لماذا يبقى الإرهاب في العراق 1- مجزرة تكريت والأسئلة الكبيرة
23 كانون الثاني 2011إن تكرار هذه الجرائم الشنيعة بنفس الأسلوب يدل على خلل أو تقصير واضح من الجهات المعنية.(1)
ليس هذا الكلام لي بل للسيد المالكي، فالرجل يبدو مثلنا محتار بشأن الإرهاب ومن يقف وراءه. والحقيقة أن المرء لا يستطيع أن يمنع نفسه أن يفكر بأن التآمر الإرهابي قد اخترق أعلى المستويات الحكومية، ويصيب الشك حتى المالكي نفسه فيما يعرف ولا يعرف، وما يخفي وما يقول. نعم ليس من المعقول أن لا يفعل أي رئيس وزراء، مهما كانت غاياته، ما بوسعه لوقف الإرهاب على الأقل خلال فترة حكمه، لكن ايضاً ليس من المعقول أن يكرر الإرهاب "إنجازاته" بكل بساطة، دون أن يقيم رئيس الوزراء الدنيا ولا يقعدها!
يقول المالكي أنه "خلل أو تقصير واضح من الجهات المعنية"،(2) وهذا "التقصير" الواضح، خلف ما يزيد عن 250 ضحية بين قتيل وجريح، فأين هي محاسبة صاحب التقصير الواضح؟ ألا يفترض أن نتوقع أن يعدم أحد على مثل هذا التقصير الواضح؟ وهل هي المرة الأولى التي يكون فيها "التقصير واضح"؟ لماذا لم نسمع حتى الآن عن أحد حوكم وأعدم من المسؤولين عن مثل تلك التقصيرات، او القي به في سجن مؤبد؟
نعم عزيزي القارئ، أنا أيضاً ضد الإعدام بشكل عام، فهو عمل وحشي، لكن أليس الإعدام الفعلي والمستمر، لمئات الأبرياء حتى من التقصير، من خلال التساهل المتكرر مع المقصرين، أكثر وحشية من إعدام من ارتكتب تقصيراً خطيراً أدى إلى موت هؤلاء؟ وما أدرى السيد رئيس الوزراء أن التقصير ليس متعمداً وأنه جزء من العملية الإرهابية؟ الا يستحق مثل ذلك "التقصير" تحقيقاً من أعلى وربما أقسى أنواع التحقيق للوصول إلى الحقيقة؟
ماذا يعني "إقالة" قائد شرطة مسؤول عن عملية خلفت عشرات القتلى ومئات الجرحى؟ هل هي عملية رشوة صغيرة، أم تسيب في الدوام، أو تأخر في إنجاز مهمة مطلوبة؟ لماذا لم يتم إلقاء القبض على كل المسؤولين الذين يحتمل أن يكون لهم ضلع أو تقصير في الحادث لحين انتهاء التحقيق؟
لكن مهلاً، فالمهزلة لا تنتهي هنا. فحتى هذه "الإقالة" اللطيفة لم يكن ممكناً تنفيذها، لأن محافظة صلاح الدين رفضت قرار الإقالة لأنه "صدر عن الحكومة المركزية" ! (3) واعتبره المحافظ "تدخلا بشؤون المحافظة ومجلسها، وفقا للقانون رقم 21 لسنة 2008 والذي يخص المحافظات غير المرتبطة بإقليم".(4)
المهزلة لا تنتهي هنا أيضاً. فالحرائق لا تستجلب الناس الطيبين الذين يرغبون بالمساعدة في إطفاء النار فقط، بل ايضاً أؤلئك الذين يأملون أن يسرقوا شيئاً من البيت المحترق، هذا إن لم يقوموا بأنفسهم بإحراقه لذلك الغرض. لقد رأينا في مقالات سابقة كيف كان علاوي وعادل عبد المهدي يسارعان للوقوف في مركز الضوء الذي يسلطه الحريق لتقديم إعلان انتخابي مجاني، أو لتسليط الضغط لتشكيل حكومة بالشكل الذي يناسبهم، ولم يختلف هذا الحريق عن غيره. واليوم، أنتهى الصراع على الحكومة فانتهت التفجيرات التي تقدم وسيلة للضغط للتأثير على تشكيلها، لكن تشكيل الوزارات الأمنية والدفاع لم ينته، وسيرحب البعض بإنفجارين أو ثلاثة تساعد في تسليط بعض الضغط. فسارع جمال البطيخ عضو العراقية بالإشارة إلى أن تأخر اختيار الوزارات الأمنية هو السبب في المذبحة! (5) وأكد زميله في العراقية قتيبة الجبوري، ان تاخير تسمية الوزراء الامنين ...ينعكس سلبا على الوضع الامني، ويؤدي الى استغلال التاخير من قبل الجماعات الارهابية.
الجبهة العراقية للحوار الوطني قالت في بيان لها "ان على الحكومة ، وهي الان امام امتحان عسير ، ان تثبت ان دماء العراقيين ليست رخيصة وهي تستحق كل الاحترام والقيام بكل ما مطلوب للحفاظ عليها ".(6) وبالطبع فالحكومة وحدها هي المطالبة بأن تثبت قيمة دماء العراقيين، اما الباقين فمعفيين من ذلك "الإمتحان العسير" ولهم أن يتشبثوا بمواقفهم كما يشاؤون.
وهاهو "مثال إسرائيل الدائم" في العراق، يخبر الحكومة كيف يجب أن تختار رئيساً للمخابرات العراقية (7) فالجماعة مهتمين كثيراً بالموضوع كما يبدو.
ولم ينس زملاء مثال، اللوبي الأمريكي، مروجوا بقاء القوات الأمريكية الذين يختبئون في انتظار الفرص والجو الملائم للظهور، بعد أن تيقنوا مراراً بأن الظهور قبل الأوان سيئةٌ عواقبه. فتكتب "عراق أون لاين" : "المالكي يؤكد استعداد العراق للإنسحاب الأميركي وحكومته تفشل في أول اختبار أمني كبير" (8) موحية بأن الخطر يقترب مع موعد انسحاب "48 الف عسكري اميركي مهمتهم تقديم النصح ومساعدة القوات الأمنية العراقية" في نهاية العام الجاري.
وليس سراً أن الجانب الأمريكي، بعد أن فشل في فرض "رجله في بغداد" كرئيس للوزراء، فليس أقل من أن يسيطر على الوزارات الأمنية لكي يمكن تنسيق الإرهاب من خلالها ليعمل بأمان، ليتمكن من توفير الجو المناسب لتنفيذ الإتفاقية الإستراتيجية السرية لتطوير العراق وتحديثه، وجعله "المانيا" ثانية، كما قال لنا مؤيدوا المعاهدة. وفي هذا الشأن يخبرنا النائب عن القائمة العراقية طلال حسين الزوبعي بأنه سيكون الدور الاكبر لواشنطن في تسمية الوزراء الامنيون،" وذلك "لكي يؤيدوا بقاء القوات الامريكية في بغداد"، مشيرا الى ان الشخصيات المدعومة من واشنطن ستتسم بالمهنية والخبرة في المجال الامني وكذلك بعض السياسيون سيذهبون الى مجلس النواب مطالبين ببقاء القوات الامريكية.(9)
نعود إلى موضوع التفجيرات، ونقول، رغم أن أي خلاف يتسبب في تأخير اتفاق ما، يحتاج إلى طرفين على الأقل للتسبب فيه، إلا أن هذه الحقيقة تنسى بسهولة تامة في الإعلام الموجه (أمريكياً في العراق)، وليست هذه هي المرة الأولى.
في عام 2006، قادت الولايات المتحدة حملة علنية في تلك المرة، لإزالة الجعفري عن الوزارة، وكان الإعلام كله يركز وبتنسيق مع العديد من السياسيين وعلى رأسهم جلال الطلباني، على ضرورة ان يقدم الجعفري التنازل، وأنه يقف لوحده عثرة في طريق الحل.
اليوم، البطيخ يكرر المسرحية القديمة لقائمته العراقية فيقول "ان المالكي هو الوحيد الذي سيحدد متى ستحل هذه الازمة وتتشكل الوزارات الامنية." هذا بالرغم من أن نفس الخبر في المصدر أعلاه يشير بشكل مباشر إلى أن قائمة البطيخ، "ما تزال متمسكة" بمرشحيها، فلماذا يحق لهم أن "يتمسكوا" ولا يحق لغيرهم؟ ولماذ حين "يتمسك" الجميع، يلام طرف واحد على التأخير؟
لم يلمح أحد إلى أن العراقية مثلاً مسؤولة عن الإنفجار، لأنها "تتمسك" بمرشحها لوزارة الدفاع، والذي يعترض عليه الآخرون، تماماً مثلما لم يشر أحد في عام 2006 على الإطلاق (باستثناء كاتب هذا المقال على حد علمي) إلى وجود إمكانية أن يتنازل الجانب المقابل أيضاَ، وحينها استشعرت مؤامرة، وطالبت الجعفري أن لا ينسحب، (10) وكتبت كذلك عن مهزلة العملية بعد نهايتها بتنازل الجعفري(11).
كل شيء يتكرر.. التفجير يتكرر، والإستنكار نفسه، ورد فعل رئيس الحكومة بالعمل على كذا .. نفسه، ولصوص الحرائق نفسهم، جاءوا ليقولوا الشيء نفسه، وها أنا أكرر مطالبتي، هذه المرة للمالكي، وأقول: لاتتنازل وعين من تستطيع أن تتحمل سمؤوليته! وإن تنازلت فلن يعفيك ذلك من مسؤوليتك عن الرجل الذي تقبل بتعيينه في منصب أمني، والجو مليئ بالمؤامرات ولا يتظاهر بالثقة إلا مغفل أو ضعيف.
والآن وبعد أن ذكّرنا بأن أي تأخير في الإتفاق على شيء، لا يمكن أن يتحمل طرف واحد ذنبه، وأن التركيز على جهة واحدة والضغط عليها للتنازل يثير الشكوك والريبة بالقصد، نعود لمناقشة نقطة أخرى، وهي علاقة تشكيل الوزارات الأمنية بما حدث في تكريت وأطلق كل تلك المطالبات، فنقول: إن كانت صلاح الدين ترفض أبسط إجراءات الحكومة المركزية، سواء كان ذلك بحق كما ذكر مجلس المحافظة أو بغير حق، فكيف لتشكيل الوزارات الأمنية أن يحل المشكلة؟ أليست تلك الوزارات جزء من "الحكومة المركزية" المغضوب عليها؟ لما ذا نثق أن "حكومة" صلاح الدين ستقبل من وزير الداخلية ما لم تقبله من رئيس وزرائه؟
هل سيتغير شيء إذن بعد تشكيل الوزارات الأمنية؟ الأمر يعتمد على من سيسلم تلك الوزارت. إن استلمتها الجهات الأمريكية، فعلى الأغلب لن تعترض محافظة تكريت على أوامرها، وسيصيب حتى الإرهابيين الشلل بقدرة قادر، أما إن كان العكس...
ولأضيف المزيد من الحيرة على حيرتكم أعزائي القراء، دعوني أعود إلى حادث تفجير تكريت، وأذكر بمقالة سابقة لي حول الموضوع. خبر الحادث يقول أنه جرى من خلال أنتحاري يحمل 20 كيلو من مادة تي إن تي، وكمية من "الكريات المعدنية" (عثروا على الكثير منها في جثث الضحايا) في سترته ومتفجرات «سي 4» وأكثر من عشرة قنابل. (12)
يعني أن الرجل كان يحمل بحدود 35 كيلو أو أكثر، ولنعرف ما معنى ذلك نتذكر أن وزن كيس السمنت هو 50 كيلو، اي أن الإنتحاري كان يحمل حوالي ثلاثة أرباع كيس سمنت، معظمها "في سترته". أن من حاول يوماً أن يحمل كيس سمنت، يعرف أن هذا أمر غير معقول.. فلا يستطيع أحد أن يحمل ما يقارب كيس سمنت ويسير متظاهراً بأنه لا يحمل شيء، في مكان يشتبه في كل إنسان فيه في مثل هذه الظروف، فكيف لم يشك به أحد؟ أفيدونا رجاءاً....
دعك من هذا، يقول الخبر أنه فجر نفسه عند صف من أكثر من 300 شخص أمام مركز التطوع، وهنا نقطة أساسية. لماذا يتجمع 300 متطوع أمام المركز في نفس الوقت؟ اليس هناك بديل؟
يقترح النائب عن كتلة الوسط مطشر السامرائي فكرة التطوع عن طريق الإنترنت كما يفعل من يسعى إلى العمل في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات"(13)
لكن الأمر أبسط من ذلك كثيراً، فقد لا يتوفر الإنترنت لكل الناس. لقد سبق لكاتب هذه المقالة إثر حادث إرهابي مشابه لهذا بالضبط، أن نبه إلى أنه من السهولة تماماً تفادي مثل تلك الحالات وباسلوب لا يكلف فلساً واحداً، وهو أن يعطى كل مراجع فور وصوله، رقماً ووقتاً يراجع به المركز ويصرف فوراً،
كتبت في سطور تلك المقالة الأولى: (14)
"مئتي متطوع تتفجر أجسادهم عند وزارة الدفاع (*) ومئات تلحقها بعد أيام..هذه المآسي لم تعد تثير فينا سوى الأسئلة، وحتى الأسئلة ستنتهي مادام ليس لأبسطها أمل في الإجابة.
مرة أخرى ستنطفئ الأسئلة وتموت:.... لماذا تركوهم يتجمعون ليفجرهم الإرهابي؟ أما كان بالإمكان إعطاء كل مراجع رقماً وساعة معينة يعود فيها بدلاً من تجميعهم أمام باب الدفاع في إنتظار من سيفجرهم؟ اليس هذا الحل بسيطاً؟ لماذا لم يخطر ببال أحد من "الباحثين" في الإرهاب في وزارة الدفاع أو الداخلية من عراقيين و"مستشارين" أمنيين أجانب لا غنى لنا عن خبرتهم العظيمة؟ أغبياء لم تخطر الفكرة ببالهم؟ حسناً هاهي الفكرة مطروحة، هل تتصورون أن أحداً سينفذها؟ أم أنهم يتعاونون مع الإرهاب لتجميع الضحايا؟ إن البعض صار يتحدث عن ذلك ساخراً أو جاداً (**)
يتساءل المرء: ما نفع التحليل والتفكير والتدبير إن لم يكن هناك أدنى اهتمام حتى بحماية الناس من القتل؟ أليس هذا حال عجيب لحكومة؟ بالنسبة لي "لم يعد هناك عجيب".. هذا ما صرت أردده منذ فترة...أنا أقول: هذه الأجساد وتلك الدماء التي سالت والتي ستسيل، كلها في رقتبك إيها المالكي"
ماتزال الحقائق نفسها صحيحة، وماتزال الأسئلة نفسها مطروحة بلا جواب، فلماذا؟ والآن أسأل نفس تلك الأسئلة، واضيف إليها سؤال آخر: لماذا لم يتم تبني الإتقراح الذي قدمته في تلك المقالة، إن لم يكن أحدا قد طرحه من قبل بالفعل؟ أخي رئيس الوزراء، ما الذي يمنعك أن تعلنه في الراديو والتلفزيون لتبرئ ذمتك أمام شعبك، إن لم يكن هناك طريقة أخرى؟
هل ما قاموا به في تكريت وفي وزارة الدفاع قبل ستة أشهر، "تقصير" أم "تجميع للضحايا" لكي يأتي الملغوم ليفجر نفسه بهم؟ ألا يشبه هذا مذبحة أطفال النعيرية حين وزعت سرية من الجيش الأمريكي الألعاب على الأطفال ثم تركتها مكومة وفرت مسرعة، لتأتي بعد ذلك فوراً سيارة ملغومة لتفجر الأطفال الذين تم تجميعهم؟(15) نفهم أن ألأمريكان يمكنهم أن يفعلوا كل شيء ولا يحاسبوا، فهل المسؤول عن تجميع هؤلاء وتحضيرهم للملغوم، أمريكي الجنسية أيضاً؟ أفيدونا رجاءاً...
سؤال أخير قبل أن أودعكم.. إن كان هذا هو حال "محاربة الإرهاب" في العراق، وإن كان قادراً على تكرار جرائمه أمام جهاز حكومي لا يبدو أنه يتعلم شيئاً منها، فهل من غرابة في أن يبقى الإرهاب على قيد الحياة فيه طويلاً جداً؟..
***
في الحلقة الثانية لنا عودة إلى آخر تطورات فضيحة ثابتة أخرى هي أجهزة كشف المتفجرات...
(1) http://aljewar.org/news-30406.aspx
(2) http://www.moheet.com/show_news.aspx?nid=443644&pg=2
(3) http://www.alsumaria.tv/ar/Iraq-News/1-59213-.html
(4) http://www.iraqcenter.net/vb/61452.html
(5) http://www.shatnews.com/index.php?show=news&action=article&id=815
(6) http://www.ninanews.com/arabic/News_Details.asp?ar95_VQ=FFEELE
(7) http://www.almadapaper.net/news.php?action=view&id=6624
(8) http://www.aliraq-online.com/29930.html
(9) http://www.ikhnews.com/news_view_6935.html
(10) أيها الجعفري لاتنسحب..........صائب خليل
http://www.iraqcenter.net/vb/21169.html
(11) لو حكم سليمان الحكيم لأعطاها للجعفري فوراً – صائب خليل
http://www.iraqcenter.net/vb/21636.html
(12) http://arabinfocenter.net/pkg09/index.php?page=show&ex=2&dir=news&lang=1&nt=1&nid=119358
(13) http://www.burathanews.com/news_article_114639.html
(14) http://www.sautalomal.org/index.php?option=com_content&view=article&id=955
(*)http://www.alsumarianews.com/ar/2/10452/news-details-.html
(**)http://almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=17718
(15) صائب خليل: من قتل اطفال النعيرية؟ رائحة فضيحة اكبر من ابوغريب!
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=99928