Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

عار العدوان على مسيحيي العراق

عندما جرت سلسلة اعتداءات على الكنائس والنساء المسيحيات السافرات عام 2004 نشرت في أكتوبر منه مقالا عنوانه "ظاهرة اضطهاد المسيحيين في العراق". وفي ختام المقال طالبت بمعاقبة المعتدين، ومحاسبة العمائم التي تعتبر غير المسلمين كفارا، مقسمين هؤلاء إلى "كفار كتابيين" و"كفار غير كتابيين".

إن هذا التوصيف وهذا التصنيف لا ينفرد بهما فقه مذهب إسلامي دون آخر بل هناك إجماع الفقهين عليهما، مع اختلافات في أساليب التعامل وفق الظروف. إن جميع أشكال التزمت الديني تتفق على ما مر. وفي سلسلة فتاوى لكبير فقهاء الشيعة كما اقتبسها مرة الباحث جميل صالح نجد التصنيف والتوصيف نفسيهما، ونجد اعتبار البدء بالسلام على الكتابي غير مستحب إلا لضرورة قصوى، والرد على سلامه لا يجوز إلا لضرورة وبعبارة "عليكم" فقط! إن مدارس التزمت والتطرف الإسلاميين بنشرها هذه الثقافة الدينية، التي تصد عن الآخر غير المسلم، تتحمل مسؤولية كبيرة عن أية أعمال عنف تقترف اليوم تجاه المسيحيين والصابئة المندائيين في العراق؛ وإذا كان التطرف المرتبط بدوافع إشعال الفتن الطائفية وراء تفجير المساجد الشيعية، فإن مطاردة المسيحيين منذ لحظة سقوط صدام، وسلسلة الاعتداءات على الكنائس التي اقترفت أمس حلقة جديدة منها في بغداد وكركوك، تمت قبل كل شيء لبواعث الكراهية الدينية للأديان الأخرى. على ضوء ما مر نفسر العدوان على الكنائس أمس [ 29 يناير] والذي من المرجح أن تعود مسؤوليته للزرقاوريين الدمويين؛ وعلى هذا الضوء نفسه نفسر ظاهرة محاصرة المسيحيين والمسيحيات خاصة، التي بدأها أعوان مقتدى الصدر في مدينة الثورة، وامتدت للبصرة حيث اضطر المئات من المسيحيين فيها إلى الهجرة منها.

لقد كتبنا عام 2004 معبرين عن القلق لضعف اهتمام المسؤولين والقيادات السياسية والدينية بالظاهرة برغم بعض الاستنكار العابر والباهت؛ وقلنا إن مجرد الاستنكار لا يكفي وإن كان مطلوبا ونافعا، بل لابد من تدابير حكومية صارمة لاعتقال ومحاسبة كل متهم بالعدوان وكل داعية في المساجد لتكريه وتكفير معتنقي بقية الأديان. إن عددا من الكتاب العراقيين قد ذكّروا في مناسبات سابقة بدور المسيحيين في تاريخ العراق قديمه وحديثه، وكيف كانوا الأكثرية من سكان العراق قبل الإسلام وكانوا من بناة الحضارات. كما قد لعب المسيحيون دورا هاما ورائدا في مجال الترجمة في العهد العباسي؛ وهل ننسى الدور العظيم للمترجم السرياني حنين بن إسحاق، الذي وصفه صاعد الأندلسي في كتاب "طبقات الأمم" بأنه "أحد أئمة التراجمة بالإسلام." وقال عنه الذهبي "إنه شيخ الأطباء في العراق." أما البيهقي فيقول "ولا توجد هذه الأزمنة بعد الإسكندر أعلم منه باللغة العربية واليونانية."

ونعلم أنه في العصور الحديثة لعب المسيحيون دورا كبيرا ورائدا في فتح المدارس العصرية منذ القرن التاسع عشر، وفي جلب المطابع وفي المسرح والفن والصحافة واللغة. أما في القرن العشرين، وخصوصا منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة، فقد كانت إسهاماتهم كبيرة في مختلف المجالات الحكومية والاقتصادية والأدبية والسياسية والتربوية والطبية والبرلمانية وغيرها. وعندما أرى اليوم كيف كانت نتائج الانتخابات بالنسبة للكلدو ـ أشوريين، [رغم أن انقساماتهم لعبت دورا سلبيا خطيرا]، فلا بد من ذكر أن البرلمان الملكي على علله وعيوبه كان يضم منذ الثلاثينيات الماضية ستة نواب مسيحيين دوما وهي الكوتا التي خصصت للمسيحيين.فكيف يجب أن تكون الحالة اليوم ونحن ندعي بناء الديمقراطية؟! وظهرت شخصيات مسيحية بارزة في حياة العراق الحديث، من أمثال يوسف غنيمة وأنستاس الكرملي وعبد المسيح وزير وميخائيل عواد وبشير فرنسيس ويوسف سلمان وروفائيل بطي ومتي عقراوي وفكيتور عيسائي وعشرات آخرين.

ترى كيف انحدر مجتمعنا لهذا المستوى من التمييز الديني بعد أن كان نموذجا للتعايش والتفاهم بين الأديان والمذاهب والأعراق؟ وهل ننسى مشاركة الكثيرين من العراقيين في الاحتفال بأعياد الميلاد والعام الميلادي الجديد"؟ أو ننسى مشاركة القسس والحاخامين في مجالس التعزية بذكرى شهداء وثبة كانون الثاني 1948وداخل المساجد بالذات؟ أو ننسى تعزيتهم للشيعة بوفاة المرجع الشيعي الكبير السيد أبي الحسن، حتى أنهم أقاموا مجالس عزاء خاصا بتلك المناسبة الحزينة؟

إن من أكبر الفضائح والجرائم الواقعة في عدد من الدول العربية ظاهرة التضييق والتمييز ضد الأديان الأخرى، سواء كانت عن الحالة المصرية مع الأقباط أو اضطهاد الجنوبيين واغتصاب نسائهم في السودان أو تضييق عدد من التنظيمات الدينية على المسيحيين والصابئة المندائيين في العراق، ناهيكم عن الدور الإجرامي الخبيث للزرقاويين، الذين يفجرون مساجد الشيعة كما الكنائس.

لقد آن الأوان للقيادات الوطنية العراقية، وبالخصوص العلمانية منها، ومن مختلف القوميات، أن ترفع الصوت عاليا لوقف الاعتداءات المتكررة على الأقليات الدينية وأن تبدي اهتماما استثنائيا بالقضية.

عزيز الحاج عن ايلاف:2006-01-31 Opinions