Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

من هم السريان وما هو أصل اللغة السريانية؟!

في الأونة الأخيرة، لقد احتدم الجدل بين مختلف أبناء طوائفنا حول القضايا القومية واللغوية وما هي علاقة " السريانية " مع شعوبنا سواء كانت آشورية، بابلية، كلدانية أم آرامية. ومن المؤسف أن كثيرا من الذين لم يكن يهمهم الشؤون القومية ولا حتى اللغوية إلى عهد قريب، قد أصابتهم العدوى القومية اليوم وهم نشطون في احياء قوميات لم تكن في الحسبان وفي غير موقعها، وعلى سبيل المثال، الآرامية والكلدانية.

فترى اليوم من يجاهد في سبيل إحياء القومية الآرامية وآخرون القومية الكلدانية شيئا لا نرى فيه الغضاضة، ولكن ما يثير حفيظتنا نحن الآشوريين حيث كنا من أوائل شعوب الشرق الأوسط عملنا في نهضة قومية حتى يمكننا القول أن نهضتنا هذه كانت السباقة من القوميات الأخرى في المنطقة بدون منازع، وليس ذلك فحسب، بل أن الذين جاهدوا وناضلوا ودفعوا القومية الاشورية إلى الأمام كانوا من مختلف طوائفنا حتى يمكننا القول أن " أب " القومية الاشورية بدون منازع يجب أن يكون في نظري المغفور له " البروفيسور آشور يوسف " من خربوت –تركيا، من أبناء الكنيسة الشقيقة الأرثوذكسية .

بعد دخول المسيحية شعوبنا سواء من الآشورية البابلية، الكنعانية، الآرامية والكلدانية ، عرفوا الجميع ب" السريان " حيث الديانة هذه كان مصدرها سوريا، وسوريا هنا ليست آرام بل أكثر من ذلك حيث تحوي آرام ولكن آرام لا تحويها. وكان ديدنهم الأوحد نشر المسيحية بأي ثمن كان، وحبهم وتفانيهم للديانة الجديدة تقريبا أزالت الفروق الجغرافية بينها ، مع أنه هذا النوع من الوحدة لم تكن سياسية إدارية اطلاقا، إذ ليس هناك حاكم أو ملك ولا عاصمة ولا حتى جيش.

ظهور السريان والسريانية على المسرح العالمي

من المعروف لو أخذنا بنظرية الأنساب، الموجودة في التوراة العبرية نجد أن شعبنا الآشوري ينحدر من سام/ ܫܝܡ بن نوح ، كما حصل أننا منذ أكثر من قرن ونيف كل مصادرنا كانت تعتمد بالدرجة الأولى على الكتاب المقدس/ التوراة ومن ثم على كتاب الإغريق وحتى الرومان والكاتب البابلي بيروسوس/ ܒܪܚܘܫܐ لذلك كان فيها كثيرا من الأخطاء والتناقضات وعلى سبيل المثال حول أصول الشعب العبري الذي تنسبه التوراة إلى أور الكلدانيين واعتبار اليهود حتى بآراميين حيث ذكرت التوراة عن ابراهيم جد اليهود بالآرامي المتجول أي البدوي كون الشعب الآرامي والكلداني عدتا من الشعوب البدوية التي أمت بلاد ما بين النهرين مؤخرا حيث كانت الحضارة الأكادية، البابلية والآشورية في أوجها.

ثمة هناك إنقطاع حصل نتيجة زوال تلك الطبقة الخاصة من الكتاب بالقلم المسماري نظرا لفقداننا السلطة السياسية بعد سقوط نينوى 612 وبابل 538 قبل الميلاد ومحاولتنا وخاصة عندما دخلت شعوبنا المسيحية باستخدام الكتابة الآرامية التي في الأصل كانت سينائية كنعانية كما تقبلنا الديانة المسيحية كل هذه العوامل أثرت تأثيرا كبيرا في مسيرتنا .
فالديانة المسيحية أوجدت مجتمعا موحدا والعوامل الموحدة كانت الدين الجديد ومن ثم نمط الكتابة الجديدة، عدا أن كل شعوب الهلال الخصيب كانت تشدهم القربى بإنتمائهم الى الدوحة السامية ، إذ كل هذه العوامل ساعدت أن توجد مجتمعا سريانيا جديدا والمبني على الشعوب القديمة من آشورية بابلية، كنعانية فينيقية، إبلية عمورية، كلدانية وآرامية.

ولما كانت الديانة الجديدة كما قلنا أعلاه من مصدر سوري، والتسمية السورية التي ترقى أصولها إلى أجدادنا الآشوريين ولكن غدت في عصور لاحقة وخاصة في عهود اليونان والرومان كتسمية عامة للمنطقة ، ولكن هذا لا يعني أن هذه الشعوب غدت آشورية، حيث احتفظ الجميع بخصائصهم القومية ولهذا السبب أن المجتمع السرياني هذا لم يكن له صبغة سياسية، بل دينية وجل إهتمامهم كان لنشر المسيحية وهذا ما نجح فيه أجدادنا في البداية ولكن بعد ظهور الإسلام في مطلع القرن السابع الميلادي وما بعده الوضع تغير تغييرا جذريا مما دعا المورخ البريطاني أرنولد جي توينبي للقول :
• " وإذ اجتاح الإسلام هذه الأصقاع عصف بها حتى لم يبق منها الى اليوم إلا صور متحجرة لمجتمع سرياني منقرض " A. J. Toynbee, Vol V, page 127 أما الدكتور شوقي ضيف كان أكثر قساوة إذ وصفها بقوله: " وقد ظلت بلهجاتها المختلفة لغة حية في الشرق الأوسط إلى أن جاء الإسلام فقضت عليها وعلى لهجاتها لغة القرآن الكريم ( وما أكرم القرآن! ) وإن ظلت معروفة في بعض البيئات. " تاريخ الأدب العربي ، العصر الجاهلي – دار المعارف بمصر 1960 صفحة 25


تاريخيا وخصوصا بعد إماطة اللثام عن كنوزنا المدفونة في نينوى، آشور، كالح ، و (تل الليلان ودور كتلامو في سوريا ) وبابل وأور وأكاد وغيرها من المواقع تبين لنا الحقيقة أنه كان للآشوريين دور كبير ورئيسي يفوق الجميع كما جاءت شعرا على لسان الأب الشاعر المرحوم بولص البيداري ( من الطائفة الكلدانية ) حيث يقول بالحرف الواحد:

ܠܐܟܕܝܐ ܢܩܦܘ ܟܣܝܐ ܘܐܬܘܪܝܐ// بعد الأكاديين جاء الكاشيون والآشوريون
ܘ ܐܬܘܪܝܐ ܙܟܘ ܠܩܕܡܝܐ ܥܠܒ ܠܐܚܪܝܐ // الآشوريون فاقوا على الأوائل وعلى الآواخر
ܐܚܪܝܐ ܐܬܘ ܘܣܠܩܘ ܠܕܪܓܐ ܛܒ ܥܠܝܐ // أواخر كانوا وتقدموا لدرجات عالية جدا
ܥܠܝܐ ܒܟܠ ܡܫܩܠܐ ܓܐܝܐ ܐܪܫܟܝܐ ܀// من أي مصدر هم ( الآشوريون ) في العلى وببهاء

العدوى القومية تطمس الحقائق التاريخية

من المؤسف جدا، أن العدوى القومية التي أصابت مجتمعاتنا المسيحية الطائفية مؤخرا وخاصة بعد إحتلال العراق 2003 إذ نرى ثلة لناشطين من دعاة الكلدانية والآرامية، الذين يلغون أحدهما الآخر وبنفس الوتيرة يتفقون معا بإلغاء وجود شعبنا الآشوري برمته والطامة الكبرى وهم جميعا من سكان ومواطني بلاد آشور / مات آشور . ولكن هؤلاء كما قلنا لم يكن لهم أي نشاط في السابق، واليوم والغاية في نفس يعقوب يريدون بعث القومية الكلدانية والآرامية وهي معدومة ومنقرضة في عقر دارها الآرامية في دمشق والكلدانية في سومر جنوب العراق حول الخليج على حساب الشعب الآشوري !

إن هذه الطغمة كونها عربية اللسان والإيمان، فبالأمس لم يكن همهم إلا " العروبة " ناسين أم متناسين رغم كل هذه الظروف العصيبة أن شعبنا الآشوري تمسك واعتصم بأهداب قوميته الآشورية اعتصامه بالله، حيث كثيرا ما تجد في كتابات الأباء المسيحيين الأوائل من أمثال مار عبديشوع الصوباوي أمير الشعر السرياني والعلامة كيوركيس وردا الأربيلي وغيرهما اللذان أشادوا بآشور والآشورية قبل أن تطأ أقدام الإنكليز في الشرق الأوسط بقرون ، حيث تبطل وتفند مقولة البعض من المناوئين المعروفين في نواياهم الشريرة والذين يتشدقون ومن ثم يخدعون شعبنا بأن الإنكليز هم الذين أطلقوا علينا الإسم الآشوري.

والخلاصة، قلتها وأقولها باختصار إن الشعب الآشوري لم ينقرض حسب أقوال البعض من مناوئي أمتنا، بل ظل حيا وأكثر بكثير من أشقائه الأخرين من كلدان وآراميين الذين انقرضوا ولم يبق منهم أثر بعد عين .
أقول للذين يقولون أن الآشوريين انقرضوا وذابوا في المجتمع الآرامي أو الآخرون أن الكلدان قضوا على الشعب الآشوري وغيرها ، كل هذه الإدعاءات والإفتراءات لا صدق فيها، بل بالعكس الذين قضي عليهم هم الآراميون والكلدانيون أنفسهم االذين ذابوا في المجتمع العربي الاسلامي وما على الكلدان إلا التوجه جنوبا الى البصرة وعلى الآراميين التوجه الى دمشق، فشمال العراق، آشوري بشعبه وبتاريخه وبجباله وبسهوله .

وعلى سبيل المثال، المؤرخ هيرودوتس اليوناني ذكر عن الجيش الآشوري الذي كان مشاركا في جيش الفرس ونظام تسليحه وخصوصا عن خوذة رأسه عجيبة الصنع بعد سقوط نينوى ، ومن ثم هناك رسالة الملك أبجر/ ܐܒܓܪ ملك أورهي/ الرها التي كتبها في أيام المسيح الى أخيه ملك آثور المسمى " نارساي " ومن ثم الامبراطور الروماني تراجان Trajan الذي أوجد الأقاليم الشرقية الثلاثة ، أرمينيا وبلاد الرافدين وآثور Assyria وذلك حوالي 117 ميلادية والتي كانت تقريبا حتى الغزو العربي الإسلامي ، بينما ليس هناك أي ذكر عن الآراميين والكلدان .

المعضلة القومية، اللغوية والمذهبية

إن احدى مشاكلنا الأساسية وهي، أن الذين يبحثون أمورنا ، تجد غالبا منهم لا يملكون المعرفة الكاملة تاريخيا، حيث هناك منهم حتى يستشهد بما يقوله الآخرون دون التأكد من المصدر الرئيسي والذي حتى وهو محرف أصلا من قبلهم، لذلك هنا ضاعت الطاسة . وهكذا نجد من يبحث قضايانا أنه يبدأ معالجة الناحية اللغوية والقومية وإذ به يقفز في البحث في الأمور الدينية والمذهبية والعكس. لذلك تجد الأمور معقدة نظرا لعدم فهمهم للحقيقة والطريق السليم للوصول اليها.
وهنا تبرز المشكلة الكبرى أن مناوئي أمتنا الآشورية لا العلمانيين منهم بل حتى الدينيين لا يفصحون ولا يكشفون الحقائق التي لا تشوبها شائبة، إذ من المؤسف أنهم يتجاهلونها قصدا وعمدا لزرع البلبلة وهنا الإكليروس الكلداني مع احترامي يأتي في الصدارة مع الأسف الشديد.

أعزائي: هنا أستشهد ببعض الذين لهم دراية في شؤوننا حول قضيتنا واترك للقراء الحرية كل الحرية كي يتخذوا الموقف الذي يناسبهم . فمثلا من الناحية اللغوية، حيث الجميع يذكر أننا جميعا نتكلم اللغة الآرامية ، في وقت شخصيا قلتها مرارا ان هذه الناحية لا صحة فيها وتكلمنا بالآرامية هي كتكلم الآراميين بلغتنا الآشورية إذ كل اللغات في الهلال الخصيب من مصدر واحد وهي أكثر تقاربا من بعضها البعض من اللغات السامية الأخرى.

والآن لنرى ما يقولانه كل من الملفان فولوس غبريال وكميل أفرام البستاني عن اللغة السريانية، الأول أستاذ الدراسات السامية والثاني رئيس قسم الفنون والآثار في كلية الآداب والعلوم الإنسانية من الجامعة اللبنانية :

" اللغة السريانية لهجة من اللهجات الآرامية التي تصعد أصولها الى البابلية/ الآشورية القديمة والأكادية .. "
أما العلامة ابراهيم كبرائيل صومي يقول في كتابه باللغة العربية تحت عنوان " كتاب المقالات في الأمة السريانية " والمنقول من كتابه باللغة السريانية نفسها ومن تأليفه أيضا ما يلي:

" ولهذه الأسباب وغيرها، فإن كثيرين من علماء السريان وكتابهم من شرقيين وغربيين، أمثال ابن علي، وحسن بن بهلول، وإبن الصليبي، وإبن العبري، قد ادلوا سهوا بالبينات الغير حقيقية عن أصل السريان وعناصرهم، او عن الشعوب والقبائل التي من اتحادها وامتزاجها، على مدى الأزمنة والعصور، تكونت الأمة السريانية، وكيفية تسميتها هذه ، لإعتمادهم واتكالهم على معلومات المصادر اليهودية واليونانية التي لم تخل من التعقيد والتشويش.
ولمجرد هذه الأسباب الواهية، فقد قال البعض بأن السريان سميوا أو دعيوا باسم " سورس " المحرف من اسم قورش/ كورش الفارسي ... ومن المؤسف أن نرى حتى الآن ما زال بعض أئمة السريان الحاليين، يدلون بمثل هذه البينات الباطلة ... ومن المعلوم بأن أولئك الأئمة والكتبة السريان، قد خلطوا بين شخصية سوروس الفارسي وبين شخصية أحد ملوك اليونان الذي بنى مدينة انطاكية ( راجع مقدمة كتاب دليل الراغبين في لغة الآراميين
للقس يعقوب اوجين منا ) ألا أن البطريرك مار ميخائيل الكبير، قد خالف رأيهم هذا، في مقدمة كتابه عن تاريخ العالم. حيث بين بكل صراحة عن لسان التلمحري الذي أدلى ببيناته الحقيقية، لأحد أساقفة اليونان، قائلا: بان السريان هم حقا حفدة الآشوريين الذين من ملوكهم كان سركون وسنحاريب وأسرحدون وآشور بني بال، المذكورين في الكتاب المقدس ... "

وختاما، أضع أمامكم البيان الذي اصدرته اللجنة التحضيرية لإدارة شؤون الناطقين بالسريانية الآشوريين في العراق في اوائل عام 1973، حيث كان من الذي أتوا بهذا الكلام من مختلف الطوائف واحدهم كان قداسة الحبر الاعظم مار زكا عيواص بطريرك السريان الأرثوذكس :

إن الناطقين بالسريانية الآشوريين من آثوريين وكلدان وسريان يمثلون القومية التي انحدرت من الآشوريين القدامى وذلك من النواحي الأصل واللغة والتاريخ والتراث الحضاري.

Opinions