قرار تقسيم العراق توصية ضارة نافعة
في السادس والعشرين من ايلول أصدر الكونغرس الاميركي قرارا غير ملزم يقضي بتقسيم العراق الى ثلاث مناطق مستقلة ترتبط بادارة مركزية في بغداد تأخذ على عاتقها تنظيم علاقات العراق الخارجية وتوزيع الثروات وحماية الحدود وهذه المناطق او الكيانات المستقلة حسب توصية مجلس الشيوخ الاميركي تتوزع طائفيا وعنصريا فمنطقة شيعية واخرى سنية وثالثة كردية. بغض النظر عن المناطق المتداخلة وحقوق القوميات الاخرى. وسواء كانت نوايا القائمين على تشريع هذا القانون ايجاد ذريعة لسحب القوات الاميركية من العراق بأسرع وقت واقل خسائر، او كان المقصود منه جس نبض استفزازي لمعرفة ردة فعل الشارع العراقي من جهة واستجابة او رفض شركاء العملية السياسية من جهة اخرى، او كان المراد من هذه التوصية اثارة ضجة تلهي الرأي العام العراقي والاميركي لتمرير مشاريع خطرة اخرى، وفض النزاع الجمهوري الديمقراطي.وعلى افتراض صحة جميع التصورات والاحتمالات فقد جاء هذا القانون باهتا أسود اللون فج الطعم ونتن الرائحة كشف عن خبث سريرة مشرعيه ولؤم تفكيرهم وخرف عقولهم. ومرة اخرى ينقلب السحر على الساحر.. ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين. فمثلما جمعت فاجعة جسر الأئمة العراقيين وباءت مخططات مثيري الفتن بالفشل الذريع، ومثلما ايقظتهم جريمة اغتيال شيخ صحوة الانبار الشهيد السعيد عبد الستار ابو ريشة وزادتهم تلاحما واصرارا على دحر القاعدة ومن يقف وراءها، بل مثلما وحدهم فوز المنتخب العراقي بكأس أمم آسيا وأنساهم كل المسميات والفجائع- وحدتهم هذه التوصية الضارة وربّ ضارة نافعة!. فما ان تناقلت الوكالات نص القرار المشؤوم- الذي أسموه توصية غير ملزمة- وبثته الاذاعات والفضائيات الدولية والاقليمية والمحلية حتى هاج الشعب العراقي وماج بكل أطيافه ومستوياته في ردة فعل غاضبة رافضة لكل مفردات هذا القرار المشبوه.
فعلى الصعيد الرسمي رفضت الرئاسات الثلاث رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ورئاسة البرلمان وبشدة هذا القرار واعتبرته تدخلا سافرا في شؤون العراق الداخلية. وقد أوعز دولة رئيس الوزراء السيد نوري المالكي الى رئاسة البرلمان العراقي بضرورة عقد جلسة استثنائية لمناقشة هذا القرار والرد عليه بما يناسبه كونه صدر عن مجلس برلماني وهو مجلس الشيوخ الاميركي. كما رفضت الكتل والاحزاب في داخل العملية السياسية وخارجها هذا القرار كونه مؤامرة واضحة لتمزيق العراق ووحدة شعبه المتآخي. وعلى الصعيد الشعبي استهجنت منظمات المجتمع المدني بمؤسساتها وجمعياتها وروابطها ومنتدياتها ونقاباتها واتحاداتها وسخرت من مشرعيه ووضعتهم في خانة المتآمرين على مقدرات هذا البلد الجريح وشعبه الصابر لما يحمله من امتهان وانتقاص من قدرات العراقيين بلا استثناء ومن سعي فاضح لتقطيع اوصال العراق وتعميق جراح شعبه وتوسيع فجوة الشقاق والاحتراب بين اطيافه ومكوناته المتحاببة كما تصدت المرجعيات الدينية الممثلة لكل الديانات والطوائف والمذاهب وبخطاب موحد مستنكرة وشاجبة لهذا القرار الكارثي. محذرة من الانجرار خلف هذه الدعوات المشبوهة التي يراد بها تخريب العراق وتمزيق نسيجه الوطني، حيث ظهر هذا التصدي جليا في خطب صلاة الجمعة وعند التجمعات لاقامة الشعائر والصلوات في المساجد والكنائس والمعابد والحسينيات وفي اللقاءات الرسمية والشعبية لرجال الدين من مختلف الطوائف. ومن الطبيعي ان تتفجر ردة فعل الجماهير العراقية بهذا البركان المتأجج، ومن الطبيعي ان تثور ثائرة القيادات السياسية والدينية والاجتماعية. كيف لا وهي ترى هذا الهجوم البربري وهذا التكالب المسعور من اطراف خارجية لالحاق المزيد من الدمار بمقدّرات العراق واهراق انهار من دماء أبنائه البررة. قد يختلف العراقيون افرادا وجماعات، عشائر ومناطق، قرى ومحلات.. يتشاتمون.. يتنازعون وحتى يتضاربون لكنهم لا يتفرقون ولا يتقاطعون إذ سرعان ما يلتئم شملهم مع اول مناسبة تجمعهم وتتوحد كلمتهم بحصول أبسط فاجعة تلم بهم فكيف اذا كانت هذه الفاجعة ضياع وطن وابادة شعب؟!.
منذ اربع سنوات ونصف ومعاول الشر تسعى جاهدة- وبكل ما أوتيت من قوة ومن دعم بشري ومادي وتسليحي ولوجستي من خارج الحدود- لتحطيم كل ما حققته عملية التغيير واسقاط هذه التجربة وخنقها في مهدها. ولم تترك قوى الشر التي جمعتها غاية واحدة وإن تعددت أهدافها واهواءها وايديولوجياتها فمنها من تضررت مصالحها بسقوط السلطة السابقة ومنها من وجدت في فوضى السقوط مناسبة للنهب والسلب والخطف في سبيل الاثراء السريع ومنها من وظفت تلك الحالة المضطربة لتصفية الحسابات ومنها من تخشى انتقال عدوى التغيير الى شعوبها ومنها.. ومنها.
كل هذه القوى التي تبنت الشر أسلوبا ومنهجا لم تترك وسيلة خسيسة لتدمير العراق الا واستخدمتها، ولم تعدم طريقة في اشعال نار الفتنة الطائفية الا وبثتها. وبعد ان خاب أملها وبطل مسعاها أخذت تتخبط بجنون.. تقتل وتخرب وتخطف بلا هدف وبدون تعيين بعدما رأت اصرار العراقيين على التمسك بوحدتهم وهويتهم الوطنية وبعدما تكشف للقاصي والداني زيف دعواتها.
وما هذه الدعوات المشبوهة التي تنطلق بين حين وآخر- تارة من شخصيات اقليمية واخرى من مؤسسات دولية، وثالثة من جهات رسمية اقليمية ودولية- الا امتداد نظري لعمليات التخريب الميداني إن لم تكن ظهيرا لها!.
لا شك ولا ريب ان العراقيين- وحتى المتردد والمعتم عليه بصورة وباخرى- قد وعوا حجم المؤامرة وتنبهوا لما يراد بهم وبأرضهم ووحدتهم فقد صهرتهم مآسي واوجاع الدمار الارهابي الذي تعرضوا له خلال السنوات الاربع المنصرمة وجعلتهم اكثر صلابة وأشد تماسكا واخاءا.