فكرة لإنهاء حركة الاحتجاج
لا يمكن تصور إنهاء حركة الاحتجاج المتواصلة، عبر اللجوء الى سياسة "الترغيب والترهيب" سيئة الصيت. السياسة الفاشلة التي درج على استخدامها النظام الدكتاتوري السابق. فهي تتعارض مع ثقافة المواطنة، ولا تستطيع بالتالي ترسيخ مبدأ المشاركة الواعية في تعمير الوطن وبنائه والدفاع عنه، انما أريد منها ضمان دعم الدكتاتورية وسياساتها الهوجاء، التي خلفت الكوارث والخرائب والعزلة الداخلية والخارجية. فلا بكلمة "جبان" التي كانت الدكتاتورية تنعت بها كل رافض للحرب، استطاعت ان ترمم معنويات أجهزة نظامها المنهارة، ولا بكلمة "متمرد" نالت من عزائم المكافحين في سبيل حرية العراق ولتأمين مستقبله الزاهر.واليوم لم تتزعزع عزيمة المحتجين السلميين حين تم وصفهم بـ "البعثيين"، ولم تعق الأسلاك الشائكة التي طوقت بها ساحة التحرير دخولهم إليها، ولم يحد "منع التجول" من وصولهم الى ساحات الاحتجاج. ولم يفلح حتى الخطاب الذي أستصغر أعداد المتظاهرين في إضعاف هتافهم من اجل لقمة العيش الكريمة، ولجعل بغداد أجمل وأبهى.
حركة الاحتجاج اكبر من اي رقم يصل إليه عدد المحتجين في ساحة ما في العراق، ومن الخطأ تصور اقتصار نشاطهم على صباحات أيام الجمع من كل أسبوع، فحديث الناس وعدم رضاهم، والتذمر من سوء الأوضاع وترديها، هو حديث واسع ويومي، بل يجري على مدار الساعة، في البيوت والجامعات والمعامل والمؤسسات الحكومية. ما يدل على ان حركة الاحتجاج حركة شعبية واسعة متنامية وغير مؤطرة.
ليس بوسائل الضغط والإكراه يتراجع المحتجون عن مطالبهم الشرعية والعادلة. ولا بأساليب "عرض المكافأة" و "منح المكافأة" و "الحرب النفسية" و "تمرير الرسائل" و استخدام "كاسري الإضراب"، تنتهي حركة الاحتجاج. ولا كذلك بـ"التفاوض" مع الذين لم يفوضهم احد، يقتنع المتظاهرون ويعودون أدراجهم.
بدلا من كل ذلك، وتوفيرا لجهود الأجهزة الأمنية في متابعة الناشطين في حركة الاحتجاج، نقول ان حركة الاحتجاج ستنفض لو أقدمت السلطات على بحث جدي عن مخرج من الأزمة السياسية المستفلحة، وكثفت جهدها لملاحقة الإرهابيين لا الناشطين سلميا، وألقت القبض على مجرمي مسدسات "كاتم الصوت" ومعهم "بعض" جحافل الفاسدين، بدلا من إلقاء القبض على شباب ينشدون عراقا أبهى. كذلك البدء بدك جدران "مؤسسة الفساد"، وكشف الحسابات الختامية لميزانية العراق، وتبيان أبواب الإنفاق وأوجهه، وتحسين مفردات البطاقة التموينية، وتحسين واقع الكهرباء.
نعم، لو أقدمت السلطات على مثل هذه الخطوات، لو أطلقت عملية الأعمار حقا وحرّكت عجلة التنمية، لما بقي مبرر لاستمرار حركة الاحتجاج.