هل سيعثر العلماء يوماً ما على المادة المضادة في الكون؟
jawadbashara@yahoo.frتؤكد النظريات العلمية في الفيزياء الكونية والفلكية إن الانفجار العظيم Big Bang قد خلق مادة ومادة مضادة بنفس القدر، قبل ما يقارب 14 عشر مليار سنة، بيد أن هذه الثانية ـ أي المادة المضادة ـ باتت مفقودة أو غائبة من مكونات الكون المرئي والمرصود، وتجري أبحاث جدية منذ أمد طويل لمعرفة أسباب هذا الاختفاء وهل ما تزال المادة المضادة موجودة في مكان ما لا يطاوله البشر اليوم في أعماق الكون أم أنها تصرفت بطريقتها كردة فعل على هيمنة المادة الواقعية والمرئية الملموسة وكونت لنفسها كوناً آخر غير مرئي، توأم لكوننا، يشبهه في كل شيء ولكن بصورة معكوسة كما هو حال الصورة المنعكسة في المرآة، إلا أنه يقبع في أبعاد أخرى لا قدرة لنا على كشفها أو استشعارها أو قياسها؟. المختبرات الأرضية تعمل جاهدة للكشف عن المادة المضادة من خلال التجارب. ففي مصادم ومسرع الدقائق أو الجزئيات الجبار في المركز الأوروبي للأبحاث الفضائية الموجود بالقرب من جنيف، CERN قذفت بروتونات ووجهت بمساعدة مغناطيس نحو هدف من الرصاص، ومن جراء التصادم من المفترض أن تتكون جزئيات أو جسيمات سرعان ما تتفكك وتتحول إلى نوتريونات neutrions. ومن المؤمل رصد هذه النوتريونات على مبعدة 700 كلم من هذا المكان في مرقب غران ساسو Gran Sasso الواقع في جبل يحمل نفس الإسم بالقرب من روما ويضم أكبر مختبر تحت الأرض لإجراء تجارب فيزياء الدقائق أو الجسيمات، و على عمق 1400 متر في باطن الأرض يوجد مرقب أو جهاز استشعار ورصد ضخم جداً يزن حوالي 2000 طن. ويقوم منذ العام 2006 بتسجيل وجود دقائق أو جزيئات معروفة باسم النوتريونات تبث على مدى 732 كلم عبر القشرة الأرضية من قبل منشآت المختبر الأوروبي لفيزياء الطاقات القصوى المعروف باسم سيرن CERN المشار إليه أعلاه.
أطلق على التجربة تعبير الأوبرا Opera وهي الحروف الأولى لاسم التجربة بالانجليزية أي Apparatus Oscillation Project With Emulsion - t Rackingوتهدف التجربة إلى فهم أفضل لسلوك الدقائق أو الجزئيات من بين العديد من الجزئيات الموجودة في الكون. فدراستها تتميز بصعوبة بالغة لأنها نادراً ما تتفاعل مع المادة المألوفة لدينا. وهو تفاعل من الضعف بمكان جعل العلماء يطلقون صفة " الجسيمات والدقائق الشبحية" على جزئيات النوتريونات. إن خصائص هذه الجزئيات شكلت لحد الآن الأثر الأكثر مصداقية لحل مشكلة جوهرية من مشاكل علم الكونيات أو الكوزمولوجيا، المتعلقة بفرضية أن الانفجار العظيم قد خلق من المادة بقدر ما خلق من المادة المضادة matière et antimatière والحال أن المادة المضادة باتت شبه مفقودة في الكون الفيزيائي المرئي ولا أحد يعرف على وجه اليقين كيف تمكنت المادة من التفوق على قرينتها وندها المادة المضادة والهيمنة على مكونات الكون الظاهر، ولا السبب الذي أدى إلى هذه النتيجة، علماً أن بعض العلماء يقبل بوجود المادة المضادة ولا يعتقد بانعدامها كلياً. إن مفهوم المادة المضادة يعود إلى سنوات العشرينات من القرن المنصرم عندما نجح العالم بول ديراك Paul Dirac سنة 1920، الأستاذ في جامعة كامبردج في المملكة المتحدة، في التوفيق والجمع بين ميكانيك الكم mécanique quantique ونظرية النسبية الخاصة la théorie de la relativité restrreinte التي كانت تطبق على الالكترونات وكانت معادلات ديراك قد وفرت حلين: الأول له علاقة بطاقة إيجابية والآخر بطاقة سلبية. ومن وجهة نظر فيزيائية محضة حسب رأي عالم الفيزياء البريطاني، فإن النوع الثاني من الطاقة يتضمن جزئيات تمتلك طاقة إيجابية وشحنة كهربائية مضادة للإلكترون، أي الكترونات مضادة. كانت المجموعة العلمية مترددة في قبول هذا التفسير من جانب ديراك الذي تعرض للسخرية من قبل العالم الشهير نيلز بورNils Bohr أحد أشهر علماء ميكانيك الكم الكوانتي من الرواد. ولكن لم يستغرق هذا الإجحاف وقتاً طويلاً بحق ديراك. ففي عام 1932 لاحظ العالم كارل اندرسون Carl Anderson أن الإشعاعات الكونية تولد الكترونات وجزيئات أو دقائق بنفس الكتلة ولكن بشحنة مضادة سرعان ما شخصت باعتبارها الإلكترونات المضادة antiélctrons أو البوزيتونات positons التي قال بها ديراك.
وكلنا يعرف أن الالكترونات والالكترونات المضادة تنهي إحداها الأخرى وتعدمها عندما يلتقيان مما يؤدي إلى بعث زوج من الفوتونات على الأقل. وفي سنوات الخمسينات من القرن العشرين سمحت تجارب العلماء إيمليو سيجريه وأوين شومبرلان وبروس كورك Emilio Segré، Owen Chamberlain، Bruce Cork بتعميم مفهوم وجود المادة المضادة كحقيقة علمية. وفي مختبر لورنس في بيركلي في كاليفورنيا اكتشف هؤلاء العلماء البروتون المضاد antiproton ومن ثم النوترون المضاد antineutron وإن الجسيمات المضادة للبروتون والنوترون تشكل نواتات الذرات، وبالتالي فإن معادلات ديراك صالحة تماماً وتطبق على جميع جزيئات المادة، وإن تلك النتائج تؤيد وترسخ فكرة أن عكس الشحنة المرموز لها بالحرف س C يمكن أن يكون تماثلاً متميزاً لكوننا. وسيكون من المستحيل التمييز والتفريق بين العالم والعالم المضاد له، monde et antimonde بدون وضعهما على اتصال واحتكاك مباشر بينهما، لأن ذلك يؤدي إلى انعدامهما annihilation واختفائهما. لا توجد مخاطرة من هذا النوع في كوننا الحالي حيث لا توجد المادة المضادة إلا بكميات صغيرة للغاية. وعلى الأرض تتكون المادة المضادة من جراء تسريع الجزئيات المادية، إضافة إلى العدد الضئيل جداً من الجسيمات أو الجزئيات المضادة القادمة من الفضاء التي تتحلل وتنعدم على الفور عند احتكاكها بالغلاف الجوي الأرضي بيد أن النظريات الكونية الكوزمولوجية تؤكد أن الأمر ليس كذلك دائماً وبانتظام بل هناك استثناءات.
لنعد القهقري إلى الماضي السحيق، لكوننا البدئي وهو في حالة توسع وتمدد. سيعني ذلك تعريض الكون في ذلك الوقت لحالة ضغط ترفع درجة حرارته. ولو عدنا إلى الوراء سنلمس أن طاقة الجزئيات تزداد تدريجياً وتتسبب بصدامات تزداد عنفاًً أكثر فأكثر. وتقود تلك التصادمات إلى إلغاء فعل وتأثير قوة الجاذبية أو قوة الثقالة التي تربط ذرات الكواكب بذرات النجوم. ومن ثم، وبدرجة حرارة تبلغ 1400 كلفن، سوف تحطم الصلة الكهرومغناطيسية القائمة بين الالكترونات والبروتونات. وبدرجة حرارة تبلغ عشرات المليارات كلفن، تتحطم الصلة بين البروتونات والنوترونات داخل النواتات، وبدرجة حرارة تبلغ ألفي مليار كلفن، فإن الكواركات، وهي المكونات الأساسية والأولية للبروتونات والنوترونات،، سوف تتحرر بدورها وتفلت. وفيما يتجاوز ذلك، فإن طاقة الاصطدام بين الكواركات نفسها ستكون من القوة بمكان، فإنها ستتسبب بخلق المزيد من أزواج الكواركات والكواركات المضادة quarks et antiquarks ومايعادلها أو يساويها من المادة المضادة. إن هذه الظروف والخصائص هي ذاتها التي كانت موجودة إبان بدايات خلق الكون حيث كان يحتوي على نفس القدر من المادة والمادة المضادة مع زيادة ضئيلة للمادة على المادة المضادة، لسبب نجهله نحن البشر لحد الآن وقد يكون ذلك لحكمة خفية لكي نوجد نحن وباقي الوجود المادي، الأمر الذي سمح ببقاء المادة موجودة وعلى قيد الحياة ومرئية، فلو كان القدرالكمي متساوي تماماً بينهما لألغى أحدهما الآخر وأعدمه تاركاً المجال لكم من غاز من الفوتونات. يقاس الفرق بين المادة والمادة المضادة بوحدة قياس لايعرفها العامة من الناس تسمى رقم أو عدد البارونيك الخالص nombre baryonique net ـ "الباريونات هي عائلة من الجزيئات الثقيلة حيث النوترونات والبروتونات هي الممثلة الأساسية لها" ـ وتحدد من خلال وزن كمية المادة الموجودة حالياً في الكون. وتظهر الحسابات في الكون البدائي بأنه مقابل مليار كوارك مضاد antiquarks يتعين وجود مليار كوارك وواحد، وليس إثنين أو ثلاثة أكثر، وإلا سيكون هناك مادة بمقدار يزيد على ماهو موجود الآن مرتين أو ثلاث مرات.
إذن حدث خرق أو انتهاك للتماثل والتجانس Symétrie، ولو كان ضئيلاًً، إلا أنه كان ضرورياً. فما هي الآليات التي سمحت بهذا اللاتماثل واللاتجانس الذي لابد منه؟ في أواسط سنوات الخمسينات من القرن الماضي، قدم علماء في الولايات المتحدة الأمريكية، هم تسونغ داو لي Tsung Dao Lee من جامعة كولومبيا، وشين ننغ يونغ Chen Ning Yangمن معهد الدراسات المتقدمة في برينستون، البوادر الأولى للجواب. فبالنسبة لهؤلاء العلماء إن القوة الكونية الضعيفة، وهي إحدى القوى الكونية الجوهرية الأربعة التي تسيير الكون، وأحد أعمدة التفاعلات الجوهرية للفيزياء، انتهكت وخرقت مبدأ التماثل المنصف أو انتهكت مبدأ التوزيع المتساوي المرموز له بالحرف ب P، وهي عملية من شأنها قلب أو عكس أحد المحاور في إحداثيات الفضاء ومرتكزاته. وقد جوبهت هذه الفرضية بجفاف من جانب علماء الفيزياء آنذاك. فما السبب الذي لا يجعل الكون متماثلاً تماماً لصورته المنعكسة في المرآة؟ وللإجابة على ذلك أقنع العالم تسونغ داو لي زميله شيين شيونغ وو Chien Shiung Wu بإجراء تجربة من خلال تحليل تفكك نواة ذرة كوبالت cobalt وهو العنصر المعروف بضعف تفاعلاته وقد أظهرت التجربة سنة 1957 إن إلكترونات قذفت باتجاه محدد ومفضل في المكان، وهو الاتجاه المضاد لمركز النواة spin de noyau وهي خاصية كمية أو كوانتية ظاهرة وبارزة لدوران الجزيئات حول نفسها. والتفسير الناجم عن ذلك هو أنه على عكس باقي القوى الكونية: الثقالة، والقوة النووية الشديدة، والقوة الكهرومغناطيسية، فإن القوة النووية الضعيفة غير حساسة للجزيئات والدقائق التي تسير باتجاه معاكس لمركز نواتاتها leur spin وفي هذه الحالة يقال أن تلك الجزيئات تمتلك إهليجاً أو لولباً إيجابياً hélicité positive أو يمين droite وإلا ستكون اللولبية سلبية hélicité négative أو يسار، وإن الجسيمات أو الدقائق ستتفاعل مع القوة الضعيفة. طمأن علماء الفيزياء أنفسهم لفترة وذلك بإظهارهم أن التماثل الذي يجب أن يحترم ليس هو تماثل س C أو P بل لنتاجهما معاً CP وهي عملية تتمثل بانعكاس أو عكس الشحنة وكذلك الأبعاد الإحداثية المكانية أو المعالم الفضائية أو التناسقات الفضائية المتماثلة بالدرجة coordonnées spatiales. فالقوة الضعيفة تتيح التمييز بين عالمنا والعالم المضاد له المقترنة بـ C conjugé par C وليس بالعالم المضاد المقترن بـ CP الذي يحول الجزئيات اليسارية إلى جزئيات مضادة يمينية.
حصلت قفزة جديدة في هذا المجال سنة 1964 في مختبر بروكهافن Brookhaven في نيويورك حيث راقب فريق دولي خرقاً للـ CP أثناء تفكك جزيئة مدارية شاذة أو غريبة من نوعها exotique تسمى ميزون ك méson K وهذه يمكنها أن توجد بحالتين فيزيائيتين. ولو أحترم تماثل الـ CP فإن الحالة الأولى لتلك الجزيئة ستتحلل بسرعة إلى جزيئتين والثانية،وهي أبطأ بكثير منالأولى، ستتجزأ إلى ثلاث جزيئات. والحال أنه في حزمة من ميزونات ك faisceau de mésons K يستمر الفيزيائيون في ملاحظة صيرورة التفكك إلى جزيئتين بعد زمن حياة الحالة الأولى، وعددها لامتناهي، ولكن أقيم الدليل على أن قوانين الطبيعة هي التي تميز بين المادة والمادة المضادة. استمرت الأبحاث لفهم الآلية التي سمحت للمادة أن تطغى على قرينتها المادة المضادة. واستنفر الفيزيائيون طاقاتهم لهذه المهمة ومن بينهم العالم السوفيتي الراحل والحائز على جائزة نوبل للفيزياء أندريه زاخاروف. ففي عام 1967 قدم موديلاً أو أنموذجاً يتضمن الشروط الضرورية الثلاثة لظهور كون تهيمن عليه المادة: 1) مرحلة عنيفة من الخلل وانعدام التوازن الترمو حراري أو الترموديناميكي thermodynamique، 2) تفاعل وتداخل أدى إلى تعديل عدد الباريونيك nombre baryonique، 3) وأخيراً خرق الـ CP، حيث مايزال السبب في ذلك مجهولاً وغامضاً أو لغزاً لم يحل بعد. إن محاولات فهم هذا الخرق تتقدم ببطء بالتوازي مع تراكم المعرفة بشأن الكواركات. ففي سنة 1973، أثبت العالمان اليابانيان ماكوتو كوباياشي Makoto Kobayashi و توشيد ماسكاوا Toshihide Maskawa أن هناك نظرية جديدة معروفة اليوم باسم " الموديل القياسي أو النموذجي لفيزياء الدقائق أو الجزيئات modèle standard de la physique des particules " تصف الجزيئات الأولية والقوى التي تسيير وتتحكم بتفاعلاتها، وتسمح بحصول مثل هذا الخرق للـ CP. ويتطلب الأمر وجود ثلاث عوائل أو مجموعات من الكواركات، كل مجموعة تتضمن أو تضم نوعين من الكواركات بشحنات متضادة ومتعاكسة أو مختلفة وهذه بدورها تتفاعل وتؤثر ببعضها عبر القوة النووية الضعيفة، ولكن بين تفاعلين، يمكنها أن تتحول أو تتأرجح من عائلة إلى أخرى أو من مجموعة إلى أخرى، ولايمكن شرح أو تفسير هذا الخرق إلا من خلال صيرورة تجمع بين التأرجح أو التذبذب والتفاعل oscillation et interaction كما هو الحال عند تفكك ميزونات كmésons K. وبعد مرور أربعة أعوام تكللت أبحاث هذين العالمين بالنجاح وتتوجت عام 2008 بحصولهما على جائزة نوبل في فيزياء الجزيئات. و عندما تم اكتشاف عائلة الكواركات الثالثة في مختبر بالقرب من شيكاغو في أمريكا وعرفت تلك العائلة الكواركية باسم بوتوم bottom. ، بدأ حينذاك سعي محموم لمطاردة حالة خرق الـ CP في أنظمة أخرى، لاسيما داخل جزيئات تحتوي كواركات البوتوم. وكان الباحثون والمنظرون الذين شحذتهم وحثتهم أبحاث زاخاروف في الماضي القريب، قد تركزت على آلية تعديل عدد الباريونيك. وفي أواسط سنوات الثمانينات أظهر العلماء الروس فاديم كوزمينVadim Kuzmin وفاليري روباكوف Valery Rubakov وميكائيل شابوشنيكوف mikhail Shaposhnikov في معهد الأبحاث النووية في موسكو، أنه في درجة حرارة تزيد على مليون مليار كلفن، يمكن لصيرورات " anomaux "، وهي ظواهر كوانتية بحتة ليس لها امتدادات في العالم الميكروسكوبي، يمكنها تحويل كواركات من إهليجية أو لولبية يساريةhélicité gauche إلى جزيئات أخرى تدعى لبتونات leptons التي لاتدخل في حساب عدد الباريونيك المحض nombre baryonique net.
وبفضل هذه النجاحات التجريبية اعتقد بعض علماء الفيزياء الكوانتية أن لغز المادة المضادة في طريقه إلى الحل. من وجهة نظر نوعية ِqualitatif، فإن الموديل القياسي أو النموذجي المشار إليه أعلاه يجتمع على العناصر الضرورية لظهور تماثل أو تجانس توأمي. في سنة 1992 اقترح ميكائيل شابوشنيكوف موديل كوانتي quantitatif، أظهر أن تعطيل الصيرورات الـ anomaux سيفرض تحديداً أعلى من كتلة بوزونات هيغز، bosons de Higgs، المعروفة باسم جسيمات الله، وهي التي تمثل الحلقة المفقودة في الموديل النموذجي، والتي بدونها لن يكون للجزيئات كتل. فالبحث عن بوزون هيغز دفع كتلتها بالتدريج إلى ما يتعدى المعدل أو الحد الذي وضعه وحدده شابوشنيكوف. إلى ذلك، فإن خرق الـ CP المرصود في الجزيئات المكونة من كواركات لايفسر إنعدام التماثل بين المادة والمادة المضادة. وفي سنة 1993 وجد العلماء بلين غافيلا Belèn Gavela وبيلار هيمانديز Pilar Hemandez وأوليفية بينOlivier pène و جون أورلوف jean Orloff وحددوا السبب بالصيغة التالية: في درجات حرارة عالية جداً فإن التفاعلات الشديدة تحطم التجانس الكمي أو الكوانتي الضروري لتأرجح الكواركات مما يحد من تأثيرات خرق الـ CP بحدود كمية تقل 10 مليارات مرة عن عدم التماثل الأصلي asymétrie originelle وكانت بأعداد قليلة جداً بحيث لايمكنها أن تتوافق مع خصائص الكون البدائي الأولي، ولكنها كبيرة جداً بحيث لايمكن تفسيرها ديناميكياً داخل الأنموذج القياسي أو الموديل المثالي. وقد استدعى الأمر إدخال أو إضافة عنصر أصيل ingrédient من أجل الحصول على عدم تماثل asymétrie كاف ومقبول. وكان النوترينو neutrino هو المرشح الأمثل سيما وأن الاكتشافات الحديثة في خصائصه وضعت الفيزيائيين على هذا الدرب أو الأثر الجديد لكي يقتفوه.
إن وجود جزيئة النوترينوneutrino كمرشح قد اقترحه سنة 1930 العالم الفيزيائي النمساوي فولفغانغ بولي Wolfgang Pauli بغية تفسير اختفاء الطاقة أثناء تفكيك وفلق النترون neutron إن إقتراح فرضية وجود جزيئة غير مرئية حاملة للطاقة كانت مقبولة آنذاك من الناحية النظرية ولكن من الصعب إثباتها أو التحقق من صحتها. وقد أظهر العالم الأمريكي هانس بيث Hans Bethe سنة 1934 إن احتمالية تفاعل جزيئة نوترينو مع المادة يمكن أن تكون ضعيفة جداً وأقل أهمية بمليارات المليارات من تفاعل الإلكترون.
إن الكشف عن النوترينواتneutrinos يمثل ضمانة وقرينة لا تقبل الدحض على صحة الطرح النظري في هذا المجال. واحتاج الأمر إلى عشرين عاماً قبل أن يتم رصد جزيئة نوترينو من قبل كليد كوانClyde Cowan وفردريك رين Frederick Reines بالقرب من المفاعل النووي سافانا ريفرSavannah River في الولايات المتحدة الأمريكية. تم فيما بعد اكتشاف ثلاث أنواع من النوترينوات : نوترينو الالكترون لعنصري الميون والتو muon et tau وسميت هكذا لأنها تبث دائماً مع جزيئات اللبتونات particules des leptons المشحونة التي تحمل نفس الإسم. وفي داخل الموديل النموذجي model standard ليس للنوترينوات كتل مما يسهل معادلات ديراك Dirac بشأن خصائص الونترينوات ومضاداتها neutrinos et antineutrinos. وربما تكون كتل ضعيفة جداً إلى درجة تسمح لنا بتجاهلها لعدم تأثيرها على قياسات اللولبية hélicité. . ومع مرور الوقت ومثابرة العلماء تطورت الأفكار حول كتلة النوترينوات. ففي سنة 1968 قاد ريموند دافيز Ramond Davis عملية بناء حوض cuve مليء بـ 600 طن من السولفان solvant الغني بالكلور. وكان يأمل من وراء ذلك رصد واكتشاف النوترينوات الالكترونية التي تبثها الشمس من جراء عمليات الانفلاق النووي. وباختراقها الحوض تحول هذه النوترينوات بعض ذرات الكلور إلى آرغون Argon.. الحوض موضوع تحت عمق 2300 متر تحت الصخور في منجم هومستيك Homstake في الولايات المتحدة الأمريكية لكي لاتشوش الإشعاعات الكونية الحسابات، وكانت النتائج مثيرة للدهشة. فثلث الكمية المتوقعة من النوترينوات تم رصدها فقط، وكانت التوقعات لكميات أكبر ناتجة عن التفاعلات النووية، ولم تكن عملية استخلاص ذرات الآرغون كاملة، وهذه هي الاعتراضات التي جوبه بها دافيز من قبل زملائه الفيزيائيين لكنه لم يفقد عزمه وواصل تحسين تجهيزاته خلال الثلاثين عاماً المنصرمة. تجدر الإشارة إلى أن أغلب النوترينوات neutrinos وجزيئاتها المعكوسة أو قرينتها المضادة هي ذات أصل فضائي لا أرضي أو من خارج الأرض extraterrestre وناجمة عن التفاعلات والانفلاقات النووية في قلب الشمس والنجوم أو عن انفجارات السوبر نوفا supernovae أو اثناء انفلاق النواتات الذرية عند حدوث اصطدامات ذات طاقات هائلة تسمى spallation.
أثناء ذلك تمركزت فكرة أن النوترينوات يمكنها، مثل الكواركات، أن تتطور مع الزمن متأرجحة ومتذبذبة تتراوح بين هذه العائلة أو المجموعة وتلك. وأثناء الرحلة التي تقطعها النوترينوات من الشمس إلى الأرض فإن جزء من النوترينوات الالكترونية يمكن أن يتحول إلى نوترينوات ميونية neutrinos muoniques، وإن هذا التأرجح والانتقال من عائلة لأخرى هو الذي يفسر النقص أو العجز في النوترينوات الالكترونية في تجارب دافيز الذي لم يرصد النوترينوات الميونية.
ففكرة تأرجح وتذبذب النوترينوات لها تداعيات وتبعات مهمة. فهي تنطوي أولاً على أن للنوترينوات كتل عكس ما يوحي به الأنموذج القياسي أو الموديل النموذجي model standard بحدوده الدنيا، لأن الميكانيك الكوانتي أو الكمي يسمح بتأرجح وتذبذب وتنقل الجزئيات فقط إذا كانت ذات كتل massives. إضافة إلا أن تقبل فكرة تأرجح وتذبذب النوترينوات فتح آفاقاً جديدة لفهم مشكلة انعدام التماثل والتساوي بين المادة والمادة المضادة. ففي ثلاث عوائل أو مجموعات من النوترينوات يكون خرق الـ CP ممكناً ومشابهاً من الناحية المبدئية لما ينتج مع الكواركات.، ولكن وبما أن النوترينوات لاتتفاعل إلا مع القوة النووية الضعيفة، فإن عملية الخرق هذه تبدو أهم وأكبر مع درجات حرارة عالية، فالتفاعل القوي لايمكنه تدمير التناسق والتساوق الكوانتي لدى خليط من النوترينوات.
وكان لإعلان صحة نتائج دافيز سنة 1998 صدى كبير. فباستخدام حوض مليء بـ 50000 طن من الماء، أظهر العلماء المشرفون على تجربة سوبر كاميوكاند Super Kamiokande في اليابان، أن تدفق النوترينوات المتولدة في الغلاف الجوي من الإشعاعات الكونية هي ايضاً أضعف مما كان متوقعاً وإن دقة أجهزة الرصد لاتقدم الضمانات المطلوبة لكن الفيزيائيين الذين يؤيدون فكرة أن النوترينوات خالية من الكتلة باتوا في موقع دفاع عن النفس. فهذه التجربة فتحت طرقاً للتجريب متقدمة بشأن ظاهرة تأرجح وتذبذب النوترينوات. ففي سنة 2004 سجل راصد كاملاند Kam LAND وجود عجز أو نقص في النوترينوات التي تبث من جميع المفاعلات النووية اليابانية، وكذلك فإن مسرع الجزيئات يمثل مصدراً آخر لفهم خصائص النوترينوات وقد تم في تموز 2006 إثبات اختفاء جزء من النوترينوات خلال رحلتها بين مصدر البث وأجهزة الاستكشاف والاستشعار والرصد وعلى مسافة 735 كلم، ويتعين على العلماء العثور على الصلة بين اختفاء جزء من النوترينوات وظهور غيرها، وكان جهاز الرصد والاستشعار أوبرا قد صمم لهذه الغاية بالذات إلى جانب مهام أخرى. ومنذ أيلول 2006 وهو يستشعر وجود نوترينوات تويك neutrinos tauiques ناجمة عن تأرجح نوترينوات ميونيه neutrinos muoniques يرسلها مسرع الجزئيات سيرن CERN. وسيحتاج الأمر إلى عدة سنوات لتشخيص النوترينوات التويك neutrinos tauiques النادرة الناجمة عن التأرجح والتذبذب. وإن دراسة خرق الـ CP في النوترينوات يمكن أن تجرى لتأكيد الظاهرة مما يعني أن العلماء في طريقهم إلى إيجاد الإجابات الناجعة عن انعدام التماثل والتساوي بين المادة والمادة المضادة في الكون.