ظاهرة الإنسحابات هل ستنجب صحوة إصطفاف وطني؟

يبدو ان صحوة الأنبار التي قدح شرارتها واعلى رايتها المرحوم الشيخ الشهيد عبد الستار أبو ريشة بوجه الارهاب الدولي المنظم والمتمثل بشراذم تنظيم القاعدة المشبوه ومن يقف وراءه ومن يقدم لزمره الإمداد المادي والاعلامي واللوجستي ومن يهيء لهم الحواضن والملاذات الآمنة- يبدو ان هذه الصحوة قد فعلت فعلها وأتت ثمارها- ليس على مستوى مدينة الرمادي وضواحيها فحسب بل على مختلف الصعد والمستويات، اذ لم يكن هذا الموقف المتصدي مختصرا على دحر عناصر القاعدة في هذه المدينة- وإن كانت تلك العناصر قد عاثت فسادا فيها- وإن كانت هذه النتيجة بمثابة الإنجاز الأعظم في تحقيق الإستقرار واعادة الأمن وبدء فصل جديد من عملية البناء والاعمار في هذه المدينة واعادة الأوضاع الطبيعية لها- فاضافة لهذا المنجز البارز حققت تلك الوقفة المزيد من الانجازات وخاصة في الجوانب المعنوية والتنويرية حيث فضحت أكاذيب وادعاءات القاعدة وعرت فساد منهجها وخسة أساليبها ونشرت ذلك بالأدلة الواقعية والميدانية على الملأ حتى أسقطتها في نظر من خدع بادعاءاتها الباطلة وانساق وراء فتاوى مضليها كما ساهمت تلك الصحوة في كسر طوق الخوف والتردد والشك الذي احاط ببعض الأوساط العشائرية العراقية الاصيلة. فالنتائج الباهرة التي حققتها هذه المبادرة على الواقع الميداني صارت مثالا يقتدى ومفخرة للحس الوطني ونخوة باسلة في التصدي الحازم لزمر الارهاب بما وجهته من ضربات موجعة قصمت ظهر الدخلاء الظلاميين واصابتهم بمقتل وقلبت كل مخططاتهم وحساباتهم المتهورة وشتت من تبقى من حثالاتهم بعد ان فضحت نواياهم وكشفت زيف شعاراتهم!، وافشلت جميع مشاريعهم الكهوفية واهدافهم الخبيثة.
وموقف بهذه الجرأة لحري بالاقتداء وأجدر بالتقدير- وانطلاقا من هذه الحقيقة وبناءا على هذه القاعدة الرصينة فقد هبت كل عشائر الانبار- ابتداءا- موحدة في مجلس ريادي اذكى جذوته، وسعر جمرته شيخ الشهداء عبد الستار ابو ريشة والذي صار استشهاده مبعث عز ألهب الحماس واعطى العزم واسقط الاعذار وأجج الروح الوطنية النضالية في صدور كل غيارى العراق وفي مقدمتهم عشائره الأصيلة وعلى الأثر تناخت عشائر ديالى والموصل والفرات الأوسط والجنوب للوقوف وقفة رجل واحد لاجتثاث آخر جذر عفن يمت بصلة لتنظيمات القاعدة المشبوهة التي عاثت بأرض العراق دمارا وفسادا وذبحت وهجرت شعبه الصابر وهدرت ثرواته وخربت بناه التحتية والعمرانية وفرقت وحدة تلاحم اطيافه المتآخية وعملت جاهدة في سبيل تمزيق نسيجه الازلي بما زرعته من بذور الفتن الطائفية والعنصرية وبما سنته من فتاوى نفاقية كهوفية اشاعة على اثرها الذبح على الهوية وتهجير وترويع الناس من كافة الطوائف والقوميات والديانات.
وكان من الطبيعي ان تلقي هذه الصحوة الجريئة بظلالها على العملية السياسية بكل مفاصلها وكان من البديهي ان تنعكس انجازاتها على جميع الاطراف التي تدير العملية السياسية في العراق الجديد. فعلى مستوى الحكومة باركت رئاسة الوزراء هذه المواقف الرائدة وبادرت باطلاق سراح ألوف السجناء في خطوة متقدمة لمشروع المصالحة الوطنية واستعدت لتقديم الدعم الكامل لأي مجلس صحوة ينشأ على غرار مجلس صحوة الانبار، فدعمت مجلس صحوة ديالى، ومجلس صحوة عشائر الموصل، وجنوب بغداد وغربها. كما اتجهت بشكل جدي لتشكيل حكومة تكنوقراط مصغرة بعيدة عن المحاصصات الطائفية والغاء العديد من الوزارات وترشيق مثيلاتها من المديريات والمؤسسات للقضاء على ظاهرة الترهل في عمل الوزارات والحد من الاسراف في تبديد المال العام على تلك الوزارات والدوائر غير الضرورية.
وعلى مستوى الكتل والتحالفات اعادت الكثير من الاحزاب والتيارات والشخصيات السياسية النظر في اوضاعها على ضوء المستجدات وتداعياتها حيث بادرت بعض الاحزاب والتيارات الانسحاب من الكتل المنضوية تحت لوائها. كما تخلى عدد من الوزراء والبرلمانيين عن التزاماتهم مع الجبهات والاحزاب التي كانوا ينتمون اليها بعدما تقاطعت آراؤهم وطروحاتهم مع متبنيات تلك الاحزاب او جاءت نتيجة اختلافهم مع ما استجد من سلوكيات رؤساء الاحزاب أو الجبهات المعنية.
وحسب المعلن من تصريحات وتبريرات المنسحبين فإن البوصلة السياسية تتجه نحو اصطفاف وطني هدفه انقاذ العملية السياسية وانهاء حالة الخراب والاحتراب التي جرتها سياسة المحاصصات.