Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

قراءة في كتاب ( في مرايا حانة)

" في مرايا حانة " ، عنوان لكتاب أنهيت من قرائته قبل أيام ، وهو من تاليف الأخ و الصديق الأستاذ القدير حسن ناصر.
الكتاب عبارة عن مجموعة قصص قصيرة مستلهمة من الواقع العراقي خلال العقدين الأخيرين، يتناول هموم و شجون و خصوصيات العراق و العراقيين و معاناتهم خلال الاحداث العصيبة التي عصفت بالبلاد خلال تلك الفترة.
جزالة الكلمات وسلاسة التعابير التي يغلب عليها الطابع الرمزي الشاعري في تصور أحداثها و مجرياتها ، يضيف اليها متعة و جمالية تفتح مجالاَ اوسع في خيال القاريء و تزيده تشوقاً لمتابعة تفاصيلها الدقيقة بتركيز و إمّعان .
.كما ان الكاتب تمكن بإسلوبه الرصين و امكانياته اللغوية من ان يبعد القصة عن الجمود و الرتابة التي تسود القصص في معظم الحالات عند سرد احداثها و مضامينها.

في هذا الكتاب يستنهض الكاتب الحدث من واقعه ليستنطقه ، ليثير حوله التكهنات و الشبهات، فيضعه إمّا في قفص الإتهام أو الإنعام. فلا شمس عنده تحجب بالغربال ، ولا أمرٌ عنده يزيغ عن المكيال، فالأيام أسيرة أحداثها، فتحمد أو تدان بأفعال حارثيها.
إنه ليس حاكماً أو قاضياً ، ولكن الحق و الحقيقة عنده منها الشيء الكثير ، و في الضمير لها ثقلٌ كبير.

من خلال هذا الكتاب يلمس القاريء مدى اعتزاز و اهتمام الكاتب بحضارة و تاريخ بلده الذي يمتد الى اكثر من 7000 عام ، حين يطعم مقدمة بعض قصصه بعبارات مستمدة من ملحمة كلكامش و يغوص في احداث الملحمة مع كلكامش وأنكيدو. يسير بخياله و أفكاره صوب أوروك و أكد ، و يكاد يلمس اوتار قيثارة سومر التي لم تداعبها الأصابع منذ آلاف الأعوام، حتى مردوخ ( كبير آلهة اجداد العراقيين) كان له حضوراً في هذا الكتاب عندما يحدثنا عن الفراغ الذي خلّفه مردوخ ، بعد أن انسحبت أرديته الخالدة عن مياه الزمن.

في بيت الألواح ، هناك ارتباك و حيرة في كيفية رسم خارطة العراق. فإن كانت له حدود جغرافية قابلة للرسم اليوم ، فأين حدوده في قلوب ابناءه؟ و كيف يمنحهم القدرة على رسمه بتفنن؟.
العراق نجده في كل المتاحف المشهورة في العالم ، فمن يحمل في قلبه الحنين اليه و الى مطر السياب، ليذهب الى تلك المتاحف لعله يجد فيها ظالته. و لو كان هناك (متحفأً للحنين) لملأت قلوب المهاجرين العراقيين قاعاته.

وصف رائع للحرية في تأثيرها على الإنسان و سائر المخلوقات حينما يقول الكاتب في عبارة غاية في الروعة و الشاعرية" لا سبيل لتدجين البلابل محترفة الحرية".
و هل كان في العراق شيء ما يشبه الحرية؟ حتى بلابله لم تستطع التغريد الاّ بالحان الطاغوط.
نهري دجلة و الفرات لم ينجوا من سيف السلطان. اما الحرية نفسها فربما لها سجلها الأحمر في نقرة السلمان او في ابوغريب.

الحروف لها جمالية و ايقاعها الموسيقي و مكانة خاصة عنده ،ولكل منها لها قصة ، و لم لا وهي التي تشكل الكلام من أوله الى أقاصيه.

الجنون أنواع ، و له مسبباته . قد يكون العثور على جثة صاحب في الحرب سبباً مقنعاً و معقولاً للجنون و قابلاً للتصديق بدل البوح بالسبب الحقيقي الذي قد يسبب احراجاً للبعض! ، ولم لا وان كانت الحرب و اسلحتها و قادتها كلهم من صنف المجانين.

خيال و أحلام الانسان لا يحدها اية حدود ، و كم كان غزل العشاق يبني قصوراً على القمر، او كوخاً على قمة جبل ، هروباً من صخب العواذل و زخم الكلام و تعب الحياة .
ولكن من يفكر في أن تكون له داراً في الماء ، هناك في قاع البحر ، لا أحد يعرف مكانها هروباُ من غربة دار التراب. و اذا كانت شريعة الغاب هي السائدة على التراب ، ربما سيكتشف الهارب منها بأن شريعة قاع البحار اقسى و أكثر وحشية.

" في مرايا حانة" لوحة ادبية و ثقافية رائعة أبدع فيها الكاتب حسن ناصر ، ولا ندري هل سيفاجئنا كاتبنا العزيز بعطاءٍ جديد يستسقي بنان أفكاره من جلسات الثقافة و موائد الأدب الثري، ليكون هذا الإنتاج القادم خاصاً بشجون العراقيين الأستراليين ؟.... . ربما.

سعد توما عليبك
saad_touma@hotmail.com




Opinions