Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

عندما تكون الحريات هي دين الدولة

لكي لا يتهم الكلام وأصحابه بشيء أو بسوء نية تجاه دين أو عقيدة معينة أدعو كل من يقرأ أن يقرأه بعقلانية ويبحث عن ترددات ما يقرأه في واقع مجتمعه ويتصوره في القادم من أيام ذلك المجتمع .
الحريات . كثيرة ومتعددة ومطاطة تكون مرنة عندما تتوجه بنا نحو الأفق وتضيق وتتقلص كلما اتجهت نحونا وأنطلقت باتجاهنا . الحريات مفهوم جديد بالنسبة لنا ولكنه فعليا اقتحم العالم منذ عقود طويلة ووقفت ديانات عريضة وواسعة الأنتشار عاجزة أمامه , وفي المجتمعات المتقدمة أصبح نقيضا لكل ما هو تقليدي وفرض على الثوابت البشرية حقائق جديدة تتلخص في التغيير والأنفتاح أو التنحي جانيا أمام الحرية بكل أنواعها واشكالها وضمن كل أبعادها ومدياتها . وأمام هذا التوجه العالمي يحز القلب أن يجد الأنسان مجتمعه في كل يوم خطوة جديدة بالأتجاه الأخر بالنقيض نحو
دهاليز الأديان الخانقة وتعدداتها وأختلافاتها القاتلة . ليس الغرب غبيا لكي ينادي بالحرية والمساواة ويوسم بالعار كل من يتكلم عن العنصرية والتمييز . ليس كتبة الدستور في هذه البلدان الكثيرة كلهم كافرون جاحدون لا يؤمنون بالغيبيات . أنهم وببساطة في قمة الأنسانية بناة سيذكرهم التاريخ على حنكتهم في بناء دول قوية ومتطورة . وضعوا قواعد عامة تستوعب كل الأديان والأمزجة البشرية تفهم الأعراق وتخاطب البشر بلغاتهم وموروثاتهم وحضارتهم رويدا رويدا حتى تجدهم منصهرون متماسكون مع المريض والمختل مع العبقري وصاحب الأرض مع المسجون في تاريخ ميت
بعث من جديد في مجتمعات تعرف كيف تبعث الحياة في الموتى من خلال حرياتها من خلال نظرتها للأنسان . والنتيجة دول قومية قوية جدا مكونة من اعراق ومشارب في غاية الأختلاف والتنوع .
متى سوف ندرس الحرية في مناهجنا بعد أن كتبنا في الدستور .. الأسلام دين الدولة وووو.... الخ . وليكن الأسلام دين الدولة وما المانع فلا ننكر عدم قدرتنا على العيش وفق نمط غربي مختلف بزاوية 180 درجة عن مجتمعنا ففي كل جانب هناك سلبيات وايجابيات ولحد اليوم لم ياتي مجتمع أو نمط في الحياة الأنسانية وأثبت مثاليته . الأسلام دين الدولة أهلا وسهلا سنحترمه في كل زاوية وركن ولكن ماذا عن المنبوذين أين ذهبت حقوقهم . اين موقف غير المسلمين من الأعراب .. لا اقصد هنا ابناء الديانات الأخرى فقد يثار ديك هنا او هناك ويقول هن واحدة من المئة دجاجة . اين ذهب
العلمانيون والعلميون . هل يستطيع المخطط العراقي للتنمية الأقتصادية أن يبني خططه لعام 2050 على أساس الحد من تعدد الزيجات والتنظيم القسري للأسرة . الأ يوجد من المسلمين أنفسهم عشرات الألوف ممن يعيشون تحت التسمية فقط لأنهم يتمتعون من خلالها بحماية أجتماعية ولكن واقعهم وحياتهم الفعلية لا علاقة لها بالأسلام ولا بأية ديانة أخرى . هل سيكتب لهؤلاء أن يعيشوا طوال حياتهم في الظل فقط لأن دولهم ومجتمعاتهم تأبى وتخاف من الحرية . لأن الحرية فلتان وانحلال أخلاقي ومجتمع يتمتع بالماديات ويتناسى الروحيات كما يقول بعض الدعاة .
أذا لم نبني لأجيالنا القادمة حرية داخل أوطاننا لا يجب أن نتوقع منهم أن يحوزوا على ميداليات ذهبية كثيرة في الأولمبياد , لا يمكن للمقيدون واصحاب العقد والعقول القاصرة أن يقدموا أنجازا ملموسا لأنهم عبارة عن سجين كل ما يمكن أن يعبر عنه في أقصى الحالات لن يكون سوى الحلم في عبور جدران سجنه الخانق . لا تتوقعوا للعائلات العراقية التي تكدس الأطفال كأكياس الرمل التي يتم رصفها على ضفة النهر لكي لا يغرق الماء البيوت . لا تتوقعوا منهم أو منا نحن ثمرات هذه البيوتات أن نقدم براءات أختراع او حتى ان توضع أسمائنا على صفحات كتاب يقرأ باكثر من لغة .
فمحمود لم يكون أفضل من أبيه وحتى لو كان فلن يكون بابعد من مرمى حجر فتعليمنا قاصر وحياتنا كلها قائمة على الفوضى في زمن اصبحت بعض الدول وهي ليست بالمتقدمة تنفق على تعليم الطفل الواحد مئات الألوف في نظرة صائبة وتوقع سليم لحياة الجيل القادم . واذا كنت فعلا مكترثا بمصير الأجيال العراقية في العام 2100 وانت طالع لا تتكلم عن الأديان ودع شؤونها لمؤسساتها الخاصة فهي كفيلة بالوصول بالاسلام الى حيث يستحق وبالمسيحية وغيرها من الأديان بحسب جهود مؤيديها . ففي الغرب تلك المؤسسات الدينية فعالة جدا في المجتمع ولا تنام ليل نهار في خدمة أبنائه وحتى
لو كانت باسم دين معين فهي لا تسال من تخدمه عن معتقداته وثوابته لأنها محكومة بدساتير حكومات علمانية حرة تحرم على أي مخلوق التمييز في اي موقع اجتماعي . فهل يستطيع واضعوا عبارة الأسلام دين الدولة أن يفعلوا ذلك أيضا للمسلمين أنفسهم وليس لأبناء العم . الحرية هي من نحتاج كدين , الحرية هي من تنفعنا كثوابت أجتماعية ودستورية , الحرية هي من سيبني مجتمعات سليمة وخصبة قادرة على استيلاد الحضارات من جديد . وكلما أخرنا في اعتناقها كدين لدولتنا الجديدة اخرنا عقودا وقتلنا ما قد يكون جميلا في حياة اجيالنا القادمة .

عصام سليمان – تلكيف .
Assyrian_publisher@yahoo.com
Sydney _ australia
Opinions