ما بين الأمس واليوم وحسرة على أيام زمان
تتعاقب الفصول وتمر السنين وتتوالى الأجيال .. هذه هي دورة الزمن وهكذا هي الحياة , كان أجدادنا وآباؤنا وها نحن وسيكون أولادنا وأحفادنا من بعدنا , وهكذا جيلا ً بعد جيل ..الاكثرية منا أن لم نقل الكل يتذكر أيام زمان وكيف عشناها بأدق وأصغر تفاصيلها والأكثرية منا يتحسر عليها ويتمنى لو انها تعود بذكرياتها .. بأفراحها وأحزانها وكل مواقفها .
في زمن أختلطت فيه مجريات الحياة وبات الفرد منا لايعلم شماله من جنوبه ! وبات يجري وراء المتطلبات التي لاتنتهي .. والمطاليب التي تتجدد كل يوم بل كل ساعة والتي ترهق كاهله وتتعب تفكيره وتجعله يدور ويدور وتدور به الارض ليدوخ وهو يحاول أن يلبي هذا ويستوفي ذاك ويوفر ذاك .. يركض ويركض ولايلحق كما نقولها بلغتنا الدارجة ( العامية ) .
في زمن التطورات والتعقيدات وأنعكاس الأتجاهات ! بات الكل يتحسر على أيام زمان وأيام كان يا مكان , زمن الطيبة والحياة البسيطة الهادئة والتي كان لكل شيء فيها طعم وهنا لانقصد أننا ضد التطور والتقدم .. بل نقول أننا أيام زمان رغم الحالة المادية الوسط أو دون الوسط التي كنا نعيشها وعدم أمتلاكنا القصور والبيوت والسيارات الحديثة والملابس الفاخرة والى غير ذلك من مظاهر الحياة العصرية والتي بات كل شيء فيها يقاس بمظهره وبريقه وحداثته ! وليس بجوهره وماهيته وأهميته , وهكذا حتى تقييم الفرد ومع شديد الأسف بات يقدر بما يملك من ثروة ورصيد ومصالح ومشاريع .. أي يقاس بثقل ( جيبه ) !! وهذا واقع الأكثرية طبعا ً لاندري ظنا ً منهم أن السعادة هي هذه المظاهرأو هذا هو تفسيرهم لها , أم أن سباق الأثراء والأمتلاك والتباهي الذي جرف الاكثرية أصبح هدف الحياة الأول وبلوغه اصبح قمة الطموح حقا ً لم نعد ندري !
الكل يتحسر على أيام زمان لأنها كانت حياة بسيطة وحلوة , حلوة بمعنى الحلاوة وجميلة بمعنى الجمال .. خالية من التعقيدات هادئة رتيبة ومليئة بالمعاني والعبر .. والأكثرية قانع وراضي برزقه وقسمته , لانقول أنها كانت حياة جامدة بل على العكس تماما ً كانت حياة بكل معنى الكلمةوسعيدة الى أقصى الحدود لأن السعادة أحساس داخلي لاتأتي به المظاهر أبدا ً .
في حالنا الحاضر نمتلك كل شيء ولدينا كل شيء وهنا أقصد ( الأكثرية ) لكننا نفتقر الى كل شيء ! وقد يوافقني البعض ويعترض البعض الآخر .. ففي عصرنا الحاضر وحياتنا السريعة بتنا نفتقر الى الأحساس والشعور الداخلي بالسعادة .. بالفرح النابع من الصميم ومن الأعماق بتنا نفتقر الى المشاركة الفعلية معا ً في كافة نواحي الحياة وتفاصيلها .. افراحها وأحزانها ..
ومواقفها الصغيرة منها والكبيرة الأجتماعية منها وحتى الفردية , بتنا نفتقر الى الكثير الكثير من الأشياء , طيبة أيام زمان وبساطة أيام زمان ونخوة أيام زمان وحتى مناسبات واعياد أيامزمان ! أعيادنا ومناسباتنا الآن أصبحت بلا طعم بل أصبحت كلايش ومظاهر للتباهي والتفاخر والفشخرة الفارغة من كان الأشيك ومن كان الأجمل ومن أشترى أكثر وصرف أكثر ووووالخ .
مظاهر فقط لاروح فيها ولاأحساس صادق ألا ماندر ! أين اعياد ومناسبات ايام زمان ؟ أين التهاني وتبادل الزيارات ؟ والمحبة المتبادلة ومشاعر المودة والاخوة ؟ أين البراءة والطيبة ؟
أين النخوة والشعور بالغير والشهامة والصداقة الحقة والمساندة والمساعدة عند الشدائد لانقول أنعدمت ولكنها ليست كأيام زمان وكيفما قارنا أو قلنا ؟! فلن تكون كذلك .
ترى ماالذي حصل ؟ ماالذي جرى ؟ لماذا اصبحنا هكذا ؟ لانعرف ماذا نريد وحياتنا حابل بنابل ولانرسى على حال أو قرار .. نقول الزمان أو لقد تغير الزمان ويا لهذا الزمان نلقي كل اللوم على الزمان والزمان بريء ولادخل له في ذلك فالزمان هو الزمان دائما ً .. ولكننا
نحن الذين نتغير ونتبدل ومن حال الى حال ومع تغير الأحوال تتغير أفكارنا ومفاهيمنا للكثير من الأشياء ونفقد الكثير من الأشياء في صخب حياتنا الحاضرة ودواماتها العديدة التي جرفتنا وتياراتها التي اغرقتنا ! وأخذتنا وتأخذنا كل يوم أبعد وأبعد في متاهات لانهاية لها ولانعرف لها أول من آخر , وياساتر !!
لماذا نتزلف ونتملق ؟ لماذا نتقنع نقول مالانفعل ونفعل مالانقول ! والكثير منا فقد المصداقية مع نفسه ومع الآخرين .. فقدنا حلاوة التعبير .. نظهر مالانحس ونخدع وننخدع ؟ ومن أجل ماذا ؟ من أجل المكاسب والاهداف والمصالح الخ .. التي تفرضها هموم ومتطلبات حياتنا العصرية الجامدة والتي أصبحت تعقيد في تعقيد صاخبة , مفبركة , سريعة زائفة وفارغة تقريبا ً بكل المقاييس !! في الختام نقول لاندري هل أننا تدفع ثمن تحضرنا ؟ أم ثمن طمعنا وجشعنا ؟ أم هي عقوبة لنا لأستهتارنا وتنكرنا لمعاني الحياة نفسها وحكمة خالقها وواهبهاولكننا سنقول دائما ً رحم الله أيام زمان .
3 / 12 / 2009 / تركيا