Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

مبررات جدل الاتفاقية الأمريكية – العراقية

-1-
وأخيراً، استمع نواب الشعب العراقي إلى صوت العقل والواقعية الشجاع، ووافقوا على الاتفاقية الأمنية العراقية – الأمريكية بأغلبية ساحقة، بعد أن دار جدل طويل بشأن هذه الاتفاقية. فالجدل في العراق وخارج العراق، اشتد وأخذ مناحٍ كثيرة، ومختلفة. وهذا في رأيي سلوك طبيعي ومتوقع، لاتفاقية أمنية، تُعقد بين دولة عظمى كأمريكا، ودولة كبرى كالعراق. فليست السويد، أو الدنمارك، أو كندا، أو المكسيك، أو كوستاريكا، هي التي ستعقد هذه الاتفاقية، كما أنه ليس الصومال، أو جزر القمر، أو السودان، هو الذي سيوقع على هذه الاتفاقية. فأهم دولة في الغرب، وأهم دولة في الشرق الأوسط، هما اللتان ستوقعان هذه الاتفاقية.

كذلك، فإن الوضع الدقيق العربي الآن، والمخاطر السياسية التي تحيط بالعالم العربي من كل جهة، تستدعي أن يهتم العالم العربي كل هذا الاهتمام بهذه الاتفاقية، ويقرأها جيداً، ويمحصها تمحيصاً دقيقاً، وهو الذي لم يعتد مثل هذه القراءة الدقيقة، والتمحيص العميق، لمثل هذه الاتفاقيات، لا في الماضي ولا في الحاضر.

-2-

ولا يغيب عن بالنا، أن هناك دولاً في الشرق الأوسط رفضت هذه الاتفاقية رفضاً تاماً وكلياً، وقاومت هذه الاتفاقية، ودعت بعض أعضاء البرلمان العراقي إلى عدم الموافقة عليها، مستعملة كل الوسائل المادية والسياسية الممكنة لذلك. وعلى رأس هذه الدول بصراحة ووضوح، وكما هو واضح للقاصي والداني سوريا وإيران، ومن ورائهما "حزب الله"، و"حماس"؛ أي أطراف "الحلف الرباعي" المعروف. والأمر العجيب والغريب، أن هذه الاتفاقية حُوربت من قبل هذه الأطراف الأربعة، أكثر مما حُوربت اتفاقيات السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979 ، واتفاقية أوسلو 1993 بين الفلسطينيين وإسرائيل، واتفاقية وادي عربة 1994 بين الأردن وإسرائيل، والتي اعتُبرت كلها هزيمةً وعاراً للأمة العربية. ولو تأملنا الواقع العربي الآن، لوجدنا فعلاً أن سوريا وإيران وحلفاءهم من الأحزاب العربية والإعلاميين العرب، هم الذين يقيمون القيامة صُبحاً ومساءً، كل يوم من هذه الأيام، ضد هذه الاتفاقية.

-3-

فلماذا كل هذا الفزع من الاتفاقية الأمنية العراقية – الأمريكية؟

سؤال طرحناه في الماضي، وشرحنا فيه أسباب كل هذا الفزع. ونزيد اليوم على ذلك، ونقول:

إن ملفات وزارت الخارجية العربية، مليئة بمثل هذه الاتفاقية، منها ما هو سري للغاية، ومنها ما هو علني.

إن كل الذين وقفوا في وجه حرية وديمقراطية العراق وعهده الجديد، وأيدوا ودعموا العمليات الإرهابية فيه على مدار السنوات الخمس الماضية، هم الذين يقفون اليوم ضد الاتفاقية القادمة بين العراق وأمريكا. وهم بهذا لا يريدون للعراق استقراراً، ولا للحرية مرتكزاً، ولا للديمقراطية مكاناً في العراق. وإيران المعترضة الأولى على هذه الاتفاقية، تريد العراق خالٍ من أية قوة رادعة، لكي يصبح العراق (سداح مداح) لها، تعبث به كما تشاء، وتنشر فيه الفوضى والإرهاب كما تشاء، وكما اعتادت في السنوات الأخيرة، وحتى الآن.

فهل لو كان العراق ينوي عقد مثل الاتفاقية بالبنود نفسها مع إيران، أو مع سوريا، هل كانت الدنيا تقوم ولا تقعد، كما هي الآن؟



-4-

إن القراءة المتأنية لهذه الاتفاقية، لا تخرج إلا بنتيجة واحدة، وهي أن هذه الاتفاقية وضعت لحفظ مكتسبات أمريكا ومكتسبات العراق في العراق. وهذا حق مشروع لأمريكا التي صرفت في العراق أكثر من نصف تريليون دولار (500 مليار دولار)، وخسرت أكثر من أربعة آلاف جندي، وعشرات الجرحى والمشوهين، وساءت سمعتها السياسية كثيراً في الشارع العربي والإسلامي نتيجة لحملتها على العراق. وإذا كانت هناك بعض البنود في هذه الاتفاقية ترجِّح المصلحة الأمريكية؛ أي تُعطي لأمريكا بعض الامتيازات، فهذا شيء طبيعي، مقابل كل ما قدمتها أمريكا للعراق.



-5-

لقد كلّف الشعب العراقي نُخبه السياسية المعارضة، التي كانت تعيش قبل عام 2003 خارج العراق.. كلّفها بأن تستدعي قوة عظمى، لكي تطيح بنظام صدام حسين، الذي عجز عن الإطاحة به الشعب العراقي، والشعب العربي من ورائه. فقامت هذه الدولة بواجبها، وبالتكليف الشعبي المُعطى لها. وكان ثمن هذه العملية نصف تريليون دولار، وأكثر من أربعة آلاف جندي، وعشرات الآلاف من الجرحى والمشوهين.

فما هو ثمن هذا، وما هو العائد المقابل؟

وهل هذا العمل لوجه الله والحقيقة فقط؟!

وهل هو من أجل عيون العراقيين السوداء فقط ؟!

وهل هو حباً في العراق وشعب العراق؟

وهل هو من أجل نصرة مسيرة الديمقراطية، والحرية في العالم العربي؟

كل هذا صحيح ومقبول. ولكن وراء كل هذا هناك ثمن مادي، لا بُدَّ للإدارة الأمريكية والشعب الأمريكي من تحصيله. وهو ما حدث بالضبط مع دول وشعوب أخرى بعد الحرب العالمية الثانية، كاليابان، وكوريا، وألمانيا، وحتى أوروبا كلها.



-6-

إن التنافس على كعكة العراق بين أمريكا من جهة، وبين إيران وسوريا من جهة أخرى، يُعطي لأمريكا الحق في كعكة العراق.

قد يبدو هذا الكلام غريباً، ومرفوضاً، وجريئاً جرأة غير مسبوقة في الإعلام العربي، ولكنه – من وجهة نظري على الأقل – يقول الحقيقة، وهي في واقع الأمر حقيقة مُرَّة تجرح الحلوق، دون شك.

ففي حين وقفت إيران وسوريا تتفرجان على سلوكيات صدام حسين تجاه شعبه من تنكيل، وقتل، وطغيان، ومقابر جماعية في الشمال والجنوب، كانت أمريكا تتحفز، وترصد هذه الأفعال الشنيعة بحق الشعب العراقي، والتي كانت نتيجتها "حملة حرية العراق"، عام 2003.

وفي الوقت الذي كانت فيه أمريكا داخل العراق، تُطيح بأوثان صدام وأصنامه، كانت سوريا وإيران، تُرسل الإرهابيين إلى العراق، ليعيدوا إقامة هذه الأوثان والأصنام من جديد.

وفي الوقت الذي كان فيه الجنود الأمريكيون – رغم أخطائهم الكثيرة، ففي كل حرب هناك أخطاء قاتلة - يقومون بإصلاح المدارس والمستشفيات التي دمرتها الحملة على العراق – وهذا ليس من عملهم كجنود مقاتلين - كانت سوريا وإيران ترسل الإرهابيين، لخطف أساتذة الجامعات، والأطباء، وسرقة سيارات الإسعاف، وقتل رجال الشرطة العراقية بالأحزمة الناسفة، والسيارات المفخخة. وكل هذا باسم المقاومة.

وفي الوقت الذي كانت فيه أمريكا تحارب الإرهاب والإرهابيين، الذين قتلوا مئات الآلاف من العراقيين الأبرياء في الأسواق والطرقات، كانت سوريا وإيران تدعم وتموّل وتدفع بالإرهابيين إلى داخل العراق، لمزيد من القتل والتدمير.

والعراق اليوم، عندما وقَّع اتفاقية أمنية مع أمريكا، رغم عيوبها - فلكل اتفاقية عيوبها ولكل عقد عيوبه- فهو يريد من وراء ذلك تثبيت استقراره، ونشر السلام في ربوعه، حتى يتفرّغ لمرحلة الإعمار والتنمية، وهي معركة صعبة وشاقة.

Opinions