من أجل الـمسيحية في العراق
المسيحية هي الديانة الرسمية لأكثر من نصف سكان الأرض وعليه فهي تعتبر ثمينة جداً في المباديء التي تحملها وتطبعها على الأتباع وكذلك في إمتدادها المتنوع في أغلب المجتمعات بحيث تتكيف هذه الديانة مع أعراف البشر وتقاليدهم وتفرض على كل من يتبعها أن يكون حريصاً على مصلحة بلدهُ وخاضعاً تماماً لكل سلطات الدولة ، وإذا كان خلاف ذلك فهو بنظر المسيحية لا يعتبر مسيحياً مطلقاً .والمسيحيةُ في العراق حالة خاصة فهي لمن يملكُ بصيرة ثاقبة تظهر له بكل وضوح في الأرض أو التآريخ وحتى في العناوين والوجوه . ديانة قديمة دخلت إلى العراق منذُ فجر رسالتها وقدمت من أبناء هذا البلد نُخباً وعمالقة في سبيل إسمٍ لامع وسمعة بيضاء لتلك التعاليم التي ناضل من أجلها المسيح قبل ألفي عام فهي ليست حالة طارئة ولا دخيلاً يصعبُ فهمهُ وبالتالي فإن قدمها وثقل دورها الإجتماعي يفرض على العراق أن يرفض أية محاولة لإستئصالها من جسمهِ العظيم والعراق هنا ليس فقط الأرض بل الحكومة والشعب بكل أطيافهِ وفي مقدمتهم إخوتنا المسلمين .
لأن المسيحية اليوم في أحوج أوقاتها إلى الإنصاف فهي تقاتلُ ضد عدو شرس غامض لا يفصحُ عن أية جهة تقف خلف جرائمهِ ولا يريد أن يخرج على الساحة العراقية ويحاربها علناً لأنهُ بالتأكيد يعرفُ بأنهُ سيخسر المعركة .
إن هذا الصراع الغير المتكافيء يلحق بأبناء هذه الديانة في العراق أفدح الخسائر بسبب ما يتعرضون له من ضغوط هائلة وحالة نفسية قلقة وغير مستقرة تجعلهم يخافون من المستقبل ويحسبون لهُ ألف حساب ويتخلون عن كل ما تحقق لهم عبر مئات السنين ليخرجوا من أرض أجدادهم كالفارين من البلاء علماً بأن التوجه إلى خيار الهجرة ليس فيه من لذة تذكر ولا تخفى سمومهُ عن أحد . وفي ظل الحرج الذي يعيشهُ العراق على كل المستويات في ظل حكومة قد تكون من أكبر الحكومات العراقية فشلاً في التصدي إلى المشاكل والسبب بالتأكيد هو تركتها الثقيلة من أمراض الحروب والحصار والمحن التي تأتيها بالجملة والتي لا يزال الزمن كريماً معها ويقدم لها المزيد من المفاجآت .
وهذا بحد ذاته يفرض على المسيحيين في العراق ثقلاً كبيراً لأن كل الأقليات في العالم تحتمي بحكومات دولها ونحن محرومون من هذه العناية ونفهم السبب ولكن الذي لا تهضمهُ متاعبنا هو الشعب أين هو دور الملايين من الذين تعايشوا معنا بسلام وحتى الذين لم تسنح لهم الفرصة ليتعرفوا على المسيحية ويختبروا سلامها ونقاء رحمتها وطهارة قلوب أبنائها .
أين المسلمين الأقحاح الذين عشنا معهم بسلام أكراداً وعرباً وتعرفنا على ديانتهم في مناهجنا ومدارسنا ونحفظ آياتٍ كثيرة من أقدس كتبهم دون عنصرية وسمعنا الكثير من كلمات المدح والإطراء من أفواه المسلمين تعايشوا معنا وبادلونا كل الإحترام . ولن نصدق في القادم من الأيام بأن مسلماً تنطبقُ عليه الأوصاف السابقة لهُ القدرة على إيذاءنا مثل هذا الأذى الذي يلحقُ بنا اليوم وحتى إذا حصل شيءٌ بسيط من هذا القبيل فهو ينتجُ عن قلة ، عن جهلة لا يمتون للإسلام بصلة ولا يعرفون بأن المسيحية ليست عجينة طرية يمكن أن توضع في قوالب ثابتة ولم يكن أبنائها يوماً عبيداً لمن لا يستحقُ أن يُعبد .
لا يفهمون إنهم محترمون بنظر كل مسيحي في العراق والواجب يفرضُ عليهم أن يحترموا من يحترمهم في حياتهِ وفي مالهِ وفي شرفهِ وفي أبسط مقومات تواجدهِ . في كل شيء يحق لنا أن نكون معززين مكرمين في عاداتنا الخاصة وتقاليدنا المتبعة اليوم سواءً كانت متوازنة أو مكتسبة فنحنُ أحرار ولا يحق لأحد أن يفرضَ قيداً على الناضجين في الحرية يحق لنا أن نصلي متى نشاء لأننا لا نؤذي أحداً بتلك الصلاة وأن نمشي في الشوارع بقامات عالية لا تخشى الموت المفاجىء وبرؤوس تُعبر عن قناعة أصحابها سواءً كانت سافرة أو حاسرة طالما لا تحملُ في باطنها نوايا سيئة ومجردة من أية قرون تنطحُ هذا وذاك .
وإذا كنا اليوم ضحية لمن يريد أن يجرد العراق من وسامتهُ ويمسحُ زينة المدن وألوانها الزاهية فهذا تحدي كبير أكبر من المسيحيين لأنهُ يتعامل معنا بأساليب قذرة لا نعرف ولا نستطيع أن نردها عليه بالمثل .
وهنا يكمنُ الخطر وينجحُ اللصوص في تفتيت ثروة العراق ليتغرب أبنائهُ أفواجاً تهيمُ في الأرض بحثاً عن وطن وتخلقُ فراغاً كبيراً في المواطن التي نزحت منها ولعنةٌ أكيدة ستلحقُ بكل مدينةٍ إستطاعت أن تعيش يوماً دون أبنائها الراشدين ومصيرٌ أسودٌ هو مصير كلَ أرضٍ رفضت أو سترفضُ المسيح وأتباعهِ . ومن هذا المنطلق تفرضُ المسيحيةُ في العراق على الجميع أن يضحوا في سبيل الحفاظ عليها من هذا التهديد الخطير وإلا فالعذرُ صديقٌ كئيب لكل من يحاول البحث عن وطنٍ بديل .
عصام سليمان - تلكيف