Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

ما العلاقة بين النقد والعاملين في الشأن العام في العراق؟

نشأت وتطور عبر الزمن وفي حياة البشرة ومجتمعاتها المختلفة ظاهرة قيمية سليمة وأن اختلف الموقف منها والنظر إليها بين المجتمعات المتحضرة والمجتمعات التي لا تزال تسعى إلى اللحاق بهذه المجتمعات, رغم الفجوة المتسعة بينهما. وهذه الظاهرة القيمية الناضجة فرضتها حياة الإنسان والمجتمعات ذاتها لأنها ارتبطت ولا تزال ترتبط بحاجة الإنسان إلى تقوييم مسيرته وتصحيح خط سيره وتنمية قدراته. وقد التصقت منذ زمن بعيد بأولئك الناس الذين يشتغلون في الشأن العام, أي في السياسة والثقافة والعلاقات الاجتماعية, إذ أن من يعمل في هذا المجال يكون مكشوفاً على المجتمع كله, وبالتالي فأن تصرفاته وسلوكه العام والخاص ونشاطه السياسي والثقافي والاجتماعي, وربما العائلي للأفراد, كشخص, أو كحزب يكون معرضاً للملاحظة والمتابعة والنقد, كما يمكن لهذا الفرد أو ذاك, أو هذا الحزب أو ذاك أن يمارس النقد الذاتي إن امتلك المستوى الحضاري والثقافي المناسب والشجاعة الكافية والثقة بالنفس الذي يساعده على ممارسة ذلك.

لا شك في أن من يمارس النقد إزاء هذا الشخص السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي أو هذا الحزب أو ذاك يفترض فيه أن ينتظر رد فعل معين, في ممارسة النقد المضاد أو ضد ما طرحه من ملاحظات نقدية إزاء الآخرين كأفراد أو كأحزاب. وهي ممارسة طبيعية وإنسانية ويفترض أن تكون اعتيادية إذ لا ضير فيها بأي حال حين تكون موضوعية وهادفة إلى التحسين وليس إلى الإساءة, بل تعتبر مساهمة فعالة في تحسين أوضاع معينة لدى هذا الشخص أو ذاك ولدى هذا الحزب أو ذاك.

وردود الفعل يفترض أن تحافظ على المستوى المناسب في النقد, إذ لا فائدة من تصعيد النبرة وتحويلها إلى قضية شخصية لا مسألة عامة تمس المجتمع وأن تحركت صوب أشخاص معينين ولكنها لا تمس أو تسيء إلى قضايا شخصية, بل وجه النقد بسبب نشاطه في الشأن العام.

وتشير التجارب المنصرمة إلى أن استخدام أسلوب غير منطقي ودون مسؤولية في ممارسة الإساءات والشتائم أو التهديد بكشف أوراق غير موجودة أصلاً, بل من أجل جعل الأمر معلقاً في الهواء, وكأن الأمر أشبه بماء سكب ولا يمكن جمعه, قرأه من قرأه وتمت تداوله دون أن يكون لدى هذا الشخص أو ذاك أي شيء يهدد به, إذ كان الأصوب له ولغيره أن ينشر ما لديه مباشرة دون التهديد والوعيد بالنشر.

أقول هذا لمن لم يتعلم أن يسمع النقد وأن يتفهم الأهداف الأساسية الكامنة وراء هذا النقد إذ ليست هناك نوايا تخريبية, أقول هذا لكي يكف البعض عن تهديد الناس بما لا يملكون لكي لا يثيروا لغطاً يرد عليهم بمفعول عكسي.

ممارسة النقد ظاهرة حضارية وممارسة التهديد والوعيد ظاهرة قبيحة في المجتمعات المتحضرة, ولكنها تقبل لدى البعض بسبب الجهل والأمية السياسية والحضارية وعدم وعي لمفهوم النقد, فالنقد الذاتي بالنسبة للبعض كمن يبصق من أسفل إلى أعلى, يعود البصاق إلى وجه, أما النقد فكمن يبصق من أعلى فيصل إلى وجه ذات الشخص. أنه منطق أفلج, إذ هكذا يفهم البعض النقد والنقد الذاتي.

وظاهرة النقد تحدث عنها الكثيرون وكان أكثرهم وضوحاً ذلك الذي قال النقد ضوء ينير الطريق لمن يريد أن يستنير به, أو الذي قال "لا تصدق الذي يضحكك ويطبطب على كتفيك ويمسح جوخك, بل صدق من يمارس النقد الواقعي إزاء عملك, والشعب يقول ببساطة "لا تركض وراء الذي يضحكك, بل أركض وراء ا الذي يبكيك", فهل سنتعلم من هذه الحكمة الشعبية.
كم أتمنى أن يتعلم البعض هذه الحكم الشعبية المجربة بدلاً من توجيه من يكتب وبأسماء مستعارة للإساءة للآخرين. فمثل هذا الأسلوب غير ذي فائدة وغير منتج لما هو نافع للمجتمع وللشخص نفسه.
علينا جميعاً أن نتعلم, فنحن ما زلنا نزحف بعيداً عن جرف الديمقراطية, نحن ما زلنا نحمل سلوكاً مستبداً لا يبرز في الحاكم وحده, بل في المحكوم أيضاً, في سلوكنا اليومي إزاء البعض, كم كنت أتمنى أن استمع إلى نقد موضوعي لكي أناقش بصورة موضوعية ما يطرح من أفكار تنتقد ملاحظاتي النقدية وليس إلى من كان ينتظر أن يشتم الرجل ليقولوا أحسنت فقد حان أوان إسكاته!
كم هم مخطئون هؤلاء الناس, كم هم غرباء عن الفكر العلمي الذي يسعى إلى تقديم موضوعة للمناقشة في مقابل موضوعة أخرى, ويبدأ النقاش للوصول إلى رؤية موحدة أو متقاربة, إلى موضوعة ثالثة أكثر نضوجاً للجميع.

إنها محنة التخلف ومحنة الاستبداد بالرأي ومحنة الاعتداد والرغبة في التسلط ومنع ممارسة النقد. ليس هنام ما هو محرم, والخطوط الحمراء تبدأ حين تبدأ الشخصنة والإساءات والشتائم.
الحياة تقول لنا شيئاً آخر تعبر عنها بدقة عالية حكمة مندائية رائعة تعبر عن قدم هؤلاء الناس وتجربته الكبيرة والغنية في الحياة:
"ويل لعالم غير منفتح على غيره, وويل لجاهل منغلق على نفسه"
كم أتمنى أن تفهم هذه المقولة لكي لا يتكرر ما لا ينبغي تكراره في ممارسة ردود فعل غير محسوبة العواقب لنقد لم يستهدف سوى الخير لمن وجه له النقد. كم أتمنى أن نعي جميعاً أهمية النقد والنقد الذاتي, فهو ليس رذيلة بل فضيلة.



27/9/2009 كاظم حبيب



Opinions