مذكرة اعتقال طال انتظارها
لم تكن مذكرة الاعتقال الصادرة بالضد من نائب الرئيس العراقي الدكتور طارق أحمد بكر المشهداني الهاشمي مفاجئة، ليس أقل بالنسبة للمتابعين لنهجه منذ توليه أمانة الحزب الإسلامي العراقي عام 2004م حتى إقالته من الحزب في 25/5/2009م ومن ثم تأسيسه حركة التجديد في 12/9/2009م حتى 19/12/2011م وهو تاريخ صدور مذكرة الاعتقال ضمن المادة 4 إرهاب بتهمة إدارة عمليات إرهابية متنوعة على مدار سنوات عدة.قلت لمحاوري الإعلامي السوري موسى العمر في قناة الحوار الفضائية لبرنامج (أضواء على الأحداث) ليوم الثلاثاء 20/12/2011م، كان يفترض بهذه المذكرة أن تصدر في نيسان عام 2009م بعد اعتقال الزعيم بحركة القاعدة العراقية أحمد المجمعي الشهير بأبي عمر البغدادي- وهو غير أبي عمر البغدادي (الأصيل) الذي قتل مع أبي أيوب المصري في 19/4/2010م-، فهذا الرجل المتورط بالكثير من عمليات التفجير والتفخيخ في بغداد وغيرها من المدن العراقية ظهر في 18/5/2009م على الشاشة الفضية وكشف عن الجهات التي يعمل لصالحها وجاء على اسم الحزب الإسلامي العراقي الذي كان الدكتور طارق الهاشمي أمينه العام، وكانت اعترافات أبي عمر البغدادي (البديل) مفاجئة للشارع العراقي وربما مفاجئة لعدد من قيادات الحزب الإسلامي العراقي مما حدا بهم وهم على وقع الصدمة إلى إدانة الحكومة مباشرة واتهامها بمحاولة الهيمنة وتخريب العملية السياسية، وكان رئيس مجلس النواب العراقي الدكتور إياد السامرائي أحد الزعامات التاريخية للحزب الإسلامي والذي شاركنا معاناة المهجر في المملكة المتحدة، من أشد الغاضبين على الحكومة وأداء القيادات العسكرية وبخاصة عمليات بغداد.
لاشك أن الحدث كان صاعقة على رؤوس الساسة في العراق، ولكن المفاجئة غير المعلنة هو قيام وفد من الحكومة ومن عمليات بغداد بزيارة رئيس مجلس النواب العراقي وعرض عليه اعترافات للمعتقل أبي عمر البغدادي (البديل) مدتها 320 دقيقة وكلها تدين نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، وبعد أيام من هذه المفاجئة التي لم يتحملها كاهل الحزب الإسلامي العراقي التأم مجلس رئاسة الحزب وكادره المتقدم وانتهى المجتمعون إلى إقالة الهاشمي من زعامة الحزب على أمل الخروج بأقل الخسائر من هذه الفضيحة الكبرى، وفي 25/5/2009م أعلن الحزب الإسلامي رسميا تعيين الدكتور أسامة التكريتي أمينا عاماً للحزب الإسلامي بديلا عن الهاشمي، وقال بيان الحزب في حينها أن: "مجلس شورى الحزب عقد اجتماعا وفقا للنظام الداخلي ليجري انتخابات المرحلة الأخيرة لقيادته، مما أسفر عن فوز أسامة توفيق التكريتي بمنصب الأمين العام"، وفاز الدكتور إياد السامرائي بمنصب نائب الأمين العام كما تم التجديد لمحسن عبد الحميد في منصب رئيس مجلس شورى الحزب" وتطعيم المكتب السياسي للحزب بوجوه جديدة.
لم يكن الوضع السياسي في العراق في تلك الفترة يسمح باقتياد الهاشمي إلى ساحة القضاء، ولكنه الطامع إلى استعادة الأمجاد والذي أطاح بزعيم الحزب الإسلامي السابق الدكتور محسن عبد الحميد عام 2004م لا يتوقف مؤشر طموحه عند الموقع الرسمي الذي فيه كنائب لرئيس الجمهورية لدورتين، فهو يحمل العقلية القديمة التي لا ترتضي أن تكون الاّ حاكمة بيد مطلقة، فكيف والرئيس من القومية الكردية (عرقاً) الذين في المرتبة الثانية من حيث تراتبية الأكثرية المجتمعية، ورئيس الوزراء من الشيعة (مذهبيا) وإن كانوا عُرُباً يشكلون أكثرية الشعب العراقي، وصار للتركمان شأنٌ، وصار للمدن مجالسها الحكومية المحلية المنتخبة، وصار وصار وكل ما جرى كان ولازال على قاعدة المواطنة العراقية والعمل ببنود الحرية والتعددية، وهذا ما كان يحز في نفسه وفي نفوس أمثاله الذين يتظاهرون بالمشاركة السياسية وهم أشد الخصام لها، ولأنَّ العملية السياسية في ظروفها الحالية لا تسمح له لأن يتبوأ مقعد رئاسة الجمهورية أو رئاسة الوزراء فلم يكن أمامه إلا الإنقلاب على الواقع السياسي، وهو رغم تنحيته من الحزب الإسلامي العراقي فإن عقدة الفوقية المناقضة لمفهوم المواطنة تدفع به إلى زعزعة الأمن كمقدمة للسيطرة على الحكم تدغدغه مشاعر الحنين إلى الإنقلابات العسكرية.
وكنت أتوقع أن تأخذ قيادة القائمة العراقية منحاً آخر في التعامل مع ملف الهاشمي القضائي وهو المتهم باستغلال منصبه الرئاسي لقيادة مجموعة من العمليات العسكرية بالضد من مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والسياسية والمجتمعية، وأن تتعظ بما وصلت إليه قافلة الحزب الإسلامي الذي تزعمه الهاشمي لخمس سنوات متتالية أسهم في خفض نصيبهم من عدد مقاعد مجلس النواب العراقي من 21 مقعداً في انتخابات عام 2005م إلى 5 مقاعد في انتخابات 2010م أي إلى نحو الربع، وفقدوا أهم قلعة رئاسية وهي رئاسة مجلس النواب العراقي، مع التأكيد على أن مقاعد انتخابات الأولى كانت 275 مقعداً في حين ارتفعت في الانتخابات الأخيرة إلى 325 مقعداً، ولكم أن تتصورا الفارق الكبير في هبوط الشعبية.
والظاهر أن الحزب الإسلامي أكثر عقلانية من القائمة العراقية في التعاطي مع هذا الملف الخطير، وهو ما قلته لمحاوري الشاب موسى العمر، فهم أبعدوا الهاشمي عن حزبهم ليحافظوا على ما تبقى من سمعة الحزب في الأوساط الشعبية العراقية منذ تأسيسه عام 1961م، فيما أن القائمة العراقية متمسكة به وتبرر الإتهامات المنسوبة إليه وتسفِّه عمل القضاء العراقي وتستنجد بالسفير الأميركي(!)، وهذا الأمر سيعمل وبلا أدنى شك على انخفاض منسوب شعبيتهم في الانتخابات القادمة، فطالع الهاشمي الطامع شؤم على كل من يتحالف معه وهو ليس بالجواد المطلوب في الرهان عليه في مضمار السياسة، وأتمنى على القائمة العراقية وأية كتلة أخرى أن تتعلم ولو قليلاً من الأحزاب السياسية في الديمقراطيات المتمدينة والحضارية التي تعمد إلى ترشيح من ليست في صفحته نقاط سود، وإذا أساء عمدت إلى تجميد عضويته داخل الحزب أو داخل مجلس الأمة وربما لفظته كلياً حفاظا على سمعة الحزب، وإذا اتهم بقضية جنائية أو مالية أو غير ذلك اصطفت مع القانون ووقفت إلى جانب الحزب الحاكم إن كانت هي في المعارضة، لأنها ترى أن مستقبل الحزب أولاً وآخراً لإيمانها بأن الحزب وقفٌ لخدمة الشعب، والأخير ينظر إلى الحزب من خلال أداء أعضائه، وإذا ما أساء العضو فإن الشعب ينظر أولا إلى أداء الحزب وكيفية تعاطيه مع المشكلة ومدى تجاوبه مع القانون، وفي كل الأحوال يذهب العضو ويبقى الحزب، ولذلك تتغير وجوه الحزب وقياداته بين الفينة والأخرى.
وفي اعتقادي لو أجريت انتخابات عامة مبكرة فإن ما حلَّ بالحزب الإسلامي سيحل بالقائمة العراقية وستذهب المقاعد إلى وجوه جديدة ترى في عملية بناء مدنها وإعمارها أهم من الأشخاص، بخاصة وأن الوفرة المالية التي يمتلكها العراق فتحت باب الإعمار على مصراعيه، والتحالفان الوطني والكردستاني ليسا ببعيدين عن هذه المعادلة.
فما يجري الآن في العراق ليست أزمة سياسية، وليس صراعاً طائفياً، وليس انهياراً سياسيا، وإنما قضية جنائية تخضع للمادة 4 إرهاب، وهو إرهاب مضاعف لأن المتهمين هم جزء من هذه السلطة التي يُفترض بها حماية الشعب وممتلكاته، وأن محاولة تسييس القضية والدعوة إلى فض قضية الإرهاب الكبرى بتبويس اللحى والدعوة إلى طاولة مستديرة أو مستطيلة أو مربعة أو مثلثة، واختر من الأشكال الهندسية ما شئت، إنما هي الأزمة السياسية بذاتها وهو التأزيم بعينه، والمشكلة ليست خلافاً سياسيا بين قائمة دولة القانون والقائمة العراقية كما تروج لها بعض أطراف القائمة العراقية وبعض الأطراف في قائمة التحالف الوطني أو التحالف الكردستاني، فما يُراد من هذا التأزيم المتعمد والشعب العراقي على أبواب مرحلة جديدة بعد الإنسحاب الأميركي النهائي هو وأد العملية السياسية برمتها وإرجاع العراق إلى مربع الطائفية السياسية التي تطيح بالطاولة على العراقيين أجمع، فالناقمون على المالكي إنما ينقمون على الإئتلاف الوطني وما يمثله لا قائمة دولة القانون، والناقمون على المالكي إنما ينقمون على مجلس رئاسة الجمهورية الذي على رأسه كردي، والناقمون على الواقع السياسي الجديد من أية قائمة كانوا إنما هم دعاة الطائفية السياسية الذين عمدوا إلى تأخير تشكيل الحكومة نحو ثمانية أشهر مستفيدين من الجهل السياسي المركب لدى بعض الكتل في قائمة التحالف الوطني، وهم اليوم يعمدون إلى إجهاضها لأنهم غير قادرين على رؤية الإنتصار الذي حققه العراق بخروج القوات الأمريكية ونيل استقلاله، ليكون العراق أول دولة في العالم تدخله قوات أميركية وتخرج منه بزمن قياسي ضمن اتفاقية دون أن تحصل منه ضمانة على الحصانة القانونية لجنودها ومدربيها.
وأزعم لو أن الذي حصل في العراق كان بزعامة غير زعامة المالكي أو غيره من قائمة التحالف الوطني لشهدنا العالم العربي والإسلامي بدوله التي تزيد على الخمسين تحتفل ليلاً ونهاراً، وأزعم مرة أخرى أن العالمين العربي والإسلامي لن يحتفل أصلاً حتى وإن كان العراق بغير زعامة المالكي أو مثيله، لأنه في الأساس لن يحصل الذي يحصل بتاتاً، فلا أحد يجرؤ على مخالفة أميركا ليس أقل في عصرنا الحاضر، وما كان في العراق استعماراً صار في ليبيا تحريراً ويُراد له في سوريا أن يكون إنقاذاً مع أن الجزمة العسكرية تعود لقدم واحدة غير مسلمة قادمة من وراء البحار!
وعودة إلى محاوري موسى العمر الذي ختم الحوار بسؤال عما إذا كانت إجراءات السلطتين التنفيذية والقضائية بالضد من طارق الهاشمي وصالح المطلك المقال من نيابة رئاسة الوزراء ستفتح الجبهة على حرب أهلية، أجبته بمختصر القول: سيصدق سؤالك لو شهدنا تحركات شعبية معادية للحكومة المركزية في مدن من قبيل الموصل وديالى والأنبار؟