متى سنسقط صورة كنائسنا الباذخة كما أسقط الفرنسيون حصن الباستيل
المضحك المبكي في العنوان أن نضع اغلب كنائسنا اليوم في موقع مقارنة مع حصن الباستيل هذا المكان الذي كان شاهدا على الظلم والاستبداد وعدم المبالاة التي تعامل بها ملوك فرنسا في نهاية القرن الثامن عشر مع شعبهم فهم كانوا يتمادون في الصرف والبذخ في وقت تضورت فيه فرنسا جوعا فكانت ردة فعل الثوار على العرش هو اقتحام هذا الحصن تحت شعار الخبز فهل سنفعلها نحن أيضا مع كنائسنا تحت شعار الخبز الروحي الذي شح فيها هذه الأيام .كنائسنا التي شبهها المسيح بجسده المتعب المعذب وصلت مستويات البذخ فيها إلى درجات لم تعرفها منذ تاريخ نشؤها لتتكون داخل كل كنيسة شبكة من المافيات التي تستلم وتأكل وتسرق وتحول الفائض عن حاجتها إلى الحاشية فكل رجل دين تحول اليوم إلى ملك وله حاشية كبيرة جدا وبات أقربائه من الدرجات الخمس الأول هم طبقة النبلاء والإقطاعيين في مجتمعنا الجديد ولهؤلاء دون سواهم حق الانتفاع بكل ما تشتريه الكنيسة حتى لو كان في الشعب متضررين وفقراء بحاجة إلى المساعدة أكثر من حاشية ملك الكنيسة نفسها . وإذا صرخت بأعلى صوتك لتسمع من هو في موقع مسؤولية فغني معي ما قاله الشاعر "أسمع لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن أنادي " فالكثيرون اليوم يدافعون عن هذه الحالة ويؤمنون بأهمية المال في كل مكان بل ذهب بعض الكتاب والمثقفين إلى الدفاع عن هذه الظاهرة وعن الاستخدام المتعسف للمال أيا كان مصدره واعتبروا الأمر برمته لا يتعدى حصة المسيحيين من مهرجان شم النسيم الدولاري الذي يعيشه العراق هذه الأيام .
ولكن أي منطق في هذا الكلام وفي أية مجالات تخدمنا الأموال المصروفة ؟ هل تنفع وجودنا وتخدم قضيتنا ؟ هل تساهم في حل مشكلاتنا الاجتماعية والاقتصادية حلا جذريا ؟
أية منفعة تلك التي نحصل عليها اليوم من الصرف على الصور الكمالية والمبالغ فيها داخل أروقة الكنائس نفسها وبشكل عشوائي دون إن تصل المنافع بشكل متساوي على الرعايا جميعهم. أليست الكنيسة خير مكان لتطبيق بعض المفاهيم الهامة ولا سيما العدالة أم سنؤمن بالمبادئ فقط وننتظر الآخرين ليطبقوها وليس نحن . أن وضع الكنيسة في هذا الموقع المستلم والموزع للمال يشوهه صورتها كثيرا ويضعها قيد التشبيه بأية مؤسسة أخرى تفعل نفس الشيء وبالتالي لا نستبعد مع وجود المال أن تحدث حالات أخرى مثل السرقة وعدم العدالة في التوزيع والأنفاق والبذخ والتفضيل في مكان مقدس يجب أن يكون بعيدا عن كل تلك الأمور كلها .
ألا تسمعون اليوم عن أناس يتقاضون ما يقارب 5 دولارات فقط كونهم محتاجون وآخرون يحصلون على عقارات بعشرات الملايين وآخرون على وظائف وعلى سمسرة من بعض الصفقات وآخرون على عطاءات مبالغ في أرقامها وعلى موجودات أصبحت قديمة بعد توفر المال وآخرون اصطفوا في طوابير طويلة عسى أن ينوبهم من الجمل شيئا حتى لو كان أذنه .
فالإغراءات أقوى من قدرة التحمل فذاك أشترى بيتا وأخر حصل على سيارة مكيفة وحديثة وكل شيء داخل بيوت الله تم تحديثه وتطويره والخشية تبقى قائمة من تحوير صلاتنا أيضا من أبانا الذي في السماوات إلى أبانا الذي في مكان أخر حيث تأتي الأموال وتنتج البقرات الحلوب أجمل ألوان النقود ولم يعد هناك مبرر لتشجيع الأجيال القادمة على النجاح وتوجيهها إلى الطموح بمهنة ناجحة أو شهادة عالية فلكي تمتلك بوليصة تأمين تحميك من الفقر والتشرد والعازة ما عليك سوى أن تسعى لتصبح رجل دين أو أحد أقرب الأشخاص إليه .
أليست حالة صعبة تلك التي تعيشها اليوم كنائسنا في اقترابها كثيرا من ترف ماري أنطوانيت وعدم مبالاة لويس السادس عشر فهي لا تهتم أصلا بالانتقادات الموجهة إليها لا بل يحول بعض رجال الدين قداديسهم إلى فرصة ليردوا فيها على ما قيل ويقال عنهم أو ما كتب بحقهم في ألانترنيت . وعليه فصورة كنائسنا الحالية تستحق مقارنتها بحصون النبلاء والإقطاعيين في القرون الوسطى لأنها لم تعد جسد المسيح المروض القادر على تحمل الجوع والعطش والمسامير والخل والملح والعرق وكل أنواع الآلام التي يجب أن نشعر بها دائما ونحن داخل كنائسنا التي تحولت إلى قصور أل بورون . فهل ستسقط صورة الكنيسة المريحة والباذخة التي نراها اليوم أمام قوة الكنيسة الحقيقية ذات الأبعاد الروحية التي أسسها المسيح والرسل والتي لا يمكن أن تسقط أو تنتهي حتى لو أنتهى العالم بما فيه .