من قال أن الكلدان .. فشلوا ؟
كانت النتائج التي أعلنت يوم أمس للأنتخابات العراقية التي جرت في 7|3|2010 وككل أنتخابات تجري لا بد وأن تكون النتائج مختلفة بين مرشح وآخر , والمرشح الذي أخفق في نتيجة متقدمة ينبغي عليه أعادة النظر بمسيرته السابقة وخططه التي أتبعها ويحاول تلافي نقاط الضعف التي ظهرت وتعزيز نقاط القوة التي لمسها وأن يصحح مسيرته القادمة أن أراد الأستمرار في المنافسة.أن مقياس النجاح أو الفشل في أيّة حالة أو أمر ما, هو وصول الفرد الى تحقيق هدفه الذي يسعى أليه في نهاية المطاف , العديد من الشخصيات في التاريخ فشلوا في مراحل معيّنة في حياتهم , ولكنهم أصبحوا عظماء لاحقا, فعلى سبيل المثال كان الطفل " آينشتاين " قد تأخر عن النطق حتى الثالثة من عمره , وأنه لاحقا قد رسب في مادة الرياضيّات , ولكن بعد أن رعاه أثنان من أعمامه ودعماه وزوّداه بكتب تتعلق بالعلوم والرياضيّات , أستعاد مسيرته العلمية وأصبح من أعظم علماء الرياضيات والفيزياء . ومثال آخر من عصرنا الحديث , فقد كان " الفريق سعيد حمّو " أطال الله بعمره أن كان عائشا , كان قد فشل في كليّة الأركان العراقية , غير أن التاريخ العسكري العراقي يعتبره أعظم قائد عسكري في الحروب الجبلية , وكانت خططه تدرّس في كلية الأركان العراقية.
أن عدم حصول الكلدان على مقعد في الأنتخابات الأخيرة لا يعني فشلهم, قد يعني أخفاق مرشحيهم في الحصول على مقعد خاص بهم 100% , وهذا من وجهة نظري يعود لأسباب مختلفة منها :-
1 - يعتقد معظم الأخوة الكتّاب أن السبب كان دخولهم الأنتخابات مقسمين الى قائمتين , هي المجلس القومي الكلداني وقائمة أور. ولكنني أخالف هذا الرأي لأنهم بالحقيقة دخلوا مقسّمين الى أكثر من خمسة قوائم , وما أعنيه أن معظم ناخبي قائمة الرافدين وقائمة المجلس الشعبي وقائمة عشتار هم من الكلدان وبأعتراف أصحاب هذه القوائم , فضلا عن ناخبي القائمة العراقية وقائمة الحزب الشيوعي العراقي , وهكذا فغالبية أصوات الكلدان تفرّقت بين هذه القوائم .
2 - يشير بعض الأخوة الى سبب آخر من أخفاق مرشحي القائمتين الكلدانيتين في الحصول على مقعد في مجلس النواب القادم هو, الحداثة والطفولة السياسية للساسة الكلدان الحاليين, وأن العديد منهم كانت لديهم أنتماءات لأحزاب أخرى سابقا , وأن تلك الأنتماءات لا تزال فعّالة في قناعاتهم أكثر من الأنتماء الكلداني .
3 - من الأسباب الأخرى في أخفاق مرشحي القوائم الكلدانية في الحصول على مقعد في مجلس النوّاب القادم والتي طرحها بعض الأخوة الكتاب هي ترك الكلدان وحيدين من قبل رعاتهم الدينيين الذين كانوا في أمسّ الحاجة لمؤازرتهم وتشجيعهم بحكم العلاقة الصميمية والقوية بين الكلداني وآباء كنيسته , والذي يعتبر معظم الكلدان أن رأي راعيه الكنسي هو الصحيح وواجب الأحترام ,غير أن ما حصل هو أن تركت الرعية ( الحديثة الوعي السياسي ) فريسة لأصحاب المصالح الشخصية والخاصة بأهدافها , خوفا من أتهامها بالتدخل في السياسة وكأنما نصيحة الراعي الصالح لرعيته وتوجيهه الوجهة التي تخدم كيانه ومستقبله ومصلحته , وفتح عينيه ليعرف من يعمل لمصلحته , ومن يعمل لغير مصلحته بل لمصلحته الشخصية والمادية هو تدخل بالسياسة , بينما هذه التهمة تتلاشى لدى الطوائف والمذاهب والقوميات الأخرى , لا بل الأكثر أيلاما أن ما ذكره بعض الأخوة من أن بعض الرعاة الكلدان روّجوا وسهّلوا الأمور أمام القوائم الأخرى ذات الأهداف المصلحيّة للجهات التي تموّلها .
ولكن رغم ذلك فأنني شخصيا أعتبر أن الكلدان لم يخفقوا في هذه الأنتخابات وللأسباب التالية :-
1 - نجحوا حين نجحت القائمة العراقية العلمانية وقائمة الرافدين, فالقائمة العراقية العلمانية التي أقنعت صحة توجهاتها وطروحاتها الناخب العراقي بصورة عامة والكلداني بصورة خاصة بحرصها على وحدة ومستقبل العراق الموحد , وحتى لو لم يسمحوا لها بتشكيل الحكومة العراقية القادمة , الا أن صوتها سيكون مدويّا بعد أن حصلت على الرقم الأكبر في عدد أعضاء مجلس النواب القادم وسوف تكون عائقا قويا لكل مشاريع تفتيت وتجزأة العراق وضد توجّهات الأحزاب الدينية بجعل العراق الحديقة الخلفيّة أو الأمامية لأية دولة طامعة .
2 - نجحوا في أفشال مخططات الأحزاب الكرديّة وواجهتها المسيحية " المجلس الشعبي " في تجزأة وتفريق المسيحيين العراقيين بمشاريع ظاهرها الحرص على المسيحيين وباطنها تنفيذ أجندة هذه الأحزاب في اقتطاع أجزاء من سهل نينوى وألحاقها بأقليم كردستان تحت مسمّى الحكم الذاتي الذي كان رأي قائمة الرافدين نحوه مطابقا تماما مع رأي القوائم الكلدانية التي أخفقت في الحصول على مقعد .
3 - نجحوا وبجهد مكثّف من البعض من آباء كنيستنا الكلدانية , وبمساهمة فعّالة من الأتحاد العالمي للأدباء والكتّاب الكلدان المتشكّل حديثا في تثبيت حقيقة أن الكلدانية هي قومية وليست مذهبا كنسيا كما كان يحاول الأخوة الآثوريون في ترويجه , فخفّ هذا الصوت الآن وتحول الى الأدعاء بأننا شعب واحد الذي لا ينفيه الكلدان أبدا , لأننا حقيقة شعب عراقي واحد بقوميات مختلفة كالكلدانية والآثورية والعربيّة والكرديّة والتركمانية وغيرها , وأي جهد أو مسعى لجمع القوميات المسيحية في تكتّل واحد يباركه الكلدان , وبرأيي أن يكون سعي الكلدان مستقبلا هو في دخول المسيحيين كافة في قائمة واحدة , ينتخبها المسيحيين كافة لأن عددهم الأجمالي يؤهلهم لنيل أضعاف مقاعد الكوتا .
أن الكلدان لا يزالون في طفولة ممارستهم السياسيّة وهم سائرون بثقة نحو مرحلة الشباب والكهولة في حياتهم السياسية , ينير الطريق أمامهم رعاة أجلاء من كنيستهم الكلدانية العريقة, وبمساهمة وفاعليّة من طليعة مثقفيهم المتجردين من أية مطامع أو مكاسب ماديّة سوى التوعية والتذكير بتاريخ أمتهم العظيم , الذي يحاول البعض التشكك به ووصل الأمر ببعضهم حتى التشكك بالكتاب المقدس الذي يظهر جليّا هذا التاريخ العريق وذلك لأهداف أأمل أن لا تكون تخريبيّة أو مدفوعة الثمن , فمن لا تاريخ له , لا مستقبل له , وللكلدان مستقبلهم الواعد بأذن الله .
بطرس آدم