Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

من نوري السعيد الى نوري المالكي... هل يُشرف العراق على تيه جديد؟

ما اشبه اليوم بالبارحة، فالمتابع لسياق الاحداث في المشهد العراقي هذه الايام لابد ان تعود به الذاكرة الى الماضي في تسلسل زمني لا يكاد يخلو من تشابه مفرط في ما كان وما هو قائم الان.
لدرجة يكاد ان يكون القدر متهما بالتجني، في ما يصنعه من تكرار بائس لهذا البلد. الذي ما يلبث ان يخرج من شرنقة حتى تتكالب عليه الظروف ليدخل عنوة في شرنقة اخرى، كأن المجهول كتب على اجياله الدوران مدى الدهر في حلقه مفرغه.

فاذا عدنا الى مطلع القرن الماضي، نشهد تطابقا غريبا مع ما هو قائم اليوم، في معظم اوجه التطابق المنشود تتبعها، ابتداءً من كون المرحلتين تأسيسيتين ولم ترسي الدولة ركائزها المؤسساتية بشكل كامل ورصين، الى جانب تواجد قوات اجنبية محتلة على الارض، واخيرا وليس آخرا، غياب واضح للعدالة الاجتماعية، يخلف احباطا متناميا لدى مختلف شرائح المجتمع العراقي.

ومن سخرية القدر ايضا أن يتطابق اسما رئيس الوزراء لتلك الحقبة مع الحالي، ليجتمع النوريان في الصفة والاسم ويختلفا بالألقاب فقط، السعيد والمالكي، وتدور الشبهات والاتهامات حولهما بحسب زعم الاخرين.

فنوري السعيد كان قد احكم قبضته على مفاصل الدولة في العهد الملكي، على الرغم من سلامة نواياه (حسب ادعاء من كان على تماس بمحيطة القريب)، الهادفة الى تحسين الواقع المعاشي والاجتماعي، والنهوض بواقع هذا البلد على الصعيدين المحلي والدولي، الا انه تسبب بأسوأ كارثة في ذلك العهد بحق نفسه وبلده كما ينقل التاريخ.

وافضى تفرده بالحكم الى انهيار كبير لمؤسسات الدولة والديمقراطية الناشئة، بعد تفشي الفساد السياسي والمالي بشكل افقي وعامودي. وهو ذات السيناريو القائم حاليا مع المالكي وحكومته التي تتهم من قبل الكثيرين بالفساد في عصرنا الحالي.

حيث دفع الواقع المتردي في عهد رئيس وزراء الملك بالعراقيين الى ولوج سبل متعرجة غير محسوبة املا في الخلاص، بعد ان تمادت سلطة السعيد في الاستخفاف بتطلعات الشعب، واجهضت احلامه بدولة كريمة، ليساق العراق الى خيارات مؤلمة، ودهاليز مظلمة رُهن اثنائها مصير الشعب بأمزجة الدكاترة والانقلابيين، كما هو معروف.

وما يختلف حاليا عما مضى هو العامل الزمني ذاته، سيما ان الكرة لا تزال في ملعب المالكي والبرلمان العراقي، لتجنيب البلاد الوقوع في المحذور، وتفادي مصير شبيه بمصير نظام نوري السعيد، وما سوف يعقبه من انهيار كارثي لمرتكزات التجربة الديمقراطية، ولمؤسسات الدولة.

فرئيس الوزراء العراقي بات غير قادر على التغيير في ظل اسقاطات ما احاط به نفسه من قيود سياسية، وبيروقراطية، اطاحت ببرنامجه الحكومي مسبقا، فهل سيتحلى بشجاعة اكبر للتنحي، خصوصا انه قادر على العودة مجددا الى دفه الحكم في المستقبل القريب.

وعودة على بدء، صحيح ان مسؤولية ما حل بالعراق طيلة تلك الفترة يتحمل وزرها نوري السعيد لانفراده بالسلطة وممارساته القمعية والبوليسية التي اخذت طابعا استبداديا منذ توليه وزارته الثانية، عندما بات يترقب خيفة كل نقد ويسعى الى تكميم الافواه بكل ما أوتي من قوة، الا ان النظام السياسي الذي كان قائما آنذاك، يتشارك المسؤولية مع السعيد بشكل متساو في ما حل بالعراق، خصوصا ان النواب وموظفي الدولة الكبار في تلك الفترة، ارتضوا لأنفسهم الخنوع لسلطانه، وعدم الاكتراث بما يختلج نفوس الشعب من نقمة على التردي الحاصل في مفاصل الدولة، بعد ان احجمت الاحزاب بمختلف اطيافها عن التصدي لسياسات الحكومة الخاطئة، وانشغلت بمصالحها الفئوية والجهوية.

وهو واقع بات ينسحب في وقتنا الحالي على اعضاء مجلس النواب الحالي، الذين جعلوا من انفسهم رجع صدى لا اكثر، بعد ان انفرط من ايديهم زمام المبادرة، وباتوا يعولون على بعض الجهات املا في التغيير، غير مدركين انهم مفاتيح تلك الحلول وليس غيرهم، وان الحكومة او الامريكان او حتى الدول الاقليمية المجاورة، ليس لها الحق او القدرة في تقويم او تعديل مسار العملية السياسية في العراق الا من خلالهم، فهل يكونوا قادرين بدورهم على الانعتاق من الحالة السلبية التي وضعوا انفسهم فيها، والخروج من ثوب المتفرج الى ثوب المبادر، قبل ان ينزع الشعب عنهم كل ما يرتدونه، لا سمح الله. ونسترجع على مضض حقبة ما بعد الملكية الغابرة.

فمظاهرات الغضب التي تجتاح مدننا الان نابعة من النقمة على ما هو قائم وارادة شعبية تهدف الى التغيير، وهو امل قادم لم يعد تطبيقه محصورا بمزاج السياسيين، فسلطة الشعب وان خفت بصيصها الا ان عودتها كالبركان، لا يسلم من لظاه احد.

صحيح ان الخيارات الانفعالية غالبا ما تكون ذات مردودات سلبية تفضي الى اضرار اكثر مما هو قائم، الا ان فكرة الخلاص التي تهيمن على الفكر الجماعي تحجب التبصر وتسقط من اذهان المنتفضين نسب الخسارة والنفع.

فهل سيكون ساسة العراق قادرين على تجنيبنا وأنفسهم تيهاً جديداَ بعنوان، العراق من نوري السعيد الى نوري المالكي.

mh7777s@yahoo.com


Opinions