Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

لما لا نؤسس لألغاء القومية

ما هي القومية ؟ في السابق قيل لنا بأنها مجموعة من البشر يسكنون منطقة معينة ويتسمون بروابط واواصر مشتركة مثل اللغة والتاريخ والمصالح ....الخ وعلى هذا الأساس دخل في باب القومية العربية ما يقارب أكثر من نصف الموجودين فيها الأن دون أن يكون أجدادهم في يوم من الأيام عربا . وهكذا ايضا مع الموجودين في أمريكا فكل الأمريكيين قومية واحدة تبدأ من ألوان قومية منوعة لتنتهي بلون واحد مع كل جيل جديد ولكنهم لا ينحدرون من أصل واحد وهكذا مع استراليا ومع الأخريات أمثالها.

فاغلب تلك الدول القومية لا تفرض على رعاياها أن ينسوا قومياتهم ومشاربهم الأصلية بل بالعكس تركز على الخلفية الثقافية للمهاجرين أليها وتمنح لهم كامل الحرية في التصرف والأجتماع وكافة الفعاليات الأجتماعية الأخرى . ولكن شيئا فشيئا تتحول الأجيال القادمة إلى أشبال مخلصة للبلد الذي تعتبره الأم رغم علمها الكامل بانها بالأصل ليست من تلك الدولة ولا تنتمي لهذه الأرض او الحدود واللغة , فتراهم يقولون أنا أمريكي ولدت في الصين او كندي ولد في العراق . وهي بذلك قد نجحت في الحد من اهمية القومية ورفعت بالمقابل من أهمية قومية الدولة أو الدولة القومية . فلا يوجد جدالات في امريكا على حد تصوري المتواضع عن القوميات فيها كتلك المتواجدة في أصغر موقع الكتروني عراقي عن قوميات المسيحيين لوحدهم . ناهيك عن الحروب الدامية التي عشناها في صراع الكرد وغيرهم من القوميات التي كانت مهمشة والتي قد نعيشها في الأتي من الأيام في صراع ما قد يستجد من قوميات أخرى تعتبر نفسها مهمشة أذا أستمر كل من أثبت وجوده القومي في لعبة الصفع على الصدر الطرزانية وكأنه يثبت للأخرين ((بانه هو وبس والباقي خس )) وكل هذا في تصوري ليس ضروريا لو حاولت الدولة العراقية التركيز بربط المواطن بالوطن وترك المجال مفتوحا له ليحدد ما هو ومن كان أبوه ذلك ليس بذات اهمية . كأن تركز الدولة على مناسباتها الوطنية والسياسية والحقوق التي تمنحها لكل أبنائها دون تمييز بعيدا عن القومية والدين والعرق . شيئا فشيئا حتى تزول كل الدواعي التي حملت العراقيين على أستنزاف دماء غزيرة من اجل مشكلة أصبحت تافهة في دول أخرى . ولا ننسى أن أخطر ما حدث في العراق وعلى الدولة العمل على تجاوزه بشكل تدريجي هو تقسيم الدستور حتى في الديباجة وتحصيص البرلمان على أسس كثيرة منها على أساس قومي . لذا قد يكون العراق مقبلا لا سامح الله على مشاكل مماثلة وفي نفس هذا السياق . والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو. هل كل ذلك مهم . بأعتقادي المتواضع ليس كذلك . لأن الكثير من المفاهيم حول القومية تغيرت وأنفتحت المجتمعات بدرجات كبيرة لتصبح دوائر عملاقة يمكنها أستيعاب كل لون ونوع ومذهب ....الخ . أصبح المهم هو الأنسان وفي أحيان كثيرة مدى حاجة المجتمع له. وممكن أن تعيش القومية الواحدة في حدود واسعة ومساحات مشتته لأن التواصل أصبح سهلا جدا مع تذليل عوائق المسافات والبعد الزمني والمكاني بالتطورات الهائلة التي أحدثتها الثورة التكنولوجية مثل القطارات السريعة والطيران والشبكة العنكبوتية العالمية . لم يعد التاريخ ذو اهمية كبيرة جدا في تكوين القوميات في العصر الحديث وحل محله بالدرجة الأولى العمل من اجل المستقبل وخصوصا في الأقتصاد وهذا ما يميزنا عن العالم المتقدم فنحن دائما ننبش في التاريخ وهم يتوقفون عنده للذكرة والأعتزاز فقط ويتطلعون دائما نحو المستقبل. والمجتمع أثبتت الكثير من المجتمعات البشرية على قدرتها في التضحية به في سبيل حياة أفضل. والدليل على ذلك سعي الكثير من شعوب العالم الثالث للحصول على فرصة للأقامة أو العيش في دول العالم المتقدمة وطبعا هذا لا يضمن بقاء أولئك الناس على نفس طريقة الحياة أو التقاليد أو النهج القومي لأنهم في مجتمعاتهم الجديدة سوف يكتسبون الكثير من الخصائص التي سيقدمونها على كل ما سمعوه عن أصولهم وسيذوبون جيل بعد أخر .

القومية ليست بذات أهمية ومن السهل جدا النزول بها عن المستوى الأول في النقاش والصراع وذلك من خلال أهمالها من قبل الدولة التي يجب أن يكون جهازها مواليا بشكل كامل للبلد ككل فقط وخصوصا في بلد متنوع كالعراق . يمكن ان يعرف كل من يمثل واجهته السياسية عن نفسه كعراقي فقط وهو في السلطة دون أي تسمية أخرى واعتقد بأن العراقي كلمة كافية لتدل علينا فهي لا تشير إلى لون قومي محدد دون اخر . وفي البيت يمكن أن تنام على وسائد مزركشة بعلامات فارقة أثنية أو عرقية تميزك عن الأخرين أو أن ترتدي ملابس داخلية بألوان طيفك القومي . المهم أن تعيش حياة كريمة في بلد تشعر بأنك حر فيه وتنتمي له .أما القومية فلا يجب أن تتجاوز الحدود التي وضعناها فيها للتو . أضف إلى ذلك أن مجال القومية مفتوح جدا للنقاش خصوصا في العراق الذي لا تكفيك الأرقام لو حاولت تعداد الأقوام البشرية التي أستوطنت فيه أو غزته وأبقت على نوع من الوجود فيه وتصاهرت وذابت وتمازجت وما قد يستحدث ايضا فلا تستبعد مثلا أن ياتي يوم يصبح فيه العراق قبلة للمهاجرين أليه من دول اخرى. ربما أكون مخطئا باعتقادي هذا ولكنني شخصيا لا أمانع في تغيير قوميتي غدا إلى أسم جديد . فمثلا تاريخيا اكتفي بكوني أشوري وعندما أحاول لم شمل من اعتقدهم أقرب الناس لي قوميا فأنا مستعد للتغيير نحو أسم جديد وفي أحيان كثيرة أحاول أبتكار ذلك الأسم وتغييره . فقد تجدني أشوري اليوم وغدا شيء أخر فلكل فرد كامل الحرية في أعتقاد كينونته ولا يجب ان يقف المجتمع عند هذا مطلقا بل يترك كباب نقاش هاديء.. أو ساترك كل ذلك ورائي وأرفع أعلام من أجدهم فعلا يمثلون طموحي في الحياة كأنسان .

فهل توافقني بأن القومية كتعريف تقليدي باتت بحاجة إلى التغيير وتضمين مواضيع ونقاط كثيرة أستجدت ولا يمكن أهمالها إلى الأبد . ولم تعد مجالا للتعصب فقط بل للقبول والأستيعاب والأنفتاح في أن واحد. واصبح من الضروري اليوم ألغائها من قائمة أولويات الدولة أو المجتمع لأنها ليست سوى مفاهيم ممكن ان تناقشها وتطورها أو تتعصب لها ولكن ليس من الضرورة اليوم أن تقدسها.



عصام سليمان _ تلكيف

ASSYRIAN_PUBLISHER@YAHOO.COM

SYDNEY- AUSTRALIA



Opinions