كلمة الحق في زَوْعا ويونادم - لقاء الفقراء الاغنياء
يشعر الباحث العلمي بالسعادة والفخر عندما يرى ان التجربة والتطبيق , في نتائجهما الملموسة , ينسجمان بمستويات عالية , ولانقول بالمطلق لكي لانُتَهم بالمغالاة , مع المعادلات والنماذج والحلول النظرية التي كان قد وضعها او تنبأ بها . بينما تُصيب الباحث ذاته خيبة امل كبيرة من افكار ونظريات قرأ عنها ليجد ان الواقع التطبيقي التجريبي يعلن نتائجا تقف على النقيض من تلك الافكار والنظريات فتُصبح تلك النتائج بسامير في نعشها . الحال نفسه ينطبق في السياسة , قينتاب السياسي او الذي يتعاطى السياسة , بشكل من الاشكال , شعورا بالارتياح عندما يشعر ان قرائته السياسية للواقع السياسي , فكرا واداء و شخوصا , تتوافق بدرجة كبيرة مع معطيات ذلك الواقع في حركته وفعله الملموس , بينما يجد ذات السياسي نفسه بحاجة الى جرعة دسمة من الشجاعة لجلد الذات في محاولة جريئة لاعادة تعيير مواقفه وهو يرى على الارض ان الواقع , حركة ونَفَسا وتقييما , يكاد يُطلق , جهارا او همسا , طلقاته الثلاث تِباعا بوجه تلك القراءة السياسية .بقيت كلمة الحق التي تقولها هذه السطور محبوسة في انفاسي , حيث راودني الاعتقاد في امكانية ان يُفسًر قولها سلبا من قبل البعض الذين امتهنوا الاصطياد في بحيرات , قرروا كما يبدو تثبيت شِباكهم فيها والارتباط بها في عقد طويل للايجار , لكن رسالة شخصية وصلتني من اخت عزيزة من ابناء شعبنا , لم يسبق لي ان تعرفت شخصيا عليها او التقيت بها , سوى كونها من المتابعات لما يُكتب في المواقع , قد منحتني الشجاعة لاحرر ما تكتمه النفس من مشاعر الفخر والاعتزاز بلقاء جمعني لايام معدودة باخوة اعزاء في بغداد وعينكاوة من قيادات وكوادر ومؤازري الحركة الديموقراطية الاشورية . تقول الاخت الفاضلة في رسالتها وبالنص واستميحها عذرا, ( انا مهندسة اشورية اسكن بغداد مستقلة حزبيا , انا اتابع مقالات حضرتك وكل المقالات الاخرى , والحق يقال وجدت في مقالاتك كل الصدق وشعرت بانك تقول كلمة الحق في وقت اصبحت كلمة الحق غير مرغوبة .
في الحقيقة انا لست سياسية ولكنني افتخر بقوميتي وانتمائي واتابع قضايا شعبي بكافة اطيافه .. وما يخص زوعا اود ان اذكر لك بعض من مواقفها
مذ تواجد زوعا في بغداد شعر المسيحيون كافة انها المظلة التي احتوتهم من المطر وساهمت في اعادة كمٍ هائل من الموظفين الى اعمالهم بكافة اطيافهم وانتماءاتهم دون ان تطالبهم بان ينتموا اليها او ان ينتخبوها وفتحت بيوت كثيرة بتوفير فرص للعمل داخل مقرها بدون واسطات او تزكيات
ويكفيني فخرا ان يتصلوا بي انا المواطنة البسيطة ليعلموني امكانية توفير فرصة عمل لي ان لم اكن قد حصلت على عمل كوني مهندسة واؤكد دون ان يطلبوا مني الانتماء الحزبي لهم . . . . ).
ان كل هذا الذي اختصرته هذه الاخت الفاضلة في بضعة سطور قد شاهدته ولمسته واقعا في زيارتي القصيرة الى ارض الوطن , شاهدت بناية كانت عائدة للفدائيين في ايام النظام السابق بقاعاتها وسجونها المقززة وقد تحولت الى مقر لمنظمة سياسية تختص بمكوٍن قومي وديني يرفض العنف ويبغض الظلم وينادي بالمحبة والمساواة و يلوٍح للاخرين بغصن الزيتون , سجون تحولت الى اذاعة وتلفزيون اشور و صحيفة بهرا , و شقق صغيرة لمن لا مسكن له في بغداد , رأيت رجالا ونساء من ابناء شعبنا , هم ربما فقراء في الامكانيات مقارنة بالأخرين , لكنهم اغنياء بالايمان في قضيتهم , خسارة النفس بالنسبة لهم كفًة لايعادلها رُبح العالم في الكفة الاخرى , افراحهم واحزانهم يجمعها المكان , يعيشون كعائلة كبيرة واحدة يتقاسمون الخبز والماء في مطعمهم البسيط , الاشوري والكلداني والسرياني , الجميع جذر واحد وشعب واحد , لافرق بين هذا وذاك , فتجمع مائدة الطعام رجل الحماية البسيط مع الاعلامي او الاعلامية والكادر الحزبي . ما يُنعش النفس بالامل والاطمئنان على المستقبل هو ذلك الجيل اليافع من الشباب الذي ترى فيه تمازجا رائعا بين الوعي الثقافي والسياسي المتقدم وبين عنفوان وحماس الشباب . حرصهم على عكس الصورة المشرقة لتنظيمهم وللمكوٍن الذي ينحدرون منه أكسبهم محبة واحترام الكثيرين في المنطقة والعاصمة بشكل عام , فهم في الوقت الذي يرفضون , قولا وفعلا , وبما لديهم من الامكانيات اي تصرف تجاههم يوحي به صاحبه انه لازالت تسكن في عقله ثقافة النظرة اليهم على اساس انهم مواطنين من الدرجة الثانية , نراهم في الوقت نفسه حريصون جدا على اعطاء الصورة الحضارية البعيدة عن كل اشكال التهور والفوضى .
لقد سنحت لي الفرصة ان التقي الاستاذ يونادم كنا ليوم كامل بما فيه فترة انتظار الطائرة للسفر من اربيل الى بغداد , فكان ذلك مناسبة للخوض في مختلف المواضيع , وكنت بطبيعة الحال مشحونا بالكثير من التساؤلات التي برزت من المتابعة لما نشر خلال السنوات الماضية , وهكذا لا أُخفي سرا في القول انني قد مررت على قائمة طويلة من الاسماء لاخوة اعزاء كنت قد قرأت ملاحظاتهم سابقا طمعا في الحصول على صورة متكاملة للمشهد والموقف , وللحقيقة والتاريخ اذكر انني قد وجدت السيد يونادم كنا وكأنه ( هارد ديسك ) يخزن لكل حالة ملًفها فيستدعي الملف من الذاكرة فيعرضه بالوقائع والتواريخ والشهود , ولم اجده لمرة واحدة يترك انطباعا في انه على خلاف شخصي مع اي كان , ولم الاحظه قط يصف منتقديه بما يصفوه احيانا , بل يدحض حججهم باحترام كبير وبعيد عن الشخصنة , كما انه في الثوابت والمبادئ العامة سياسي ككتاب مفتوح لايوجد لديه شئ يخفيه , بل يحرص على الوضوح , اسقلالية القرار بالنسبة له صكُ مقدس لاينبغي التفريط به اوتجييره لحساب اي كان مهما كانت الظروف , دون ان يعني ذلك حرمان استعمال مختلف انواع التكتيك السياسي المشروع لتقليل التضحيات الى الحدود الدنيا وعدم استعداء هذا الطرف او ذاك , حيث كان ذلك ممكنا , شرط المحافظة على اكبر قدر ممكن من هامش الاستقلالية في القرار. وهنا أُود ان اهمس في اذن البعض الذي يراهن معتقدا بوجود تباين واختلاف كبير في وجهات النظر بين صفوف قيادة الحركة الاشورية , فادعوه بتوفير جهده لاغراض مفيدة اخرى , لانني وجدت هذه القيادة , في بغداد كما في اربيل حالة واحدة في القضايا الجوهرية التي يراهن ذلك البعض في الاختلاف عليها , لا بل في تقديري الشخصي , إذا كان السيد يونادم كنا , يمكن , واستنادا الى علاقاته السياسية الواسعة التي قد تقتضي هامشا من المرونة , ان يرى في بعض اداء الاخرين داخل شعبنا تجاه قضيته على انهم يرتكبون اخطاء سياسية فادحة , فان الكثيرين في زوعا , قيادة وكوادر ومؤازرين , يرون في إداء اؤلئك الاخرين خطايا كارثية وليس اخطاء فادحة . من الناحية الانسانية , فيشهد الله انها شهادة حق نزيهة , حيث وجدت الرجل لايعيرللجاه والسلطة اهتماما , فالرجل قد استطاع ان يترك انطباعا طيبا لدى جمهور واسع فحاز على احترام وتقدير الكثيرين على الساحة الوطنية العراقية , حيث يحرص على الدوام على تقديم نفسه ممثلا لمكوٍن اصيل لم ولن يكن يوما اقل وطنية من الاخرين ولذلك من حقه ان لا يرضى باقلٍ من حقوق المواطنة الكاملة , يفتخر دائما بالقول انه ( بيش مركة ) قاصدا المعنى الحياتي فيها , ابناء الحركة وابنائه في ميزان واحد , بل ابناء شعبنا وابنائه في نفس دائرة الاهتمام , في السيارة وعلى طاولة المكتب اضابير تحتوي على طلبات للتعيين في دوائر الدولة ومظالم لابناء شعبنا في اراضيهم التي سُلبت منهم , وجدتها بعيني لاسماء من ابناء شعبنا من مختلف قراه ومدنه لايرتبطون باية علاقة تنظيمية مع الحركة الاشورية . لا السيد يونادم ولا احدا من رفاقه وجدته يدعي انه ( المهدي المنتظر ) المعصوم من الخطأ , بل ما سمعته كان قولهم جميعا انهم بشر, وماداموا يعملون فهم مُعرضون للخطأ , فهم يجتهدون وقد يصيبون احيانا و حتما يُخطئون حينا , لكنهم في صوابهم كما في خطأهم اصحاب نية صادقة و مخلصة , هدفهم الاوحد شعبنا في طموحاته واهدافه , ولذلك فهم يشعرون بالامتنان لكل نقد صادق يكون بمثابة عيون اضافية لهم , ولكن لا ان يكون خنجرا في الظهر او نخرا تحت الاقدام .
عهد علينا ان لانبخل بالنقد حيث وجدنا ذلك ضرورة , وقد فعلت ذلك ولم اجد من يدير لي وجهه ويضجر من النقد , وفي المقدمة منهم الاستاذ يونادم شخصيا , فقد وجدتهم يسمعون باهتمام ويتبادلون الافكار ويجدون في كل معلومة فائدة , في الوقت نفسه هو حق لنا و واجب علينا ان نفتخر بالإداء الايجابي , لان الحركة الديموقراطية الاشورية هي حقا الابنة الشرعية التي جاءت من صلب شعبنا , فمن لايرقص قلبه وهو يرى ابنه يسير بخطوات واثقة , ومن لايصيح ( اسم الله ) وهو يراه قد عثر في خطوته , فيساعده ويكون ظهرا له في انطلاقة جديدة , والحال نفسه ينطبق على كل اداء وتنظيم سياسي في شعبنا يعبر بصدق عن اماله وطموحاته .
من له أُذنان فليسمع , ربما هي من الحرية الشخصية ان نجلس كما نريد , أعوجا او نقيضه , ونأكل ونشرب ما نُحب , كبابا ولبن , ونملأ جيوبنا بما نتمنى , دولارا و يورو , لكنه في ساعة الحديث او الكتابة والحكم على الاخرين ينبغي لنا ان نضع الله في صدورنا , قبل ان نُطلق العنان للساننا او لقلمنا , فله كل الشكر والتحية مَنْ يُشير و يُنبٍه الى القذى الذي في عيون الاخرين , ولكن , قبل ذلك , بجدر به ان يتخلًص من الخشبة التي في عينه . . .
د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com