبير، غير بعيدة عن حران القديمة. في نقطة توغلت فيها الآرامية منذ نهاية الألف الثاني قبل الميلاد، وكانت لأهمية كنيسة الرها المتزايدة اليد الطولى في إقرار هذه اللغة واتخاذها لغة كلاسيكية للجماعات المسيحية المنتشرة في بلاد ما بين النهرين وسوريا ولنا من هذه اللغة أدب غزير لا سيما اللاهوتي منه ويتضمن ترجمات عدة مؤلفات يونانية في الفلسفة والعلوم. هذا وأود أن أصنف هذه اللغة بشكل موجز ومقتبس من خلال استعراضنا لهذه اللغة والمراحل التطورية التي مرت بها إلى قسمين رئيسيين الآرامية الشرقية والآرامية الغربية ومنها قسمت إلى فئات هي الآرامية القديمة: والتي عثر عليها في شمال سوريا في الفترة التي ما بين القرن العاشر والثامن قبل الميلاد وحينها تخلى الآراميون عن اللغة الكنعانية وشرعوا يستعملون لهجتهم المحلية. غير أن الآراميين لدى استقرارهم في ما بين النهرين وسوريا في القرن الحادي عشر والعاشر لم يكن لديهم لغة مكتوية (لغة فصحى)، لذا فان أمراء الممالك الآرامية الجديدة اندفعوا إلى تبني لغة البلدان التي غزوها. هذا فان كتابات الملك الآرامي (كفارا) في نهاية الألف الثاني قبل الميلاد كانت مكتوبة بحروف مسمارية وبلغة آشورية والكتابة الكبرى للملك ( كيلامو) مكتوبة بالصدفية العائدة في القرن التاسع. وسرعان ما تكونت لغة آرامية فصحى مع وجود التأثير الفينيقي واضحا على بداية هذه اللغة.
الآرامية الرسمية: ظهر لهجة جديدة في الكتابات التي وردتنا من شمالي سوريا وهذه اللغة تداولتها الوثائق الرسمية في مختلف المناطق الآشورية ثم تبنتها الإمبراطورية الفارسية بدورها كلغة رسمية في الدوائر الحكومية (وقد نوهنا عن الآرامية الرسمية في بداية بحثنا).
الآرامية الغربية: هناك جماعات آرامية تغلغلت في منطقتي دجلة والفرات وغيرها نحو سوريا وفلسطين واستقرت وأخذت تتكلم لغتها بالإضافة إلى الكنعانية. وبعد سقوط السامرة 721 ق.م انتشرت الآرامية فيها بواسطة الجاليات التي اجلها الآشوريون فيها. ولما عاد السبايا من بابل إلى فلسطين كانت الآرامية وليس العبرية هي اللغة التي يفهمها الجميع. هذا وتشعبت إلى لهجات سادت الآرامية الغربية.
أ‌- الآرامية اليهودية – الفلسطينية: وكانت تسمى آرامية الجليل وهي اللهجة التي نطق بها السيد المسيح ورسله إضافة إلى وجود تعابير يونانية في العهد الجديد بهذه اللهجة وكانت تختلف عن لهجة الجنوب (أورشليم وما حولها) وكذلك كتب بها التلمود الفلسطيني وأقدم المداريش، وبها جاء ترجوم (يوناثان) المنحول والترجومات الأورشليمية ونتف من الترجوم الفلسطيني بنوع خاص.
ب‌- الآرامية السامرية: تقترب هذه اللهجة إلى اللهجة الجليلية, وللسامريين ترجوما للتوراة كتبوا بها، وكتبوا بها قصائد وأناشيد وقطعا طقسية. أما أبجديتها فهي تطور محلي للخط الكنعاني القديم، وقد زالت هذه اللهجة بعد الفتح الإسلامي وحلت محلها العربية.
جـ- آرامية فلسطين المسيحية: انتشرت هذه اللهجة لدى المسيحيون الأولون في فلسطين فيما بينهم محليا، وبها كتب العهد الجديد ما خلا إنجيل متى الآرامي الذي فقد نصه الأصلي وبقيت ترجمته اليوناني وكانت هذه اللهجة مستعملة لدى مسيحي مصر الناطقين بالآرامية
د- الآرامية الغربية الحديثة:لا زالت هذه الآرامية مستعملة في ثلاث قرى واقعة في الشمال الشرقي من دمشق وهي معلولا وبخعا وجعيدي وهذه تعتبر بقية حية للآرامية الغربية.
الآرامية الشرقية: هناك اختلاف بين اللغة الآرامية الرسمية واللهجات المستعملة للآراميين الذين استوطنوا منطقة دجلة والفرات، حيث انتشرت هذه اللهجات حتى في جبال أرمينيا وشمال العراق. ويمكن تصنيفها إلى أربعة فئات:
أ‌- الآرامية اليهودية – البابلية: وقد ظهرت في وثائق تعود إلى ما بين القرنين الثاني والسابع الميلادي، وكذلك ظهرت في التلمود البابلي. وهناك اختلاف في صيغها الكتابية. أما التلفظ فشأنها شأن الآرامية الفلسطينية.
ب‌- الماندية: كتب المانديون في العراق أدبهم الديني بهذه الآرامية الشرقية. وهناك وثائق لهذه الديانة المستقلة كتبت بلغة تطورت محليا من الآرامية القديمة قد تكون صيغة صائبة من الآرامية الشرقية غير المتأثرة بالعبرانية. كما هي الحال مع السريانية.
جـ- السريانية: أن هذه اللهجة التي أصبحت اللهجة المسيحية للآرامية الشرقية، كانت مستعملة كلغة الأدب منذ العهد المسيحي كوريثة للغة الآرامية القديمة. أما في منطقة الرها الآرامية فقد حلت مدرسة مسيحية محل المركز الوثني وتطورت الآرامية الشرقية إلى لغة أدبية مزدهرة ارتفع شانها عاليا لا سيما بعد أن اتخذتها المسيحية لغة الدين والأدب لها. وأصبحت الرها مركز إشعاع هذه اللغة ونقطة انتشارها الواسع، فتطورت في القرن الخامس على أغناء مفرداتها وتهذيبها لجعلها قادرة على التعبير عن المفاهيم اللاهوتية والفلسفية والفلكية والكتابية بشكل مؤديا ذلك إلى انقسام اللغة الآرامية السريانية لفظا وكتابة إلى آرامية شرقية وآرامية غربية، منذ مطلع القرن السادس الميلادي متأثرة باليونانية في كثير من ألفاظها خصوصا من الجانب العلمي والفلسفي.

Opinions